رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ماذا يحدث فى الصاغة؟.. خبراء يكشفون سر الارتفاع الجنونى فى أسعار الذهب

الذهب
الذهب

على مدار اليومين الماضيين، أعلنت شعبة الذهب بالاتحاد العام بغرفة القاهرة التجارية عن تعليق بعض محلات الذهب عمليات البيع لحين استقرار السوق، التى شهدت ارتفاعات غير مسبوقة فى أسعار المعدن الأصفر، وبالتزامن أعلنت منصة «آى صاغة» لتجارة الذهب والمجوهرات عن وقف حركة تسعير الذهب بالأسواق المحلية، خلال تعاملات يوم الإثنين، نتيجة عدم الاستقرار، مرجعة الأمر إلى تعرض السوق لما وصفته بـ«عمليات تلاعب فجة».

وفى ظل ذلك الاضطراب وتأثيره على سلعة تعد أحد أهم الملاذات الآمنة للشعب المصرى، خاصة فى أوقات الأزمات الاقتصادية، تفتح «الدستور» ملف سوق الذهب فى مصر، والأسباب الكامنة وراء ارتفاع أسعاره بشكل مبالغ فيه فى الفترة الأخيرة، والعوامل التى أدت إلى تعليق التداول عليه، بالإضافة إلى توقعات بعض الخبراء حول تطورات السوق وما ستؤول إليه أسعار الذهب فى الفترة المقبلة. 

شعبة الذهب: الاضطرابات العالمية وراء الأزمة.. وما يحدث فى السوق غير مبرر

أكد عدد من الخبراء فى سوق الذهب أن ارتفاع الأسعار فى الفترة الأخيرة يرجع إلى عدة عوامل، على رأسها الظروف العالمية المضطربة، والأزمات الدولية المتلاحقة، بالإضافة إلى محاولات التلاعب والمضاربات فى السوق المحلية، واستغلال البعض أزمة سعر الصرف وقلة المعروض الدولارى.

وقال نادى نجيب، عضو شعبة الذهب بالغرف التجارية، إن أسعار المعدن الأصفر تشهد حاليًا حالة من الزيادة المستمرة، بسبب ارتفاع الأسعار العالمية، وارتفاع سعر الأوقية فى ظل التوتر الدولى، وتوالى الأزمات الاقتصادية.

وتوقع «نجيب»، فى تصريحات خاصة لـ«الدستور»، أن يستمر الارتفاع فى أسعار الذهب خلال الفترة المقبلة، مع استمرار زيادة الطلب محليًا وعالميًا.

فيما قال هانى ميلاد، رئيس شعبة الذهب بالغرف التجارية، إن أسعار الذهب فى مصر تشهد حالة من عدم الاستقرار، فى ظل الارتفاع الجنونى للأسعار، وتسجيل مستويات تاريخية بشكل يومى، حتى فى وقت عطلة الأسواق العالمية.

وأوضح «ميلاد» أن ذلك جعل بعض الخبراء يشيرون إلى أن ما يحدث من تحركات فى أسعار الذهب أمر غير مبرر وناتج عن التأثر بمضاربات كبيرة على الأسعار.

وحول ذلك، كشف التحليل الفنى لـ«جولد بيليون»، المؤسسة البحثية المختصة بشئون الذهب، عن أن الارتفاعات القياسية فى أسعار الذهب المحلى، بالرغم من إغلاق السوق العالمية، لم يتحدد لها سبب معين، ما دفع البعض لوصفها بأنها ارتفاعات غير مبررة، واستغلال لفترة العطلات، خاصة مع ارتفاع سعر الدولار فى السوق الموازية.

وأوضحت «جولد بيليون» أن ما يحدث فى السوق المحلية حاليًا هو خليط بين عدة عوامل، مثل ارتفاع سعر صرف الدولار فى السوق الموازية، إلى جانب كون مبادرة واردات الذهب دون رسوم جمارك لم تنجح فى إدخال كميات كبيرة من الذهب إلى مصر خلال الفترة الماضية، لأنها لم تكن فترة إجازات، وبالتالى لم تسهم فى تحقيق الاستقرار فى الأسواق.

وافتتح الذهب عيار ٢١ الأكثر شيوعًا تداولات، عند مستوى ٣٢٢٠ جنيهًا للجرام، مع الاستمرار فى الارتفاع والتداول وقت كتابة التقرير الفنى لـ«جلود بيليون» عند مستوى ٣٢٦٠ جنيهًا للجرام، وذلك بعد أن ارتفع السعر خلال جلسة، الإثنين بمقدار ١٢٠ جنيهًا، ليغلق عند المستوى ٣٢٠٥ جنيهات للجرام، رغم أنه افتتح الجلسة عند مستوى ٣٠٨٥ جنيهًا للجرام.

اقتصاديون: جشع تجار.. وقف التداول طبيعى.. و«بريكس» يضبط السوق

أكد عدد من الخبراء فى تجارة الذهب أن جزءًا من الأزمة الحالية يعود لجشع التجار ورغبة البعض فى استغلال الأزمات العالمية والمحلية، موضحين أن وقف التداول على الذهب فى بعض الأوقات هو أمر طبيعى، فى ظل محاولات التلاعب بالأسعار، مشيرين إلى أن انضمام مصر لتجمع «بريكس» قد يلعب دورًا فى ضبط السوق.

وقال الخبير الاقتصادى أحمد على، إن وقف عمليات بيع الذهب ببعض المناطق، أمس الأول، هو أمر يحدث بشكل شبه متكرر ونمطى، موضحًا أنه من الطبيعى أن يقوم بعض الصاغة بوقف عملية البيع لتحديد ما الذى سيجرى التعامل عليه خلال اليوم أو الساعات المقبلة.

وأضاف: «فى بعض الأوقات يحدث ارتفاع غير مبرر فى سعر الذهب، ما يُحدث ارتباكًا فى السوق، مثلما حدث فى عيار ٢١، إذ تخطى سعر الجرام منه الـ٣ آلاف جنيه، ما دفع لوقف البيع والتعاملات فى السوق لفترة حتى تعود عملية البيع والشراء لنقطة التوازن المحددة لها من قبل، حتى لا تحدث أزمة أو مشكلة».

وأكد أن مستويات التضخم المرتفعة وتراجع قيمة العملة يُحدث حالة من الهلع بين المواطنين، ويدفع كثيرين لشراء الذهب بكميات كبيرة، منوهًا بأن ذلك يعد ثقافة مصرية.

واستطرد: «ثقافة المصريين ترى أن الذهب هو أسهل شىء يمكن شراؤه والاحتفاظ فيه بقيمة الأموال، خاصة أن أسعاره ترتفع بشكل كبير، ما يزيد من الإقبال عليه ويؤدى فى النهاية إلى زيادة سعره، وفقًا لقاعدة العرض والطلب المعروفة».

فيما قال الدكتور أسامة السعيد، العميد السابق لكلية التجارة جامعة بنى سويف، إن الاتجاه العالمى والإقليمى فى الوقت الحالى يتجه نحو مزيد من الطلب على السبائك والعملات والمشغولات الذهبية، ما يسبب اضطرابًا فى أسواق الذهب المحلية والعالمية.

وأوضح أن تثبيت الفيدرالى الأمريكى سعر الفائدة، والإعلان عن الاتجاه نحو تخفيضه من ٣ إلى ٤ مرات خلال العام ٢٠٢٤، دفع المستثمرين فى العالم للبحث عن وجهة جديدة للاستثمار، وفقًا للعلاقة التبادلية المعروفة بين الذهب والدولار والعقارات.

وأضاف: «الاستثمار فى الذهب يكتسب فى الشهور الأولى من عام ٢٠٢٤ آمالًا جديدة فى الأجل القصير، وإن كانت التوقعات الخاصة بسوق الذهب فى الأجلين المتوسط والطويل هى الأهم، فالحاجة إلى الدولار خلال عام ٢٠٢٤ وما يليه من أعوام ستؤدى إلى انخفاض سعر الذهب».

وتابع: «مع زيادة عدد الدول التى سيتم تفعيل انضمامها إلى تجمع (بريكس) ستجرى التعاملات الدولية بين دول المجموعة بالعملات المحلية، ما يخفض الضغوط على طلب الدولار، وبهذا تنخفض الممارسات التى تنطوى على الدولرة، ولا شك أن كل هذا سيساعد الاقتصادات الناشئة، من بينها مصر، على تحقيق الانضباط المالى فى موازنة العملات الأجنبية، ومن المتوقع فى ظل ذلك أن تحدث ارتفاعات متتالية فى أسعار الذهب والعقارات».

من جانبها، أوضحت الدكتورة هدى الملاح، مدير عام المركز الدولى للاستشارات الاقتصادية ودراسات الجدوى، أن سوق الذهب تشهد فى الفترة الحالية حالة من عدم الاستقرار والاضطراب، لكونها الملاذ الآمن للاستثمار، ووسيلة المواطن لحفظ أمواله، خاصة فى ظل الأزمات الاقتصادية.

وقالت: «العالم يشهد حاليًا حالة من الحروب، بدأت بحرب روسيا وأوكرانيا، ثم الحرب على غزة، وهذا يؤثر على السوق المصرية، لأن الأزمات والحدود ملتهبة، ما يزيد من عدم الأمان فى الاستثمار، ويدفع للجوء نحو الملاذ الآمن، وهو الادخار فى الذهب، فيزيد الطلب ويرتفع السعر».

وأضافت: «الأسواق العالمية رفعت الذهب ١٠٠ دولار مرة واحدة، ما زاد من الاضطراب بشكل كبير فى الأسواق العالمية والمحلية، لكن مصر إلى حد ما تحاول أن تسيطر على جشع التجار، الذين يستغلون رغبة المواطنين فى شراء الذهب بكثرة؛ نتيجة التخوف من الحروب والأزمات العالمية، وينتهزون الفرصة للمبالغة فى رفع الأسعار بأكثر من المعدل العالمى، كنوع من الاستغلال والتربح». وتابعت: «الحكومة حاولت القضاء على هؤلاء التجار من خلال مبادرة الذهب (زيرو جمارك)، وأصبح هناك ذهب داخل مصر ليس عليه أى جمارك، وهو إجراء قلل من جشع التجار إلى حد ما، والأمر سيمر خلال فترة قصيرة وسيستقر سعر الذهب، فى ظل جهود الدولة لتحقيق الاستقرار فى الأسعار بشكل عام».

مستهلكون: قلصنا الأوزان لنستطيع الشراء.. وتجار: إقبال متزايد على السبائك والعملات الذهبية

عن تأثير الأزمة على المستهلكين، قال أحمد حمدى، وهو شاب فى منتصف العشرينات، إنه كان يعتزم شراء الشبكة لخطيبته خلال الفترة الحالية، لكنه لم يستطع ذلك فى ظل الارتفاعات غير المنطقية التى تشهدها السوق.

وأوضح أنه كان يرغب فى شراء عدد معين من جرامات الذهب، بعد أن اتفق مع خطيبته على ذلك قبل شهرين فقط، ثم انتظر ليدبر ثمن هذه الجرامات قبل أن يتفاجأ بأن المبلغ الذى جمعه لم يعد كافيًا لشراء نفس الجرامات، ما اضطره لتخفيض وزن الشبكة حتى يتمكن من الشراء.

فيما قالت آية جمال إنها اتجهت إلى تحويل مدخراتها إلى الذهب، فى ظل فقدان العملة النقدية كثيرًا من قيمتها، وتنامى قوة المعدن الأصفر، لكون ذلك يحافظ على قيمة مدخراتها.

ووصفت الذهب بأنه سيظل استثمارًا جيدًا، خاصة مع ارتفاع سعره فى أيام قليلة بقفزات هائلة، مشيرة إلى أنها تفضل شراء السبائك والعملات الذهبية والذهب الكسر؛ حتى تهرب من ارتفاع سعر المصنعية للمشغولات الذهبية.

وعن ذلك، قال أحمد طه، تاجر ذهب، إنه من غير المتوقع أن تنخفض أسعار الذهب فى الفترة المقبلة، لذا لا داعى لانتظار وقت مناسب لشرائه، خاصة أن كل المؤشرات تشير لمزيد من الارتفاع فى سعره.

وأضاف: «جميع الأوقات مناسبة لشراء الذهب ما دام توافر المال، فهو استثمار طويل الأجل، وشراؤه فى أى وقت هو مكسب للمشترى، خاصة أن سعره يتحرك بين حين وآخر».

وعن تفضيلات الشراء فى الفترة الحالية، قال: «البعض يفضل شراء السبائك الذهبية، خاصة أن سعر المصنعية بها ليس مرتفعًا، كما تتميز السبيكة باسترداد جزء من المصنعية فيما يعرف بـ(الكاش باك) عند بيعها فى حالة الاحتفاظ بالغلاف الخاص بها، فيما يفضل البعض الآخر الاستثمار فى شراء العملات الذهبية».

وأشار إلى أن سعر جنيه الذهب سجل، أمس، فى آخر تحديث له سعر ٢٤٦٨٠ جنيهًا دون إضافة سعر المصنعية، منوهًا بأن السبائك الذهبية تكون عادة من عيار ٢٤، فيما تكون العملات من عيار ٢١.