رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رقصة ليست أخيرة على أطلال أم كلثوم

لسنوات طويلة اقتربت من عالم أهل الفن.. صادقت بعضهم.. ودخلت بيوت الكثيرين منهم.. عشتُ أفراحهم ونجاحاتهم.. وشهدت انكساراتهم وأوجاعهم.. وعرفت أن أوهامنا -نحن العاديين- عن حياة مخملية ناعمة ليس صحيحًا فى معظم الأحيان. 

أغلبهم يعيش حياة أقل من متوسطة.. يتعرض لمضايقات لا حصر لها ولا يستطيع أن يشكو.. لا يستطيع خدش تلك الصورة التى نرسمها له.. بعضهم يعيش لشهور دون أى دخل.. وتقسو على بعضهم الحياة أحيانًا بمرض يحتاج لعلاج طويل الأمد.. وساعتها تنتهى كل خيالات النجم عن سطوته وقدراته.. كثيرون منهم ينكسرون ويضطرون لقبول ما يرضونه لتمر الأزمة، وأغلبهم لا تطاوعه نفسه فيمرض من الحاجة أكثر مما يمرض من إصابة طارئة... عشرات شاهدتهم يبيعون سياراتهم أو شققهم والسكن بالإيجار، حتى لا يعرف الناس أنهم فى حاجة لثمن دواء، أو علاج أو مصاريف مدارس للأبناء، أو مضطرون لدفع ضرائب متراكمة مثلًا.. لقد بت ليلة كاملة فى حجرة أحد ضباط قسم مدينة نصر لمصاحبة أحد نجوم الغناء حينما داهمته الضرائب بحكم حبس، لم يكن قادرًا على دفع المبلغ المطلوب ليتمكن من معارضة الحكم.. كان المبلغ كبيرًا ويومها تدخل موسيقار صديق وفنانة معروفة لدفع المبلغ المطلوب... كانت الضرائب وقتها قد قدرت رقمًا جزافيًا عن نشاط الفنان فى عمل تجارى.. مطعم تشارك فيه مع أحدهم ولأنه لا يفهم فى أعمال المطاعم خسر أمواله وتراكمت عليه الديون، فلم يتمكن من دفع ما قررته المصلحة عن نشاط كان قد توقف قبلها بسنوات.. 

الغرض أن هذه القوة الناعمة التى نباهى بها الآخرين ونحن على حق... لا يستطيع بعض أفرادها عيش حياة مناسبة فى غالب الأحيان.. فما بالك بشعراء أو ملحنين أدركتهم الشيخوخة وركود سوق الموسيقى بعد انهيار صناعة الكاسيت ودخول قراصنة الإنترنت إلى الساحة..؟

لستُ بعيدًا عن هذا العالم.. فقد تشرفت بعضوية جمعية المؤلفين والملحنين منذ سنوات.. وتربطنى صداقات بأغلب الأعضاء وعددهم لا يتجاوز الألف.. لكنهم بلا أى تأمين حقيقى ضد متاعب الشيخوخة وأمراضها.. البطالة بأنواعها وهى أقسى وأدل.. لذا فرحت مثل غيرى عندما صدر قانون الملكية الفكرية وتصورت أنه قد يعيد حقوقًا مسلوبة بالملايين لشعراء وملحنين مش لاقيين اللضا.. لكن للأسف هذا لم يحدث.. فالقانون عاجز.. وبعض مواده لا أحد منا يفهمها.. ومشكلات الواقع أكثر تعقيدًا من هذا القانون ومواده الجافة.. 

فى هذا السياق تابعت أزمة حقوق أغنيات أم كلثوم التى انفجرت هذا الأسبوع.. ودفعت مدحت العدل، رئيس جمعية المؤلفين والملحنين، لعقد مؤتمر بنقابة الصحفيين لشرح تفاصيل الأزمة للإعلام، وما تلا ذلك من بيانات لمحسن جابر، مالك إحدى شركات الإنتاج الموسيقى الكبرى فى بلادنا.. ولأيام لم يتمكن أحدنا من فهم تفاصيل المشكلة.. التى دخلت فيها شركة صوت القاهرة طرفًا.. والقضاء المصرى أيضًا.. ولم ينته النزاع بعد ولن ينتهى قريبًا على ما أظن.. 

أم كلثوم كانت تنتج أغنياتها.. إذن من حق ورثتها أن تنتقل لهم هذه الملكية.. صوت القاهرة كانت توزع هذه الأغنيات بعقود انتهت، فرغب الورثة فى عدم تجديدها وباعوا حقوق الاستغلال لمحسن جابر.. هذا أمر يحدث.. فما علاقة الجمعية.. ومدحت العدل.. الجمعية هى الجهة الوحيدة المنوط بها تحصيل حقوق الأداء العلنى للشعراء والملحنين.. فهل باعت أم كلثوم أو ورثتها هذا الحق لجابر أو لغيره وشلت يد الجمعية؟.. هذا أمر غريب... وأى نوع من الحقوق باعها هؤلاء؟.. لا أحد يعرف.. ألا يستحق ورثة رامى أو بليغ أو السنباطى أو أحمد شفيق كامل أموالًا عن استغلال اليوتيوب مثلًا؟... لقد تحدث الجميع وكأنه نزاع شخصى.. جابر يلمح لخلاف مع شركة آل العدل.. وعمرو مصطفى يدافع عن حق أم كلثوم وورثتها بافتعال وضجيج يبدو خلفه احتقان ناحية جابر لسبب شخصى غير معروف.. المستشار القانونى للجمعية وصوت القاهرة لا يملكان ردودًا قاطعة فى مواجهة العقود التى يملكها جابر.. رقص مستفز على أطلال جثة أم كلثوم وعلى جثث العشرات من مبدعينا... والقانون عاجز... أعتقد أنه آن الأوان للبحث عن تعديلات ناجزة لهذا القانون تحفظ حقوق الجميع وتحفظ لقوتنا الناعمة كرامتها.. هذا إذا كنا نريد ذلك فعلًا.