رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أحمد قرني: الكتابة للأطفال أمن قومي يحمي الهوية من الأفكار الشاذة (حوار)

الكاتب أحمد قرني
الكاتب أحمد قرني

في لقاء مع الكاتب أحمد قرني، الذي وصلت قصته "الفتى الذي يشبه السندباد" إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب في فئة أدب الطفل والناشئة، تحدث عن أدب الأطفال والصعوبات التي يواجهها والمعايير التي يلتزم بها كاتب الأطفال وغيرها من الموضوعات.

كتاب الأطفال مرتفع الثمن بالنظر إلى القدرة الشرائية للأسر

 

ــ هل مستوى الأدب المكتوب للأطفال في مصر يتراجع أم يزدهر؟

أعتقد أنه يزدهر من حيث الكتابة فالكتابة المقدمة للأطفال واليافعين شهدت تطورا كبيرا في السنوات الماضية، وضعت أدب الأطفال العربي واليافعين في منطقة مهمة طبعا هناك بعض الظواهر السلبية مثل النقل والسرقات الأدبية عن الغرب، لكن مجمل المنتج رائع ولكن تبقى الأزمة في النشر، النشر مكلف جدا وكتاب الأطفال مرتفع الثمن بالنظر إلى القدرة الشرائية للأسر في بعض الدول العربية، ولهذا يجب على الحكومات أن تتدخل وتتيح مجال أرحب لنشر أدب الأطفال واليافعين صحيح أن هذا يحدث لكن جودة الطباعة ضعيفة جدا مقارنة بجودة طباعة النشر الخاص لهذا أقترح أن تقوم الحكومات بشراء نسخ من تلك الدور وتوفيرها بمكتبات عامة للمدارس أو اتاحتها عبر مكتبة الأسرة بسعر رمزي ، مشروع مكتبة الأسرة كان مشروعا مهما لنشر الثقافة والوعي وتنمية عادة القراءة من خلال توفير الكتاب بسعر مدعوم لكل الأسر، ولا أعرف لماذا أجهضوا مشروعا عظيما مثل هذا، أتمنى عودة مكتبة الأسرة مرة أخرى وتوفير كل الدعم لها لأن الكتابة للأطفال ليست كتابة للمتعة فقط وإن كان يجب أن تقدمها ولكن هي أمن قومي يحمي الهوية وثوابت الأمة ويقف في وجه التيارات الغربية التي تريد زرع أفكار شاذة لدى أطفالنا وطمس ثقافتنا وهويتنا الكتابة للأطفال أمن قوي.

 

ــ ما هي الصعوبات التي تواجه الكتابة للأطفال؟

هناك نظرة متدنية لكاتب الأطفال نظرة من المجتمع ونظرة أخرى لدى المؤسسات الحكومية التي تعمل في مجال الثقافة فهي تمنح كاتب الأطفال مقابلا ماديا زهيدا، يجب على تلك المؤسسات أن تعمل على إنتاج كتاب للطفل جيد من حيث الورق والطباعة والألوان والإخراج، على اعتبار أن الطفل لا يعبر عن رأيه فيما يختار له من قبل الأسرة لهذا لا يوجد دعم كبير لكتاب أدب الأطفال واليافعين سواء المادي أو المعنوي، كما أن ارتفاع ثمن الطباعة جعل النشر صعبا أمام كاتب الأطفال فدور النشر لا تعنى كثيرا بنشر قصص الأطفال للسن الصغير لارتفاع ثمن الألوان وكلفة الكتاب مما يؤثر على المبيعات وهنا يجب أن تتدخل الدولة وإن كنت أرى أنه في الآونة الأخيرة هناك دور نشر خاصة اقتحمت هذا المجال وأصبحت تقدم منتجا لائقا مثل بيت الحكمة سواء على مستوى الكتابة باللغة العربية أو على مستوى الترجمة وكذلك نهضة مصر ودار أرجوحة ودور أخرى عديدة منها دار صفصافة يجب الإشادة بتلك الدور لدعمها كي تستمر في تقديم كتاب جيد للطفل.

ــ ما المعايير التي يلتزم بها كاتب أدب الطفل؟

تبدو تلك المعايير فضفاضة من مجتمع لآخر فما هو مسموح في مجتمع قد يكون محظورا في مجتمع آخر، وسقف الحرية هنا سيختلف عن سقف الحرية هناك وعلى كاتب الأطفال أن يراعي قيم المجتمع والحفاظ على هوية المجتمع الذي يعيش فيه ويكون معبرا بصدق عن بيئته لا أن يحاول طرح أفكار غريبة وشاذة عن مجتمعة وتخرق النظام العام لهذا المجتمع، كما يجب أن يدفع الطفل للمعرفة والاكتشاف والعلم وتجنب الأفكار الساذجة عن السلبية وتحقيق الأحلام بالعفاريت والجان.

 

 

ــ لماذا لا توجد سلسلة كتب للأطفال ذائعة الانتشار كسلسلة “المكتبة الخضراء” التي تعلقت بها أجيال سابقة؟

أظن أن السبب أن دور النشر الخاصة سحبت البساط من تحت المؤسسات الثقافية الرسمية التي تراجع إنتاجها وتراجع دورها وانسحبت من المشهد معظم السلاسل التي كانت تقدمها وبدأت دور نشر خاصة تقدم كتبا للأطفال جيدة ومستوى طباعتها رائع وروجت كثيرا لتلك الكتب فاستطاعت أن تملأ الفراغ وأظن أيضا أن هناك الآن إعادة طرح لفكرة السلسلة ولدي اتفاق مع دار نشر "أرجوحة" بقيادة الكاتب الدكتور محمد فتحي لإنتاج سلسة للأطفال تحمل الشخصية الرئيسية سمات مصرية عربية محببة للأطفال تكون عوضا عن الشخصيات الأجنبية وأبطالها الذين لا يتشابهون معنا ولا يقدمون ثقافتنا.

 

 

ــ حدثنا عن تجربتك في الكتابة للأطفال، وما أبرز المصاعب التي تواجهك خلال الكتابة نفسها؟

أظن أنني أحد الكتاب سعداء الحظ منذ كتابي الأول للأطفال وأنا ألقى تشجيعا كبيرا فقد فاز أول كتاب لي للأطفل " شادي في دنيا الحواديت" بجائزة سوزان مبارك وكانت وقتها جائزة كبيرة سواء في مصر والوطن العربي كله والقصة كتبتها عن تجربة شخصية مع أول أبنائي شادي وتوالت كتاباتي للأطفال ولاقت رواجا واهتماما كبيرا وفازت بمعظم الجوائز العربية سواء كتارا أو الشيخ خليفة التربوية أو جائزة العربية مصطفى عزوز بتونس أو جائزة الشارقة لهذا لا أدعى أن هناك صعوبات أواجهها لكن يبقى تحدي أن تجد فكرة جديدة معالجة جديدة طريقة طرح جديدة وهكذا، والكتابة للطفل ليست كما يظن البعض هي حكاية خيالية طريفة أو مجرد حدوتة قبل النوم لكن الكتابة للطفل رسالة وهوية وثقافة ومستقبل هذا الوطن، إذا أردت أن ترى مصر بعد عشرة أو عشرين عاما أنظر إلى أطفالها الآن، الأطفال هم المستقبل لهذا يجب الاهتمام بهم وتعليمهم وتنمية مهارتهم ودفعهم للحلم والبحث والاكتشاف.

 

 

ــ إلي أي مدي تختلف فنيات الكتابة للأطفال عن مثيلتها للكبار؟

 

الكتابة للأطفال هى كتابة قصدية عمدية موجهة بمعنى أنك تكتب للأطفال وأنت تحدد الفئة العمرية التي تتوجه إليها لأن لكل فئة عمرية خصائصها ومفرداتها اللغوية وتناولها للموضوع ومن ثم فالكتابة للأطفال لابد من أن يتمتع الكاتب فيها بملكة الحكي للأطفال وملكة صنع عالم يجذبهم ويثير دهشتهتم وفي الكتابة للأطفال أنت تمتلك الخيال. الخيال هو المحرك ليس هناك محددات للخيال لأن عقل الطفل قابل للتخيل والعيش داخل الفكرة ومع مغامرة الأبطال الذي يتوحد معهم ويحبهم.

 

ــ هل غياب نقد الكتابة للطفل دور في قلة كتاب هذه النوعية من الكتابات؟

 

النقد للأسف غائب عن كتابة الكبار والأطفال معا لكن هو بالنسبة للأطفال أقل إنتاجا وإن كنت ألحظ توجه بعض الجامعات للباحثين وطلاب الدراسات العليا والماجستير للكتابة في نقد روايات اليافعين ونقد كتب الأطفال وهذا توجه حميد أظنه سيتزايد في الأيام المقبلة كثيرا نظرا لإدارك أهمية هذه الكتابة التي كان ينظر لها قديما على أنها أقل شأنا من الكتابة للكبار.

 

 

 

ــ ما الدور الذي تراه للمكتبات المدرسية في تنمية ملكة القراءة وخيال الطفل؟

 

المكتابات المدرسية هي الخيال والمعرفة والمتعة يجب أن نعيد الطفل للمكتبة أو نذهب بالمكتبة إليه من خلال خلق مكتبة حديثة بحيث نضع الكتب على منصات خاصة بالأطفال يدخلونها على أجهزتهم بالمجان أو باشتراك رمزي هذا المنصات توفرها الدولة بالمجان لأطفال المدرسة يدخلها الطالب بالرقم القومي هنا سنذهب بالمكتبة إلى أولادنا. بدون المكتبة لن نخلق الخيال والمعرفة المكتبة سواء العادية أو الرقمية مهمة جدا ويجب دعهما بالكتابات الجديدة باستمرار لكوها الغذاء العقلي للأطفال في هذا السن ويجب أن يخصص وقت كافي للطلبة لزيارة المكتبة وتنمية عادة القراءة لدى أولادنا بدون القراءة الحرة لن تتقدم الدولة المصرية.

 نحتاج إلى طفل جديد يحب القراءة والاطلاع والمعرفة وأيضا المكتبات توفر للطالب الكتاب بالمجان مع ارتفاع ثمن الكتاب للطفل بحيث هناك شرائح كبيرة لا تستطيع أن تشتري كتاب الأطفال يصبح البديل هو توفير الكتاب عن طريق المكتابات العامة ومكتبات المدارس والمكتابات الألكترونية.

 

ــ هل يمكن لكتاب أدب الطفل الإسهام في وضع مناهج تعليمية اللغة العربية وغيرها نموذجا وكيف تري آلية تنفيذ الأمر؟

 

للأسف وزارة التربية والتعليم تسند مهمة اختيار القصص للأطفال للموجهيين أو لمؤسسات تربوية وتتجاهل كاتب أدب الأطفال وكاتب الأطفال هو الذي يستطيع اختيار القصص المناسبة والتي تراعي تقدم العصر وأهمية الحفاظ على الهوية والتاريخ لكن يتم استبعادهم برغم أن كثيرا من مناهج الدول العربية المحيطة تستفيد من كتابتنا وتدخلها المناهج لكن هنا في مصر لا يحدث ويظل يقدم للطفل في المدرسة قصص مملة تافهة لا تطلق الخيال ولا تحض على المعرفة توجه لهم رسائل مباشرة تشبه الوعظ والخطب وهو ما ينفر منه الطفل.

 

ــ كيف يساهم أدب الطفل في تنمية قيم المواطنة والانتماء؟

 

كل فن وله رسالة لكن كما قلت سابقا لابد للفن أولا أن يحقق المتعة للقاريء وبالتأكيد أحد أهم رسائل أدب اليافعين هو تعزيز قيم المواطنة والانتماء وقد فعلت هذا في رواية "رسائل جدي" بطل الرواية شاب صغير يحلم أن يسافر إلى الغرب حيث العالم الثراء والحرية المطلقة كما يظن ويمكنه أن يفعل كل هذا لكن من خلال الرسائل المتبادلة بينه وبين جده سيحكي له سيرة الوطن وكيف استطاع أجداده أن يحافظوا عليه ولم يتركوه ولم يهاجروا برغم المصاعب التي مروا بها. وأظن أن رسالة الأدب الموجه لليافعين هو تعزيز تلك القيم في عقل ووجدان الشباب الذي أحيانا يشعر بالاغتراب وعدم القدرة على تحقيق أحلامه بسهولة بسبب وجود معوقات ودور الكاتب هو الإضاءة وبث الأمل وإمتاع القارئ.

 

ــ هل هناك محاذير ــ داخلية أو خارجية ــ تلتزم بها خلال كتابتك للطفل ولماذا؟

 

لكل كاتب ضميره الذي يحاسبه ولكل كاتب مبادئ وأفكار تحركه وفوق كل هذا لابد أن تتحرك من خلال مساحة الحرية التي يمنحها لك المجتمع فالثقافة السائدة حاكمة والإطار الأخلاقي ومجموعة النظم المفروضة في كل مجتمع تصبح إطار ضاغط وعلى الكاتب أن يتحرك ويعطي لنفسه المساحة التي يتحرك فيها وقدرته على تطويع أدواته وكيف يمكنه أن يقول كل ما يريده دون أن يحدث صداما مع المجتمع والتقاليد والنظم السائدة.

 

 

 

ــ هل تأخذ في اعتبارك خلال الكتابة الفروق الفردية بين الأطفال، سواء فروقات طبقية ثقافية وغيره؟

 

لا أعترف بالطبقية في مخاطبة الطفل أو الشباب منظومة الأخلاق والقيم يجب أن تسود في المجتمع كله ورسالة الأدب واحدة، لكن أن تكتب للطفل الغني أو للطفل الفقير فليس هذا من العدالة في شيء أما مراعاة الفروق الفردية بين الأطفال من حيث الذكاء أو النمو العقلي وما يصلح من قصص لهذا الطفل فتلك مهمة الأخصائي الاجتماعي أو الأم وليس الكاتب فالمتعامل مع الطفل هو من يمكنه تحديد نوع الكتابة التي يمكنه بسهولة تلقيها أو تلك التي تناسب نموه العقلي.

 

ــ ما الأدوات الفنية التي يجب علي كاتب الأطفال امتلاكها؟

 

كاتب الأطفال لابد أولا أن يكون ملما بالمراحل العمرية وخصائص كل مرحلة ويجب أن يكون ملما بمفردات اللغة التي تناسب كل مرحلة عمرية وأن يكون لديه الخيال الواسع الذي يتسع لخيال الطفل الرحب وعالمه وأن يكون واعيا برسالته التي يؤديها وأن يكون ملما ببعض القواعد والمباديء التربوية وأن يكون ملما بما يطرأ من تغيرات في الأدوات التكنولوجية الحديثة وما يثير اهتمام الأطفال في العصر الحالي فلا يجب أن يغلق على نفسه ويكتب لأنه يكتب لطفل هذا العصر وهذا الزمن.

 

ــ هل ساهمت الوسائط والتكونولوجيا الحديثة في تراجع نسب القراءة بين الأطفال؟

 

بالعكس الوسائط الحديثة تثري القراءة وتجعلها متعددة فالكتاب الآن PDF ومنصات القراءة على مواقع التواصل تزداد والكتاب التفاعلي والكتاب الرقمي كلها أدوات تتيح القراءة لكن بشكل يتناسب مع أدوات العصر وحجم مبيعات الكتب وحجم المنصات الموجودة يعبر أن هناك زيادة في القراء والتفاعل.

 

ــ كيف يمكن استغلال هذه الوسائط في نشر وتنمية ملكة القراءة لدي الأطفال منذ الصغر؟

كما قلت الوسيط الإلكتروني مهم للغاية ويجب أن نحتفي بها وأن نقدم للطفل كتاب غير تقليدي يتفاعل معه فيرى الماء ينسكب ويشاهد الطائر يطير وهناك الكتاب الصوتي حيث يمكن للطفل أن يستمع لنبرة صوت القارئ المتغيرة مع الأحداث كما أرجو أن ينتشر الكتاب الرقمى والتفاعلي الوسائط الحديثة تستطيع إتاحة الكتاب بسعر رخيص جدا لكل الأطفال سواء في القرى أو المدن ويمكنه باشتراك رمزى قراءة عدد ضخم من الكتب على منصة إلكترونية.