رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رابع جولات بلينكن

جولة رابعة يقوم بها، حاليًا، وزير الخارجية الأمريكى، فى منطقة الشرق الأوسط، خلال ثلاثة أشهر، أو منذ بداية العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، وعلى الأراضى الفلسطينية المحتلة إجمالًا. وكنا قد أوضحنا فى مقال سابق، أن أنتونى بلينكن، المولود سنة ١٩٦٢ بمدينة نيويورك الأمريكية، لأبوين يهوديين انفصلا عندما كان فى الخامسة، لا يخجل من تقديم ولائه لدينه، أو عرقه، على مصالح بلاده.

بعد تركيا، اليونان، قطر، الإمارات، السعودية، وصل وزير الخارجية الأمريكى إلى تل أبيب، مساء أمس الأول، الإثنين، والتقى رئيس دولة الاحتلال إسحق هرتزوج، الذى قدم الشكر للولايات المتحدة على دعمها إسرائيل، ثم التقى نظيره الإسرائيلى، أمس الثلاثاء، وأبلغه حسب وكالة «رويترز»، أنه يرى «فرصًا أمامه لبناء علاقات أوثق فى المنطقة». ونقلت وكالة «أسوشيتد برس» عن بلينكن أنه اتفق مع قادة الدول الذين التقاهم على «مساعدة قطاع غزة فى الاستقرار والتعافى» ورسم مسار سياسى مستقبلى للقطاع، و... و... وأنه سيعرض ما وصفها بـ«التعهدات العربية» على رئيس الوزراء الإسرائيلى، وما يوصف بـ«مجلس الحرب»، ثم على الرئيس الفلسطينى محمود عباس، قبل تقديمها إلى مصر.

قيل إن هدف هذه الجولة هو منع اشتعال جبهات أخرى فى منطقة الشرق الأوسط، وتهدئة التوترات فى البحر الأحمر ولبنان و... والعراق وسوريا، اللتين يتمركز فيهما أكثر من ٣٠٠٠ جندى أمريكى. فى حين يقول الواقع إن المنطقة تتأرجح على شفا حرب واسعة النطاق، بعد أن وسّعت إسرائيل ميادين مواجهاتها وتخطّت مرحلة تبادل قصف المواقع، مع «حزب الله»، الموالى لإيران، إلى الاغتيالات، والعمليات العسكرية، التى تجاوزت جنوبى لبنان إلى سوريا ومعقل الحزب فى الضاحية الجنوبية لبيروت. كما أقرّ يوآف جالانت، وزير الدفاع الإسرائيلى، بأنهم يقتربون من النقطة التى تخرج فيها الأمور عن السيطرة.

فى قطر، قال وزير الخارجية الأمريكى، الأحد الماضى، إنه حقق «بعض النجاح» فى التغلب على «المقاومة العربية الأولية» لمناقشة سيناريوهات «اليوم التالى» لقطاع غزة، وأشار إلى أن بلاده لديها خطة لمعالجة حالة عدم الاستقرار المتزايدة تقوم «على إنهاء الحملة العسكرية الإسرائيلية فى غزة والعمل مع الدول العربية والإسرائيليين لإقامة سلام دائم يوفر أمنًا دائمًا لإسرائيل ودولة للشعب الفلسطينى». كما زعم أن ما توصل إليه من خلال مناقشاته، حتى الآن، هو أن «شركاء الولايات المتحدة» على استعداد لـ«اتخاذ قرارات صعبة». وبعد لقائه ولى العهد السعودى، أمس الأول، الإثنين، قال إنه يرى «استعدادًا للمساعدة فى تحقيق الاستقرار وإعادة إحياء غزة بعد الحرب لدى كل القادة الذين تحدث معهم»!

بغض النظر عن هذا الكلام العائم، أو المائع، الذى قد يكون مريبًا، فالثابت، هو أن وزراء خارجية مصر، الأردن، الإمارات، السعودية، قطر، كانوا قد أكدوا لوزير الخارجية الأمريكى، فى ٤ نوفمبر الماضى، خلال جولته الثانية، أن الموقف العربى الموحد، الذى «لا يقبل الاهتزاز ولا المواربة»، يقوم على ضرورة الوقف الفورى للاعتداءات الإسرائيلية، والرفض القاطع لتهجير الفلسطينيين، والتعامل مع الوضع الإنسانى المتدهور فى قطاع غزة، ثم البدء فى معالجة الأسباب الجذرية للأزمة: إنهاء الاحتلال الإسرائيلى والتوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية على أساس مرجعيات الشرعية الدولية وحل الدولتين. 

.. وأخيرًا، لعلك تتذكر أن «بلينكن» قام بأولى جولاته، فى ١٢ أكتوبر الماضى، وبدأها بزيارة تل أبيب، التى أقر فيها بأنه لم يذهب إلى إسرائيل كوزير لخارجية الولايات المتحدة فقط، بل كيهودى فرّ جده من المذابح فى روسيا، ونجا زوج والدته من معسكرات الاعتقال النازية. ولعلك تتذكر، أيضًا أو طبعًا، أنه حين جاء إلى القاهرة، منتصف الشهر نفسه، لقنه الرئيس عبدالفتاح السيسى درسًا مهمًا فى التاريخ والحساب والأدب والأخلاق، وفى السياسة الخارجية، ربما لم يتعلمّه فى مدرسة جانين مانويل الفرنسية، أو فى جامعتى هارفارد وكولومبيا الأمريكيتين، أو على امتداد العقود الثلاثة، التى تولى خلالها مناصب حساسة، وصولًا إلى مصادقة مجلس الشيوخ الأمريكى، فى ٢٦ يناير ٢٠٢١، على تعيينه وزيرًا للخارجية.