رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أمير التسامح.. وداعًا

مصر اليوم فى حالة حداد، بدأت، أمس السبت، وستنتهى، غدًا الإثنين. وباسمنا جميعًا، باسم الشعب المصرى، نعى الرئيس عبدالفتاح السيسى، الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت الشقيقة، «الزعيم الفقيد، الرجل العظيم، الذى كان داعمًا لأمته العربية والإسلامية، حريصًا على شئونها، حكيمًا فى قيادته، وقدم الكثير من البذل والعطاء لبلاده وللأمتين العربية والإسلامية». ونسأل الله تعالى أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته، ويسكنه فسيح جناته، ويلهم الشعب الكويتى الشقيق الصبر والسلوان.

إلى «أسرة الصباح الكرام» و«الشعب الكويتى الكريم»، و«إلى الأمتين العربية والإسلامية وشعوب العالم الصديقة»، نعى الديوان الأميرى ومجلس الوزراء الكويتى، الفقيد، الذى انتقل إلى جوار ربه، ظهر أمس السبت، بعد مسيرة حافلة بالبذل والعطاء والإنجازات، امتدت لأكثر من ستين سنة، سطر خلالها صفحات مضيئة من الالتزام بالمبادئ والقيم والمثل العليا فى حياته، التى كرسها لخدمة وطنه وأمتيه العربية والإسلامية، وأفنى حياته فى تحقيق إنجازات وإسهامات نهجها القيم والمبادئ والأخلاق.

المولود فى ٢٥ يونيو ١٩٣٧، هو الابن السادس للأمير الأحمد الجابر الصباح، حاكم الكويت بين عامى ١٩٢١ و١٩٥٠، وبدأ حياته السياسية، وهو فى الخامسة والعشرين، بتعيينه، سنة ١٩٦٢، محافظًا لمنطقة حولى، التى جعلها مدينة حضارية وتجارية، قبل أن يتولى عددًا من الوزارات السيادية، أبرزها وزارة الداخلية سنة ١٩٧٨، ووزارة الدفاع، التى تولاها فى ١٩٨٨، وقادها خلال أشهر الغزو العراقى السبعة. 

فى أول مجلس وزراء، تم تشكيله بعد تحرير الكويت سنة ١٩٩١، صار الفقيد وزيرًا للشئون الاجتماعية والعمل، ثم أصبح نائبًا لرئيس الحرس الوطنى فى ١٩٩٤، قبل أن يتولى وزارة الداخلية، مجددًا، سنة ٢٠٠٣، وصولًا إلى توليه فى ٢٠ نوفمبر ٢٠٠٦، ولاية عهد أخيه، الذى كان يوصف بـ«شيخ الدبلوماسيين العرب» و«عميد الدبلوماسية العربية»، ليشاركه، خلال السنوات التالية، فى إرساء دعائم دولة الكويت الحديثة، و«هندسة» علاقاتها، الإقليمية والدولية، وتأسيس «دبلوماسية الوساطات»، التى حسمت نزاعات عربية وإقليمية عديدة، وأسهمت فى حماية مجلس التعاون الخليجى.

بذهاب الشيخ صباح الأحمد، إلى رحاب ورحمة ربّه، أدى أخوه وابن مدرسته السياسية، الدبلوماسية والإنسانية، أواخر سبتمبر ٢٠٢٠، اليمين الدستورية أميرًا لدولة الكويت، ليكون الأمير السادس عشر للبلاد، والأمير السادس بعد الاستقلال، وليُكمل ما بدأه سلفه، ويواصل، أو يحاول، تطهير الكويت من رجس الإخوان. والاثنان، جمعتهما، كما أشرنا، مسيرة سياسية طويلة اتسمت بالموازنة بين السياستين الداخلية والخارجية، والاهتمام الدائم بالأبعاد الإنسانية، وأفضل برامج التنمية: الهيئة العامة للخليج واليمن، والصندوق الكويتى للتنمية الاقتصادية العربية. وفى غالبية المحطات، التى شهدت خلافات عربية، كان لهما دور كبير فى تجاوزها، وكانا وسيطين موثوقين بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجى، وبين قطر، والدول العربية الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب: مصر، الإمارات، السعودية والبحرين.

شارك الشيخ نواف، رحمه الله، إذن، فى كل مراحل نهضة وبناء وتنمية بلاده منذ استقلالها فى ١٩ يونيو ١٩٦١، وكان أحد مؤسسى الكويت الحديثة، الذين أسهموا فى إرساء دعائمها، قبل أن يتولى الحكم فى مرحلة مليئة بالتحديات، أبرزها انتشار وباء كورونا، وتراجع أسعار النفط، وتصاعد الخلافات المزمنة بين الحكومة ومجلس الأمة، إلا أنه تعهد، عقب توليه الحكم، بأن يبذل غاية جهده وكل ما فى وسعه «حفاظًا على رفعة الكويت وعزتها وحماية أمنها واستقرارها وضمانة كرامة ورفاه شعبها»، وبعد حوالى أسبوع من توليه الإمارة، أنهى التكهنات بشأن ولاية العهد، وأصدر مرسومًا يقضى بتسمية أخيه الشيخ مشعل وليًا للعهد، وواصل، حتى رحيله، مسيرة العطاء والتسامح، واستطاع الحفاظ على استقرار الكويت وتحقيق الخير والازدهار لشعبها، وشهدت ولايته محاسبة مسئولين كبار تورطوا فى قضايا فساد.

.. أخيرًا، وعملًا بأحكام الدستور الكويتى، والمادة الرابعة من القانون رقم ٤ لسنة ١٩٦٤ بشأن أحكام توارث الإمارة، نادى مجلس الوزراء بولى العهد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح أميرًا لدولة الكويت، ليصبح الأمير السابع عشر للبلاد، والأمير السابع بعد الاستقلال.