رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أقوى أدوات جوتيريش

أقوى أدوات الأمين العام للأمم المتحدة، استخدمها داج همرشولد، للمرة الأولى، سنة ١٩٦٠، للتعامل مع تصاعد أعمال العنف فى الكونغو، ووصفها بأنها «أهم من أى مادة أخرى، لأنها تحول الأمين العام من مسئول إدارى بحت إلى مسئول يتمتع بمسئولية سياسية واضحة»، وكان خافيير بيريز دى كوييار، هو آخر من قاموا بتفعيل المادة ٩٩، سنة ١٩٨٩، لإيجاد حل سلمى للحرب الأهلية اللبنانية.

المادة التاسعة والتسعون من ميثاق الأمم المتحدة تتيح «للأمين العام أن ينبه مجلس الأمن إلى أى مسألة يرى أنها قد تهدد حفظ السلم والأمن الدوليين». و«نظرًا لحجم الخسائر فى الأرواح البشرية فى غزة وإسرائيل خلال فترة وجيزة»، أرسل أنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، خطابًا إلى خوسيه خافيير دى لا جاسكا لوبيز دومينجيز، رئيس مجلس الأمن، أمس الأول الأربعاء، يفعّل فيه هذه المادة، للمرة الأولى، ويحثّ أعضاء المجلس على ممارسة الضغط لدرء حدوث كارثة إنسانية. وكان لافتًا أن يتلقى سامح شكرى، وزير الخارجية، فى اليوم نفسه، اتصالًا تليفونيًا من الأمين العام للأمم المتحدة.

فى خطابه إلى رئيس مجلس الأمن، قال «جوتيريش» إن «أكثر من ثمانية أسابيع من الأعمال العدائية أدت إلى معاناة إنسانية مروعة»، وأكد «عدم وجود مكان آمن فى غزة»، أو حماية فعالة للمدنيين، لافتًا إلى انهيار منظومة الرعاية الصحية، وتحول المستشفيات إلى ساحات للمعارك. وكان الأمين العام للأمم المتحدة قد لخّص موقفه، الذى أراد أن يجعله متوازنًا، فى أن «المظالم المشروعة للشعب الفلسطينى» لا يمكن أن تبرر «الهجمات المروعة» التى قامت بها حماس، والتى لا يمكن أن تبرر، هى الأخرى، «العقاب الجماعى للشعب الفلسطينى». ومنذ أيام، أبدى جوتيريش أسفه الشديد لاستئناف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، معربًا عن أمله فى تجديد الهدنة الإنسانية، التى انتهت فى أول ديسمبر الجارى.

لـ«التشاور وتنسيق الجهود للحد من الأزمة فى غزة واحتواء تداعياتها»، أجرى «جوتيريش» اتصالًا تليفونيًا مع وزير خارجيتنا، الذى أعرب عن تقديره الدور المهم الذى يقوم به الأمين العام للأمم المتحدة فى تعاطيه مع الأزمة وتداعياتها، واستعرض التحركات المصرية مع الأطراف الدولية، وفى إطار المجموعتين العربية والإسلامية بالأمم المتحدة، على مسار الدفع نحو إنهاء الحرب، و... و... وأعاد تأكيد رفض مصر القاطع محاولات التهجير القسرى للفلسطينيين داخل أو خارج أراضيهم.

كالعادة، ثمَّن الأمين العام للأمم المتحدة الدور الذى تضطلع به مصر فى التعامل مع الأوضاع الأمنية والإنسانية المتردية فى قطاع غزة، منذ بداية الأزمة الراهنة، وما تبذله من جهود لتسهيل دخول المساعدات إلى القطاع فى أسرع وقت. وبشكل مستفيض، ناقش مع وزير الخارجية مستجدات الأوضاع، والتحركات الدبلوماسية الرامية إلى استعادة الهدنة، والتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، حقنًا لدماء المدنيين الفلسطينيين، وعلى نحو يتيح إنفاذ المساعدات الإنسانية بشكل كافٍ ومستدام لسكان القطاع. 

يرى «جوتيريش» أن الهجوم الذى شنته حركة «حماس»، فى ٧ أكتوبر الماضى، «لم يحدث من فراغ»، مشيرًا إلى أن الفلسطينيين تعرضوا «لاحتلال خانق على مدار ٥٦ عامًا»، ورأوا أراضيهم تلتهمها المستوطنات، وعانوا العنف، ونزحوا عن أراضيهم، وتلاشت آمالهم فى التوصل إلى حل سياسى لمحنتهم. وفى الجلسة الوزارية، التى عقدها مجلس الأمن، فى ٢٤ أكتوبر، أدان جوتيريش، أيضًا، وبشدة، هجمات «حماس»، التى وصفها بـ«المروعة»، وندّد بـ«استخدام المدنيين دروعًا بشرية»، واصفًا ذلك بأنه «يُعد جريمة حرب»، و... و... وحذّر من انتشار أو توسيع نطاق الحرب فى المنطقة.

.. وتبقى الإشارة إلى أن الأمين العام للأمم المتحدة تعرّض، أكثر من مرة، لهجوم شديد من مسئولين إسرائيليين، من بينهم وزير الخارجية، ومندوب الدولة العبرية الدائم لدى الأمم المتحدة. كما ألغت الحكومة الإسرائيلية، أواخر أكتوبر الماضى، الزيارة التى كان يعتزم القيام بها إلى تل أبيب، واتخذت إجراءات عقابية ضد المنظمة الدولية نفسها، مثل سحب تأشيرات الدخول، وعدم إصدار تأشيرات جديدة، لجميع موظفيها، الذين يعملون فى إسرائيل، أو يسافرون عبرها إلى مناطق السلطة الفلسطينية وقطاع غزة!