رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فيفيان سمير: الإبداع هو فعل المقاومة الذي يتصدى لكل ما هو دخيل ومؤذي (حوار)

فيفيان سمير
فيفيان سمير

صدر مؤخرا للكاتب القاصة والروائية فيفيان سمير رواية جديدة عن دار بدائل تحت عنوان “غالية” وهي الرواية الاولى لها بعد مجموعتين قصصيتين، وسمير حاصلة على بكالوريوس تجارة خارجية ولغة إنجليزية، ثم درست قدرًا لا بأس به من الأدب الإنجليزي على مدار سنوات دراستها في كلية رمسيس للبنات ومزاولة هواية القراءة التي بدأت منذ صغرها، قادتها هذه الهواية لمكتبة والدها العامرة بإصدارات كبار الكتاب العرب والمترجمات العالمية.

الدستور التقت الكاتبة وكان هذا الحوار..

رواية غالية

ماذا عن روايتك الأولى خصوصا أنها جاءت بعد مجموعتين قصصيتين؟

الرواية صدرت منذ شهرين فقط وقد تم تناولها من قبل الأديب والناقد المتميز محمود قنديل وكان تقييمه لها إيجابيا جدا وكذلك تم مناقشتها من خلال البرنامج التلفزيوني طقوس الإبداع وصدر عنها بعض المقالات، كما أشاد بها الناقد الأدبي الدكتور عادل يوسف والأديب محمد عبد الوارث والكثير من النقاد، وهناك المزيد من الرؤى النقدية في سبيلها للطرح قريبا إن شاء الله في لقاءات بحثية وندوات قادمة على معرض القاهرة الدولي القادم للكتاب.

صورة للعمل القصصي فراشات المقهى للمبدعة فيفيان سمير.

 

ولماذا كانت القصص هي بداية الكتابة؟

القصة القصيرة هي عشقي الأول وبدايتي منذ المحاولات الأولى، ولن أتخلى عن ممارسة متعة تناولها والتنقل بين زهرات عوالمها، ورغم أن القصة القصيرة ترصد مجرد مشهد أو موقف، كلقطة فوتوغرافية ساكنة، فإنك حين ترصدها وتدونها كأنك تعيش آلاف الحكايات ومئات الأعمار على عمرك، تحصل على لحظات سعادة ترسمها وتعيشها مع أبطالك، تعيش متعة أحداث ومشاعر ربما يبخل عليك واقعك بها. على عكس الرواية التي تعطي مساحة أكبر للتفاصيل ومراحل تطور الشخصيات والأحداث في صورة متحركة مليئة بالحياة، وبالتأكيد لكل منهما دوره الفني وجماله وبالطبع محبيه، وفي النهاية الموضوع الذي اتناوله هو الذي يفرض عليَ الشكل الأدبي الذي يصلح لتناوله.

  • في روايتك هناك الكثير من الابعاد الاجتماعية والفلسفية _ نفسية ووجودية ومعيشية فليتك تحدثينا عن تلك الدوافع الفكرية لكتابة هذا العمل؟

الدافع الرئيسي كان الرغبة في أن يجد القارئ علاقة ما مع ذاته وواقعه، ويتلامس مع صورة صادمة يطل عليها من خلال رحلة غالية، التي تتناول موضوع هام يطرح نفسه بقوة، وتسلط الضوء على مناطق وعرة وشائكة فيما يخص العادات والتقاليد، التي قد تصل إلى حد التقديس، وهي التي تلعب الدور الأكبر؛ فالعادات والتقاليد تكون بقوة العقائد في بعض المجتمعات، والتقليد هو عادة أو اعتقاد أو سلوك ينتقل من جيل إلى جيل، وله معنى رمزي أو ذو أهمية خاصة وأصول تعود إلى الماضي، وفي مجتمعاتنا الشرقية بصفة عامة نتمسك بتلك الأصول ونحرص عليها رغم الحراك المجتمعي المعاصر، ويظهر ذلك بمجتمعنا المصري عامة لكن بصورة أوضح وأكثر انتشارا بصعيد مصر، فيتمسك أهل الصعيد بعاداتهم الخاصة بثقافتهم ومجتمعهم باعتبار ها جزء من هويتهم، وجزء من نظام حياتهم العام وهي بالنسبة لهم بمثابة القانون الذي يحكمهم، وفي بعض الأحيان تكون أقوى من القانون، وتتحمل المرأة النصيب الأكبر من الظلم جراء تلك العادات والتقاليد، التي تطال خيارات التعليم والعمل والزواج والأنشطة التي يمكن أن تمارسها والميراث، وغير ذلك من تفاصيل تعيشها المرأة في حياتها اليومية، لذلك كان اختيار الجنوب المصري مسرحا لأحداث غالية.

الكاتبة فيفيان سمير توقع عقد روايتها الأحدث “ غالية”

 

  • ما هو شعورك الآني بالتجربة وحصادها النقدي؟

أشعر ببعض الرضا عن تجربتي الأولى لكتابة الرواية، لكن لا أستطيع القول بأنها أرضت غروري الإبداعي، ومازال هناك الكثير الذي يجب أن أتعلمه والأخطاء التي يجب أن أصوبها والمناطق الأبعد التي يجب أن أرتادها، ولا أعتقد أن الغرور الإبداعي لأي كاتب من الممكن إرضاءه، ولو حدث ذلك لتوقف عن الإبداع.

صورة لغلاف المجموعة القصصية “ لحظات تانجو” للمبدعة فيفيان سمير.
  • عن استخدامك للغة العامية في الحوار داخل رواية غالية_ ألم تخشين من الإنتقاص الفني من جودة وطروحات الرواية التي اعدد مجازاتها في البنية/ اللغة/ المجاز؟

بالفعل كنت أخشى ذلك جدا، لكن رغبت بتصوير الواقع كما يحدث، ومشاركة القارئ روح الحياة بواقعها كما هي بين شخوص الرواية ليتوحد معهم، ويصبح جزءا من أحداث الحكاية، حتى صدرت الرواية وكان رد الفعل إيجابيا، فيما يخص اللهجة الصعيدية للحوار، بدرجة فاقت توقعاتي وأسعدتني كثيرا. 

  • وبمن إذا تأثرت الكاتبة فيفيان سمير إبداعيا أو فكريا_ أي من هو محرضك على الكتابة_ دوافعها؟

الكتابة في ذاتها دافع، تغويك وتلقي بشباكها حولك حتى تأسرك، وتجعل منك مدمنا على كأسها ومن ثم تعشقها مسلوب الإرادة، غير أن البيئة المصرية الصميمة التي نشأت فيها غنية بمكوناتها الاجتماعية والثقافية التي أمدتني بالمادة الأولية، والتجربة والخبرة ولو من خلال شخصيات وعوالم الأدباء الذين قرأت لهم، وكنت محظوظة بوالدي الذي حرص على التواصل الأسري وزيارة قريتنا الصغيرة، حيث الحياة البسيطة والكاشفة، وكذلك توفير أدوات الحياة الثقافية في ذات الوقت، مما ساعد على بلورت رؤيتي للقضايا المجتمعية وتحفيز رغبتي في التعبير عنها.

  • عن تلك الحروب بالإنابة_ عبر الهوية والدين والتاريخ، كيف ترى الكاتبة فيفيان سمير مؤثرات الحرب على العملية الإبداعية؟

تعتمد الحروب بالإنابة على إشعال الفتن والزج بأطراف أخرى للقتال بدلا من الصدام المباشر أو الانجرار إلى حرب شاملة بين الأطراف الأصيلة المتحاربة، كما أن أحد محاورها الأساسية هي الحرب النفسية التي تجعل عدوك ينزلق إلى وضع ضد مصلحته، فهي بالدرجة الأولى حرب على الوعي الجمعي والسيطرة على العقول وتوجيهها من خلال وسائل كثيرة أهمها الانترنت والعالم الافتراضي، لذلك فبناء الإنسان وتربية العقول على التحليل وإعمال العقل وتنمية الفهم والإدراك بالشكل الصحيح هو سبيلنا للحفاظ على هويتنا الثقافية والوطنية، وهو السلاح الذي يجب الاهتمام به ودعمه، وأهم الركائز في تلك الحرب هي القوة الناعمة من فن وأدب، وهما بالتأكيد في خطر، ما لم ننتبه وندرك قيمة هذا السلاح الفاعل والهام، وحجم الدور الذي يلعبه في الحفاظ على وحدة صف المجتمع وتربية ضمير ووعي أفراده في مواجهة تلك المطاردات، التي تهدف إلى أن ننهار وننهدم ونغرق في المشاكل حتى تخور عزيمتنا وننهزم ونسلم.

  • من أنت _ اجتماعيا وثقافيا_ حدثينا عن البدايات مع الكتابة وكيف جاءت؟

أنا من الطبقة الاجتماعية المتوسطة، ابنة لأب كان عاشقا للقراءة والفن والموسيقى، أمتلك مكتبة ضخمة تضم منوعات من الكتب ومعها كانت بداية هوايتي للقراءة، ثم زيارات معرض الكتاب السنوية، كما كان والدي يحرص منذ وعينا، أنا وأخي، أن يأخذنا في جولات سياحية للمعالم التاريخية المختلفة وخاصة في القاهرة، فعشقنا تفاصيلها التاريخية والدينية وحتى طُرُزٌها المعمارية المتنوعة، مع الوقت أصبح لدي مخزون من الصور الذهنية والحكايات بكل زاوية وشارع مررت به، وربما من هنا نبت إحساسي بأهمية الوصف لتفاصيل الأماكن وتأثيرها على شخوص القصص والروايات؛ فأنا أُؤْمِنُ أن الأماكن لها روح تنطبع على ساكنيها وتشكل سلوكهم وهواهم، ثم تملكني شيطان الكتابة وسيطر علي حتى رضخت له مستسلمة، لا أعرف من أين بدأ أو متى، فكل ما أتذكر عن هذه البداية أنها كانت بهوامش الكتب المدرسية ثم أصبح لها كراسة خاصة، وظلت مجرد هواية أمارسها لإشباع متعتي الشخصية فقط، إلى أن خرجت إلى حدود النشر بالمصادفة عن طريق الفوز بإحدى المسابقات الأدبية، هي رحلة استمتعت بكل مراحلها، في البداية كان التشجيع من أفراد أسرتي وهم بالطبع أول من قرأ انتاجي الأدبي، ولا أغفل دور أصدقاء حسابي على الفيسبوك، الذين كنت أشاركهم ما أكتب وكان لهم كل الفضل في تحفيزي لجمعه وتوثيقه بالنشر الورقي، ومنهم من عرض مساعدته الشخصية في ذلك، فمنهم من أهدى لي غلاف مجموعتي القصصية الأولى، ومن رشح دار النشر، ومن سوق للمجموعة بالإعلان عن صدورها بالصحف والمنصات الإخبارية، فالشكر موصول لكل من شجع ودعم وساند ولو بكلمة.

  • عن مفهوم الخلاص/ السلوى/ النشوة_ هل ينتهي حلم الكاتب بالخلاص الوجودي بعدما ينتهي من نصه _ أم أن هناك روافد وعطاءات اخرى ترينها في احتراف الكتابة؟

الإبداع هو فعل المقاومة الذي يتصدى لكل ما هو دخيل ومؤذي، هو الذي يزرع الأخلاق ويربي الضمير ويوجه المجتمعات ويشحذ العزيمة، ولنا في فترة حرب 67 وما تلاها من سنوات حرب الاستنزاف حتى العبور والنصر في 73 خير مثال، وبالطبع لا تنتهي علاقة الكاتب بمفهوم الخلاص بعد كتابة نصه، فذلك هو الهم الذي يحمله والرسالة التي يتبناها على مدار مسيرته الأدبية، وفكرة أن ينتهي الحلم بانتهاء النص غير واردة.

  • تعاملت المبدعة فيفيان سمير مع العديد من دور النشر فكيف تريين تلك التجارب _ بالسلب والإيجاب، ولماذا لم تلجأ فيفيان سمير لدور النشر الحكومي؟

مشاكل النشر كثيرة ولا تخفى على أحد أما دور النشر الحكومي فيقف أمامها طابور طويل قد يستغرق سنوات حتى يحين دورك وقد حاولت اختصار الوقت بالتعاون مع دور النشر الخاصة والتكيف مع مشاكلها ومحاولة تجاوزها.

فيفيان سمير
  • من مِن الكتاب أو الكاتبات كان لهم سطوة التأثير والتأثر في خطاك/ مسارك؟

درست قدر لا بأس به من الأدب الإنجليزي على مدار سنوات دراستي بكلية رمسيس للبنات، ومزاولة هوايتي للقراءة التي بدأت منذ صغري وقادتني لمكتبة والدي العامرة بإصدارات كبار الكتاب العرب والمترجمات العالمية، منهم برنارد شو، جين أوستن، تشارلز ديكنز، وليم شكسبير، فيودور دوستويفسكي، أنطون تشيخوف، ومن الكتاب العرب نجيب محفوظ، يوسف إدريس، إحسان عبد القدوس، بهاء طاهر، توفيق الحكيم، أنيس منصور، مجيد طوبيا، جمال الغيطاني، إلياس خوري، سهيل إدريس، عبد السلام العجيلي وغيرهم، ونهلت منها ولم أرتو بعد، مازلت تلميذة صغيرة أتعلم في انبهار بجمال إبداعهم المتميز والمتفرد، فلكل منهم مدرسة مختلفة ذات سمات خاصة لا تتشابه أو تقترب من غيرها، وأتمنى أن يكون لي في يوم من الأيام تلك البصمة الاستثنائية. ومن المؤكد أني تأثرت بكل من قرأت لهم، وصاغ كلا منهم شيئًا في بناء شخصيتي الأدبية.   

  • أخيرا أحلامك/ امنياتك_ للعام الميلادي الجديد؟

أحلم بعالم أكثر إنسانية وأمان ورحمة، ومجتمع أكثر تسامح ومحبة وعطاء، أكثر أخلاق ورقي وضمائر حية، أن يسود الجمال ويختفي القبح، أن نحيي بعضنا بابتسامة ونختلف بتحضر ونرحل في هدوء، عام جديد سعيد يحمل كل الخير والسلام والأمان، بلا دموع أو أحزان، به الكثير والكثير من الضحك والأفراح.