رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد نصر الجبالي: المدارس الغربية تُتابع عن كثب كل ما يصدر في مصر (حوار)

محمد نصر الدين الجبالي
محمد نصر الدين الجبالي

بعد اختيار الدكتور محمد نصر الجبالي، عضوًا بـ"لجنة الترجمة “ فى المجلس الأعلى للثقافة وذلك لمدة عامين، تحدث حول رؤيته التي يأمل في تحقيقها خلال عضويته باللجنة، وأبرز قضايا الترجمة، وعلي رأسها ترجمة الأعمال العربية إلي اللغات الأجنبية الأخري وغيرها من القضايا فكان لـ ”الدستور" هذا اللقاء.

 

بعد اختيارك عضوا بلجنة الترجمة بالمجلس الأعلى للثقافة.. ما هي أولوياتك خلال الفترة المقبلة؟

انضمامي لهذه الكوكبة الرائعة من المثقفين والعلماء الأجلاء شرف عظيم.. وآمل خلال هذه الدورة أن يتم الدفع بالترجمة من العربية إلى اللغات الأجنبية وإنشاء مرصد للترجمة لمتابعة جودة الترجمات التي تصدر من العربية وإليها ونشر مراكز الترجمة في مختلف الجامعات. 

كما آمل في أن يكون هناك معهد للترجمة يقوم بدور بحثي في المقام الأول وتعليمي وينظم المؤتمرات المتخصصة في الترجمة ويدعو الخبراء ويمنح الدرجات العلمية المختلفة .

الترجمات العربية للغات الأخرى غير كافية لتقديم آدابنا.. فما السبب؟ 

يرتبط الأمر في المقام الاول بجودة المنتج الثقافي الذي نقدمه في عالمنا العربي.. فلا يصدر عمل جيد إلا ويترجم إلى مختلف لغات العالم وهناك متابعة حثيثة من المدارس الغربية لكل ما يصدر في مصر والعالم العربي وخاصة من قبل مدارس الاستشراق. وفي روسيا مثلا يتم ترجمة الكثير من الأعمال سنويا ولكن ربما يقع على عاتقنا دور أكبر في المشاركة في هذه العملية وإطلاق مبادرات لتشجيع الترجمة من العربية إلى اللغات الأجنبية كما تفعل المؤسسات في أوروبا. فمعهد الترجمة في موسكو مثلا يدعم الترجمات من الروسية إلى اللغات الأجنبية ويقدم منحا للمترجمين ويمنح حقوقا مجانية للترجمة.   

مازالت الترجمات للعربية تقتات علي القديم والكلاسيكي، كيف تحلل هذه الظاهرة وما أسبابها، وكيف يمكن معالجتها؟

يرجع ذلك للأسف في المقام الأول إلى وجود ترجمات سابقة لهذه الأعمال أو تكون قد ترجمت إلى لغات أخرى ومن ثم تعاد الترجمة مع بعض التحرير أو يتم الترجمة عن اللغة الوسيطة. لأنه من غير المبرر أن يعاد ترجمة عمل سبق ترجمته إلا في حالة وجود خروقات كبيرة ومبررات علمية وموضوعية للقيام بذلك. 

أما السبب الثاني فهو تجاري نظرا لإقبال دور النشر على إعادة إصدار هذه الأعمال بمسميات جديدة فهناك عمل مثلا صدر بخمس عناوين لخمس ترجمات مختلفة بينها فروق تكاد لا تذكر. حيث تحظى هذه الأعمال بشهرة عالمية ويسهل الترويج لها .

والسبب الثالث هو كون الأدب القديم هو بالفعل أكثر جودة من الأدب المعاصر وهي ظاهرة في مختلف الثقافات. 

وعلاج هذه المشكلة يكمن في أن تتبنى المؤسسات الحكومية مشروع ترجمة الأدب الحديث في العالم وإعداد قائمة من الأعمال ضمن مشروع متكامل لترجمة الإصدارات الحديثة المميزة. ولعل سلسلة الجوائز في هيئة  الكتاب تقوم بهذا الدور ولكن يبقى عدد الإصدارات السنوية قليل للغاية لا يتعدى إصبع اليدين .      

أعادت الحرب علي غزة القضية الفلسطينية إلي صدارة المشهد العالمي.. كيف تسهم الترجمة في نقل الصورة الصحيحة للآخر؟

 بالتأكيد يمكن للترجمة أن تلعب دورا هاما في تصحيح المفاهيم المغلوطة عن القضية الفلسطينية عن طريق ترجمة الأدب الفلسطيني والكتابات العربية التي تطرح القضية سواء ضمن منتج ثقافي بشكل عام أو أدبي بصفة خاصة .

كما يمكن الاهتمام بترجمة الأعمال الأجنبية التي تتبنى موقفا عادلا من القضية وتنظيم الندوات لمناقشة كيفية مواجهة الدعاية الترجمة حينما يقوم البعض بتشوية صورة العربي أو الفلسطيني عمدا في الأدبيات والنصوص الأجنبية وحينما تؤثر الأيدلوجيا سلبا على المترجم فيرسم صورة سلبية للعريي وثقافته.

مازالت قضية ترجمة الأعمال العلمية تبحث عن حلول.. فما هي مقترحاتك؟

 أعتقد أن على المؤسسات الحكومية في مصر انتهاج الخطوات التي قام بها المركز القومي للترجمة في تشجيع الترجمات العلمية من خلال إفراد جائزة خاصة بها ضمن جوائزه السنوية ومضاعفة عدد الترجمات العلمية.

كما أرى أن تتبني الجامعات هذا النوع من الترجمة نظرا لأنها تحتاج إلى متخصصين يسهل العثور عليهم في الجامعات وضمن الأكاديميين. لا سيما أن هذا النوع من الترجمة لا يحتاج إلى ذائقة أدبية بل إلى الإلمام بالمصطلحات التقنية المتخصصة في المقام الأول بين اللغتين .

ــ ما الذي تراه لإعادة الحراك وإنعاش الحركة الثقافية المصرية؟

أرى ان الاهتمام بالثقافة يجب أن يبدأ مرة أخرى من المدرسة عن طريق الاهتمام بدور المكتبة المدرسية وتفعيل مشاركة التلاميذ في أنشطتها والتشجيع على القراءة لجعلها ممارسة يومية في حياة الأطفال وكذلك الأمر في الجامعة. 

وفي العموم يجب العمل على تعزيز الهوية الثقافية سواء المصرية أو العربية من خلال نشر الوعي والمعرفة بين جميع أفراد المجتمع بأهمية هذا الموضوع وتعزيز فكرة أهمية المحافظة على إرثنا الثقافي والحضاري من خلال إعادة إحيائه عبر تظاهرات وفعاليات ومنتج ثقافي متنوع وأن نعمل على ترسيخ هذا المفهوم بين الأجيال الشابة حتى يظل متمسكا بهويته. 

ومن المهم أن نحرص على تنظيم ندوات وورش عمل مستمرة تتناول قضية تعزيز الهوية الثقافية.  كل هذا سيجعل كل فرد في المجتمع حريص على الترويج والاحتفاء بثقافته وتقديم منتج أو التفاعل مع حدث أو المشاركة في فعالية ما يساعد في إحياء الحراك الثقافي في المجتمع ككل.

خلال عملك مستشارا ثقافيا بسفارتنا في روسيا.. ما أهم خطوات تعزيز التبادل الاقتصادي الثقافي؟

 ترتبط مصر وروسيا بالكثير من المشتركات والمصالح.. وتعيش العلاقات المصرية الروسية فترة ازدهار لم تشهدها منذ الستينيات. 

وأعتقد أن كل الأبواب مفتوحة لتحقيق تنامي وتدعيم لهذه العلاقات في المستقبل القريب والبعيد. ويعمل البلدان من خلال البروتوكولات والزيارات المتبادلة بين القيادتين على رفع مستوى هذه العلاقات إلى مستوى أكثر قوة خاصة على المستوى الاقتصادي.

وثقافيا شهدت السنوات الأخيرة اهتمام متبادلا بين البلدين وتناميا في عدد الترجمات من الروسية إلى العربية حتى أن حجم ما ترجم خلال السنوات الخمس الأخيرة يعادل ما ترجم خلال النصف القرن الأخير. كما عادت الفرق الروسية لزيارة مصر وتقديم عروضها على المسارح المصرية وهو أمر افتقدناه كثيرا منذ عقود. وأعتقد أن السنوات المقبلة ستشهد المزيد من التفاعل والتعاون بين البلدين .  

عن أحدث ترجماتك “مدرسة الحمقى”.. إلي أي مدي تنطبق حالة بطل الرواية مع الموقف الدولي من القضية الفلسطينية؟

في هذه الرواية البطل يعاني من شير وفرينا حادة للمرة الأولى وتكتب رواية على لسان صبي يعاني من انفصام في الشخصية أو شيزوفرنيا حادة وتتملكه الدهشة والذهول من تنوع العالم المحيط به ومن إمكانات وثراء اللغة الروسية. هذا البطل الصبي الصغير بتصوراته غير المألوفة عن العالم وعن الزمن يتذكر طفولته وحياته بالمدرسة وفي أثناء ذلك يصف ويعلق على العالم المحيط حيث يختلط في وعيه الماضي بالحاضر.

وتختلف حالة بطل الرواية عما يحدث في العالم تجاه القضية الفلسطينية ففي الأخيرة يدرك الجميع تماما ما يحدث من مآسي للشعب الفلسطيني وأنه الشعب الوحيد المحتل حتى الآن ومع ذلك يقف هؤلاء إما موقفا سلبيا أو داعما للطرف الظالم أما بطل روايتنا فهو لا يدرك سبب معاناته. 

 

مازالت كلاسيكيات الأدب الروسي تتصدر تفضيلات قراء العربية، بماذا تفسر هذه الظاهرة؟ 

 يرجع السبب الأول في كون الأدب الروسي الكلاسيكي يمثل المرحلة الأعظم في تاريخ الأدب الروسي ولذا فهو يسمى بالقرن الذهبي للأدب الروسي. 

كما أن هذه الترجمات الأكثر شيوعا لسهوله الحصول على حقوق الترجمة نظرا لمرور أكثر من 70 عاما على إصدارها أما الأدب الحديث فيمثل الحصول على حقو الترجمة العائق الأكبر أمام المترجمين وخاصة عند مطالبة دار النشر الأجنبية بمقابل مادي كبير للتنازل عن هذه الحقوق. 

وفي الفترة الأخيرة رغم ذلك هناك العديد من المبادرات لترجمة الأدب الحديث في المركز القومي للترجمة وفي سلسلة الجوائز بالهيئة المصرية العامة للكتاب وبعض دور النشر الخاصة. وسيظل هذا الأمر مرتبط بمبادرات خاصة من قبل المترجمين إلى حين وضع سياسة عامة من قبل مؤسسة حكومية لترجمة قائمة بأهم الأعمال الحديثة في مختلف الآداب.

بين الترجمة والتعريب.. كيف يلتقط المترجم هذه الفروق التي تفضل ترجمة عن أخرى؟

للأسف هذا أمر شائع الآن وهناك مصطلح يطلق على كثير من مترجمي اليوم وهو المترجم الآلي والذي يستخدم التقنيات الحديثة في الترجمة ويضيف بعض التحرير على النص فينتج نصا بلا روح. 

والحقيقة أن الترجمة تتعرض للتهديد الفعلي بسبب ظاهرة استخدام الذكاء الاصطناعي لترجمة النصوص الأدبية الأمر الذي أصبح معه بإمكان المترجم عشرات الترجمات على هذه الشاكلة ويقطع الطريق أمام ترجمتها وإنتاجها كعمل إبداعي يستمتع به القارئ وينقل ما أراد أن يقوله المؤلف. 

ولو لم نتخذ الإجراءات اللازمة نحو تحديد الفاصل بين الترجمة والتحرير فسيتم إغراق المجتمع بهذه النوعية من الترجمات .

 كيف تستعيد الترجمة دورها في مد الجسور بين الشعوب؟ 

 تستعيد الترجمة هذا الدور عندما يقوم عليها مترجمون يعرفون معنى الدور الذي يقومون به وأهميته في مد جسور التواصل بين ثقافتهم والثقافات الأخرى ورسالتهم التواصلية في المقام الأول وليس الصدامية وعندما يمارس هذه المهنة أناس يحترمون الآخر وثقافته ولونه وديانته، بحيث يدرك أنه يتوجب عليه الانفصال عن الأنا أثناء قيامه بالترجمة. وحينها سنقرأ من جديد أعمال عظيمة ونستمتع بالترجمة كما يستمتع أصحاب الثقافة بالأصل ويعود القراء للأقبال على الترجمات كما كان في السابق وتعود دور النشر لتصدر طبعات بعشرات الآلاف وليس بضع مئات كما هو الحال الآن.

ما الجديد الذي تعكف علي العمل عليه؟

 حاليا أعكف على ترجمة رواية ملحمية من أدب اسيا الوسطى وأتمنى أن تصدر قريبا خلال الربع الأول من العام المقبل. 

كما أتوقع قريبا صدور ترجمتي لكتاب مهم وهو "العلاقات بين روسيا وشبه الجزيرة العربية" وهو كتاب مهم وضخم في أكثر من 800 صفحة شاركني فيه بالترجمة كل من د.عامر محمد ود، وائل فهيم من كلية الألسن. 

أخيرًا.. ما هي نصيحتك للمترجمين الشباب؟

نصيحتي أن يتقن اللغتين العربية واللغة الأجنبية، وأن يقرأ كثيرا فالمترجم الحقيقي يجب أن يكون موسوعي الثقافي وأن يختار الكتب التي تناقش قضايا إنسانية عامة وليست محلية وهناك في الآداب العالمية الكثير من الروايات التي تمس مشكلات الإنسان في العالم دون النظر إلى موقعه الجغرافي أو تناقش قضايا فلسفية أو مشكلات نفسية فهذه النوعية من الكتب تبقى لسنوات طويلة تؤثر في القارئ وليس أدل على ذلك أن روايات دوستويفسكي التي مر عليها أكثر من مائة عام تظل الأكثر مبيعا في العالم .