رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إشعال القرن الإفريقى!

تحرّك إثيوبى جديد، غير مسئول، فى الاتجاه الخاطئ، ينتهك سيادة دولة الصومال، ولا يحترم القانون الدولى ومبادئ الاتحاد الإفريقى، وقد يقود إلى مواجهة عسكرية تهدد مصالح دول القارة السمراء وأمنها القومى. ومع تأثيره السلبى على الاستقرار الإقليمى والدولى، وحركة التجارة العالمية، ستكون الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر هى الأكثر تضررًا من هذا التحرك، الذى كان يمكن للحكومة الإثيوبية أن تحقق المستهدف منه بعقد شراكات إقليمية، قانونية أو شرعية.

بدأت فصول القصة، أو الأزمة، فى أول أيام السنة الجديدة، بتوقيع رئيس الوزراء الإثيوبى على «اتفاق مبدئى» مع زعيم «أرض الصومال»، إحدى الولايات الصومالية، يمنح إثيوبيا ميناءً بحريًا وقاعدة عسكرية على البحر الأحمر، بطول ٢٠ كيلومترًا لمدة ٥٠ سنة، مقابل اعترافها بهذه الولاية الصومالية، كدولة مستقلة، ومنحها حصة فى الخطوط الجوية الإثيوبية، المملوكة للدولة. أما الفصل الأحدث من القصة، أو الأزمة، فكتبه الرئيس الصومالى حسن شيخ محمود، مساء أمس الأول، السبت، بتوقيعه على قانون يلغى «مذكرة التفاهم غير القانونية» بين حكومة إثيوبيا وولاية أرض الصومال.

بين الفصلين، اتهمت الحكومة الصومالية نظيرتها الإثيوبية بـ«انتهاك سيادتها ووحدة أراضيها» واستدعت سفيرها فى أديس أبابا للتشاور. مع ملاحظة أن التحرك الإثيوبى، أو توقيع الاتفاق المبدئى، أو مذكرة التفاهم، جاء قبل أيام من الإعلان عن استئناف المفاوضات بين الصومال وأرض الصومال، أو «صوماليلاند»، الواقعة على خليج عدن، والتى كانت قد أعلنت استقلالها، من جانب واحد، أو مع نفسها، سنة ١٩٩١، ولم تعترف بها، إلى الآن، إلا «تايوان» غير المعترف بها دوليًا هى الأخرى!

مدعومة من الاتحاد الإفريقى وجامعة الدول العربية، والاتحاد الأوروبى، وكل الدول الإفريقية والعربية تقريبًا، بدأت مقديشو معركة سياسية ودبلوماسية، للضغط على أديس أبابا، حتى تتراجع عن هذا الاتفاق غير الشرعى، أو ذلك التحرك، الذى نكرر أنه فى الاتجاه الخاطئ. وننتظر أن يعقد وزراء الخارجية العرب اجتماعًا طارئًا، خلال أيام، استجابة لطلب الصومال، لبحث تداعيات الأزمة، واتخاذ موقف عربى موحد، للرد على انتهاك إثيوبيا الصارخ، لسيادة ووحدة أراضى دولة عربية وإفريقية شقيقة.

فى هذا السياق، أكدت مصر، فى بيان أصدرته وزارة الخارجية، الأربعاء الماضى، «ضرورة الاحترام الكامل لوحدة وسيادة جمهورية الصومال الفيدرالية الشقيقة على كامل أراضيها»، وأعربت عن معارضتها أى إجراءات من شأنها الافتئات على سيادتها، مشددة على حق الصومال وشعبه دون غيره فى الانتفاع بموارده. كما حذرت من خطورة تزايد التحركات والإجراءات والتصريحات الرسمية الصادرة عن دول فى المنطقة وخارجها، والتى تقوض عوامل الاستقرار فى منطقة القرن الإفريقى، وتزيد من حدة التوترات بين دولها، فى الوقت الذى تشهد فيه القارة الإفريقية زيادة فى الصراعات والنزاعات، التى تقتضى تكاتف الجهود من أجل احتوائها والتعامل مع تداعياتها، بدلًا من تأجيجها على نحو غير مسئول.

‏‎دول ومنظمات دولية عديدة، أدانت، أيضًا، التحرك الإثيوبى، الذى قد يؤدى إلى إشعال منطقة القرن الإفريقى، التى هى بالفعل أكثر مناطق العالم اشتعالًا. إذ دعا الاتحاد الإفريقى إلى «الهدوء والاحترام المتبادل لخفض منسوب التوتر المتصاعد»، وأعربت جامعة الدول العربية عن رفضها وإدانتها «أى مذكرات تفاهم تخل أو تنتهك سيادة الدولة الصومالية»، وأكد «البرلمان العربى» رفضه التام أى محاولات لانتهاك سيادة واستقلال ووحدة الصومال، مطالبًا إثيوبيا بـ«الالتزام بقواعد ومبادئ حسن الجوار واحترام سيادة الدول»، وقال الاتحاد الأوروبى إن احترام سيادة الصومال هو «مفتاح السلام فى القرن الإفريقى»، و... و... وشدّدت الولايات المتحدة على ضرورة احترام سيادة الصومال ووحدة أراضيه.

.. وتبقى الإشارة إلى أن الرئيس عبدالفتاح السيسى كان قد تلقى، الثلاثاء الماضى، اتصالًا تليفونيًا من الرئيس الصومالى حسن شيخ محمود، تناول العلاقات الثنائية بين البلدين، وسبل تطوير التعاون المشترك، واستمرار التنسيق وتعميقه فى مختلف المجالات، بما يتفق والطبيعة التاريخية للعلاقات بين البلدين. كما تطرق الرئيسان إلى الأوضاع الدولية والإقليمية، و... و... خلال الاتصال، أكد الرئيس السيسى موقف مصر الثابت الداعم لأمن واستقرار دولة الصومال الشقيقة.