رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سموم دنيس روس

مرَّتان، فى يومين متتالين، تكعبلنا فى دنيس روس. الأولى فى مقال يحمل توقيعه، نشرته جريدة «وول ستريت جورنال»، والثانية فى حوار عنوانه «دنيس روس يرسم لـ(الشرق الأوسط) الجدول الزمنى الأمريكى لمستقبل غزة بعد الحرب». وفى المرتين، حاول أن يدس سمومًا فى تحليلات تبدو عميقة، أو أراد أن يجعلها تبدو كذلك، مع أنها فى غاية التفاهة والسطحية، ومنحازة بشكل فج، ومقرف، لإسرائيل.

الدبلوماسى الأمريكى السابق، المستشار الحالى لـ«معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، زعم فى مقاله المنشور بجريدة «وول ستريت جورنال»، أن إسرائيل «دولة ديمقراطية»، وأن «الرأى العام هو ما يشكل خياراتها السياسية»، وبالتالى، فإنها سترفض أى مطالب أمريكية «غير معقولة»، بصرف النظر عن العواقب. وأشار إلى أن «المساعدات الأمريكية لإسرائيل لم تكن قط شيكات على بياض»، وأن الولايات المتحدة استخدمت تلك المساعدات فى كثير من الأحيان كوسيلة «لتشجيع إسرائيل على المخاطرة من أجل السلام أو للمساعدة فى ردع أعداء أمريكا فى الشرق الأوسط». وأكد أن جعل هذه المساعدات «مشروطة بسياسات معينة» لن يؤدى إلى تعزيز المصالح الأمريكية، وقد يجعل الولايات المتحدة تفقد نفوذها!.

المولود فى سنة النكبة، سنة ١٩٤٨، لأم يهودية، وبالتالى صار يهوديًا، لم نجد ذكرًا لدين أبيه، واكتفى غالبية من تناولوا سيرته بالإشارة إلى أن زوج أمه كان مسيحيًا كاثوليكيًا. وفى كتاب عنوانه «أراض طالت وعود عودتها: البحث الأمريكى عن السلام بين العرب وإسرائيل»، ذكر آرون ديفيد ميلر، الذى عمل معه لسنوات، أن «لديه ميلًا متأصلًا لرؤية الصراع العربى الإسرائيلى من وجهة نظر إسرائيل». وفى تقرير نشرته «نيويورك تايمز» فى ٣٠ يوليو ٢٠٠٩، نقل روجر كوهين، عن مسئول كبير فى وزارة الخارجية، أن «عادة روس السيئة هى التشاور المسبق مع الإسرائيليين». ولذلك، كان ياسر عرفات، رحمه الله، يرفض مقابلته، ويصف سلوكه بأنه «صهيونى أكثر من الصهاينة».

بالفعل، لم يكن دنيس روس، Dennis Ross، وسيطًا نزيهًا أو موضوعيًا. وبانحياز تام لإسرائيل، لعب خلال تسعينيات القرن الماضى، دورًا كبيرًا فى المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية وفى معاهدة السلام الإسرائيلية الأردنية، وأيضًا فى المحادثات بين إسرائيل وسوريا. وفى ٢٣ فبراير ٢٠٠٩ عين مستشارًا خاصًا لوزيرة الخارجية، هيلارى كلينتون، لشئون الخليج العربى وجنوب غرب آسيا، قبل أن يترك وزارة الخارجية، فى ٢٥ يونيو التالى، لينضم إلى طاقم مجلس الأمن القومى، الذى استقال منه فى ١٠ نوفمبر ٢٠١١، لينضم إلى معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.

المهم، هو أن «روس» تحدث فى الحوار، الذى أجراه على بردى، فى واشنطن، ونشرته جريدة «الشرق الأوسط» السعودية، عما وصفه بـ«الانحلال الأخلاقى» الذى أظهره مقاتلو حركة حماس خلال هجماتهم ضد المستوطنات والكيبوتسات الإسرائيلية المحيطة بقطاع غزة. وقال إنه لم يتخيل أن مقاتلى الحركة «سيعذبون الناس قبل أن يقتلوهم». ووصف «محور المقاومة» بأنه «محور البؤس»، وقال إنه لم يكن يتوقع على الإطلاق أن تنفذ الحركة الفلسطينية، التى وصفها بـ«المتشددة»، هجومًا كالذى حدث فى أكتوبر الماضى؛ لاعتقاده أن «إسرائيل ستكون أفضل استعدادًا مما كانت عليه» ولأن لدى الإسرائيليين «مزيجًا من المعلومات المخابراتية والاستعداد العسكرى الذى سيمنع أى شىء من هذا القبيل».

تلخصت رؤية «روس» للنتائج المرتقبة، أو التى يتمناها، من العدوان الإسرائيلى فى تدمير «حماس» أولًا، ثم «معالجة» كل المسائل فى سياق «عملية جامعة»، مشددًا على أن «المرحلة الأولى من إعادة بناء غزة يجب أن تضمن عدم إعادة تسليحها». أما الثانية، فتشمل «إعادة صياغة وتنشيط السلطة الفلسطينية» فيما يمكن أن يستمر «سنة أو سنتين»، وقال إن الدور الأمريكى سيكون «تحديد الوجهة السياسية: دولتان لشعبين» تحت شعار «إنهاء الاحتلال بما يتوافق مع الحاجات الأمنية الإسرائيلية». 

.. وتبقى الإشارة إلى أن الرجل الذى بدأ العمل بوزارة الخارجية الأمريكية فى سبعينيات القرن الماضى، قطع بأن الفلسطينيين لا مستقبل لهم مع حركة «حماس»، واقترح حلًا يشبه ذلك الذى حدث فى ١ سبتمبر ١٩٨٢، حين غادر ياسر عرفات و١١ ألفًا من أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية لبنان إلى تونس.