رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مطالبة بطيئة بخطوات عاجلة!

بموافقة ١٣ عضوًا من أعضاء المجلس الـ١٥، وامتناع الولايات المتحدة وروسيا عن التصويت، وبعد عدة تأجيلات ومفاوضات شاقة، لتجنب «الفيتو» الأمريكى، صدر مساء أمس الأول، الجمعة، قرار مجلس الأمن رقم ٢٧٢٠، الذى لن يوقف العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، والأراضى الفلسطينية إجمالًا، ولن يقلل من وحشيته، بل يطالب فقط بـ«اتخاذ خطوات عاجلة لتهيئة الظروف لوقف مستدام للأعمال القتالية»، ويحث «الأطراف المعنية» على التعاون الكامل، واستخدام «جميع طرق الدخول والتنقل المتاحة» لإيصال الوقود والغذاء والمعدات الطبية إلى كل أنحاء القطاع!

أسبوع كامل من اللف والدوران، للتوصل إلى تلك الصيغة، التى ارتضتها الولايات المتحدة، والدول الحليفة أو التابعة، والتى كانت حسنتها الوحيدة هى إنشاء آلية لإنفاذ المساعدات، تحت رعاية الأمم المتحدة، وتعيين منسق أممى رفيع المستوى لتسهيل ومراقبة دخول تلك المساعدات، وتخطى العراقيل، التى وضعتها إسرائيل. مع ملاحظة أن دولة الاحتلال تعامل المنسقين الأمميين بمنتهى السوء، أو الانحطاط، وترى الأمم المتحدة جهة معادية، وقامت مؤخرًا بإلغاء تأشيرة، أو طرد، منسقتها للشئون الإنسانية.

استمرارًا لهذه النزعة العدائية، رأى مندوب إسرائيل الدائم، لدى الأمم المتحدة، أن تركيز مجلس الأمن على آليات المساعدات «غير ضرورى ومنفصل عن الواقع». وكتب إيلى كوهين، وزير الخارجية الإسرائيلى، فى حسابه على شبكة «إكس»، أن إسرائيل، التى زعم أنها تتصرف وفقًا للقانون الدولى، ستواصل، لأسباب أمنية، فحص كل المساعدات الإنسانية. أما ليندا توماس- جرينفيلد، المندوبة الأمريكية، التى بذلت قصارى جهدها لإفراغ مشروع القرار من مضمونه، فأبدت أسفها؛ لأن مجلس الأمن لم يقم بإدانة «أفعال حماس»، وقالت إنها «لا تفهم» سبب رفض أعضاء فى المجلس هذه الإدانة.

القرار، الذى تقدمت بمشروعه دولة الإمارات الشقيقة، يأتى تنفيذًا لقرارات القمة العربية الإسلامية، الطارئة أو الاستثنائية، التى طالبت بكسر الحصار على قطاع غزة، ورفض كل محاولات التهجير القسرى للفلسطينيين. إضافة إلى المطالبة بضرورة احترام قواعد القانون الدولى والقانون الدولى الإنسانى، وعدم تعريض حياة المدنيين للخطر، والامتناع عن استهدافهم أو استهداف المساعدات. والإشارة هنا قد تكون مهمة إلى أن روسيا امتنعت عن التصويت، بسبب الرفض الأمريكى القاطع، الذى قوبلت به محاولة إضافة «الدعوة لوقف عاجل ومستدام للأعمال القتالية» إلى مسودة القرار.

نحن، إذن، أمام خطوة قد تكون مهمة على مسار تخفيف حدة المعاناة الإنسانية، وتفادى شبح المجاعة، الذى حذرت منه وكالات الإغاثة، لكنها «غير كافية»، بوصف الخارجية المصرية، التى أوضحت، فى بيان، أن الوقف الفورى لإطلاق النار، هو الضمانة الوحيدة، لتوفير البيئة المواتية لتنفيذ مجمل بنود القرار، والسبيل الوحيد لوقف نزيف الدماء. وفى هذا السياق، جدد أنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، تأكيده أن طريقة تنفيذ إسرائيل هجماتها هى العقبة الرئيسية أمام جهود إيصال المساعدات.

لا يمكن، طبعًا أو قطعًا، معالجة الكارثة الإنسانية، التى يعيشها قطاع غزة، منذ أكثر من ١٠ أسابيع، بإجراءات جزئية، غير ملزمة، أو بمسكنات لتهدئة الرأى العام العالمى. غير أن الخارجية المصرية رأت أن صدور مثل هذا القرار بمحتواه الإنسانى، «يضع المجتمع الدولى أمام مسئوليته السياسية والإنسانية لسرعة تنفيذ بنوده، لوقف المعاناة التى يتعرض لها سكان القطاع يوميًا تحت نير القصف الإسرائيلى المستمر، وسياسة الحصار والتهجير القسرى والتدمير الكامل للبنية التحتية». كما أكد رياض منصور، مندوب فلسطين فى الأمم المتحدة، أن «هذا القرار خطوة فى الاتجاه الصحيح»، مطالبًا بضرورة تنفيذه، وبأن يكون مصحوبًا بضغوط هائلة من أجل الوقف الفورى لإطلاق النار.

.. وأخيرًا، أكدت مصر، مجددًا، قولًا وفعلًا، أنها مستمرة فى العمل مع الأطراف الدولية الداعمة للسلام، من أجل التوصل إلى وقف كامل لإطلاق النار، يحافظ على أرواح المدنيين الفلسطينيين، ويخفف من وطأة الأزمة الإنسانية على سكان القطاع. وأيضًا، من أجل إعادة إطلاق عملية سلام جادة وحقيقية تفضى إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود ٤ يونيو ١٩٦٧ فى إطار رؤية حل الدولتين.