رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تحركات روسية جديدة

بعد زيارتيه الخاطفتين، أمس الأربعاء، للإمارات والسعودية، اللتين التقى خلالهما قادة الدولتين، يستقبل الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، اليوم، نظيره الإيرانى إبراهيم رئيسى، فى العاصمة الروسية موسكو. وكنا قد أوضحنا، فى مقال سابق، أن التحركات الروسية، الإقليمية والدولية، منذ بداية جولة التصعيد، الجديدة فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، يمكن وضعها فى سياق مواجهات تكسير العظام مع الولايات المتحدة، أو ضمن مساعى روسيا إلى تشكيل عالم جديد متعدد الأقطاب.

إلى جانب تطورات الأوضاع فى قطاع غزة، ناقش الرئيس الروسى مع نظيره الإماراتى وولى العهد السعودى، عددًا من القضايا الدولية والإقليمية، على رأسها مستجدات الأزمة الروسية الأوكرانية، والأوضاع فى سوريا، واليمن، وقضايا الاستقرار الأوسع نطاقًا فى منطقة الخليج العربى، بالإضافة إلى خفض إنتاج النفط فى إطار تحالف «أوبك بلس»، الذى يضم الدول الثلاث، ويضخ نحو ٤٠٪ من النفط العالمى. وفى حسابه الرسمى على شبكة «إكس» كتب محمد بن زايد، رئيس دولة الإمارات، أن بلاده «حريصة على بناء جسور التعاون التنموى مع مختلف دول العالم، ودعم كل ما يحقق الاستقرار والازدهار للجميع»، وأشار إلى أنه بحث مع الرئيس بوتين سبل تعزيز العلاقات الإماراتية الروسية، ودفعها إلى الأمام، خاصة فى المجالات التى تصب فى خدمة التقدم والتنمية لمصلحة البلدين وشعبيهما. 

بعد تحذيرات متتالية من تفاقم الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، إثر تدخلات الولايات المتحدة، ودعمها طرفًا على حساب آخر، بدأت روسيا تدخلها المباشر، بمشروع قرار تقدمت به إلى مجلس الأمن، وجرت عرقلته. وفى المكالمة التليفونية، التى أجراها الرئيس بوتين مع الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى ١٦ أكتوبر الماضى، توافق الزعيمان على أهمية تغليب مسار دعم التهدئة واستعادة الاستقرار الأمنى، وأولوية الحرص على حماية المدنيين ومنع استهدافهم، وكذلك خطورة الأوضاع الإنسانية فى قطاع غزة، وضرورة توفير النفاذ الآمن للمساعدات الإنسانية والإغاثية بصورة عاجلة. كما اتفق الرئيسان على ضرورة العمل الجدى على معالجة أسباب الأزمة، خاصة استمرار غياب الأفق السياسى لتسوية القضية الفلسطينية على نحو عادل ودائم، وإقامة الدولة الفلسطينية وفق مرجعيات الشرعية الدولية المتفق عليها.

لاحقًا، استعرض الرئيس الروسى مع بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى، نتائج محادثاته مع قادة مصر وسوريا وفلسطين وإيران، وقال «الكرملين» إن بوتين أعرب عن استعداد بلاده للعمل على «إنهاء المواجهة الفلسطينية الإسرائيلية وتحقيق تسوية سلمية عبر الوسائل السياسية والدبلوماسية». وهنا، قد تكون الإشارة مهمة إلى أن زيارة الرئيس بوتين للإمارات والسعودية، جاءت بعد ساعات قليلة من تحذير قادة دول مجلس التعاون الخليجى، خلال قمتهم الرابعة والأربعين، من «مخاطر توسع المواجهات وامتداد رقعة الصراع إلى مناطق أخرى فى الشرق الأوسط»، وإدانتهم «تصاعد أعمال العنف والقصف العشوائى اللذين تقوم بهما القوات الإسرائيلية، والتهجير القسرى للسكان المدنيين»، وترحيبهم، فى البيان الختامى للقمة، بالاتفاق، الذى تم التوصل إليه بين السعودية وإيران فى ١٠ مارس الماضى، بمبادرة من الرئيس الصينى شى جين بينج، الذى يتضمن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

.. وأخيرًا، قد تكون الإشارة مهمة، أيضًا، إلى أن العلاقات الروسية السعودية، فى إطار تحالف «أوبك بلس»، شهدت صعوبات، أو توترات، فى بعض الأوقات، وأوشك اتفاق لخفض الإمدادات على الانهيار، فى مارس ٢٠٢٠ عندما كانت الأسواق تعانى بالفعل بسبب وباء كورونا. غير أن البلدين نجحا فى رأب الصدع، واتفقا مع باقى دول «أوبك بلس»، على تخفيضات وصلت إلى ١٠٪ من الطلب العالمى. وفى هذا السياق، أعلنت روسيا، الخميس الماضى، عن تعزيز خفضها الطوعى لإمدادات النفط إلى ٥٠٠ ألف برميل يوميًا، وتمديده حتى نهاية الربع الأول من ٢٠٢٤. وكان لافتًا أن تنقل وسائل إعلام سعودية، فى اليوم نفسه، عن مصدر مسئول بوزارة الطاقة أن الرياض ستمدد خفضها التطوعى، البالغ مليون برميل يوميًا، والذى بدأ تطبيقه فى يوليو الماضى، حتى نهاية الربع الأول من العام المقبل.