رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ارتباك الرئيس الفرنسى

بعد انحيازه الواضح لإسرائيل، وإعلانه عن دعمه المطلق لما يوصف بـ«حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها، وفى القضاء على حركة حماس»، شكّك الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون فى «أهداف الحرب» الإسرائيلية، وأعلن عن موقف مختلف من العدوان على قطاع غزة، خلال مؤتمر صحفى عقده، أمس الأول السبت، على هامش مشاركته فى أعمال الدورة الثامنة والعشرين لـ«مؤتمر الدول الأطراف فى اتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ»، التى تستضيفها مدينة دبى الإماراتية.

فى المؤتمر الصحفى، سأل الرئيس الفرنسى: «ماذا يعنى القضاء على حماس بالكامل؟ هل يعتقد أحد أن هذا ممكن؟ إذا كان الأمر كذلك، فإن الحرب ستستمر عشر سنوات». وبينما كان جيش الاحتلال قد استأنف عدوانه على قطاع غزة بعد أسبوع من الهدنة، دعا ماكرون إلى «مضاعفة الجهود للتوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار» و«تزويد سكان غزة بالمساعدات التى يحتاجونها»، مؤكدًا أن «الأمن المستدام» لا يمكن ضمانه لإسرائيل، إذا «كان ذلك على حساب أرواح الفلسطينيين، ومن ثم إثارة استياء الرأى العام فى المنطقة ككل». ثم طالب السلطات الإسرائيلية بتوضيح أهدافها، محذّرًا من «حرب لا نهاية لها». فهل كانت محادثاته مع الرئيس الإسرائيلى وعددٍ من القادة العرب، على هامش مؤتمر المناخ، هى التى دفعته إلى تشديد لهجته ضد إسرائيل على هذا النحو غير المسبوق منذ ٧ أكتوبر الماضى؟

السؤال طرحته «وكالة الأنباء الفرنسية»، التى أشارت إلى أن ماكرون كان من المفترض أن يقوم بجولة أوسع نطاقًا فى الشرق الأوسط، لكن قصر الإليزيه رأى أن حضور عدد كبير من القادة المعنيين بالنزاع بين إسرائيل وحماس، إلى دبى، سيجعل من المؤتمر، لقاءً مناخيًا ودبلوماسيًا فى آن واحد. وذكرت الوكالة أن دبلوماسيين فرنسيين لا يخفون قلقهم إزاء موقف بلادهم من العمليات العسكرية الإسرائيلية، التى تستهدف أيضًا مناطق جنوب قطاع غزة، خلافًا لتعهّد تل أبيب بأن تكون هذه المناطق «آمنة» للمدنيين.

للوكالة نفسها، قالت أنييس لوفالوا، الباحثة بـ«معهد الأبحاث والدراسات بشأن البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط»، إن «فرنسا، وماكرون، غير قادرَين على إيجاد مكانتهما فعليًا فى هذه الأزمة»، وأشارت إلى أن «الرئيس فقد بعضًا من مصداقيته عندما أطلق نهاية أكتوبر من القدس، فكرة ضمّ دول عربية إلى تحالف دولى لمحاربة حماس، دون أن يمهد الطريق لتلك الفكرة». ورجّحت «لوفالوا» أن تكون علاقة ماكرون برئيس الوزراء الإسرائيلى بنامين نتنياهو قد توترت بعد دعوته إلى التوقف عن قصف المدنيين، ورأت أن البحث عن التوازن «بناءً على ردود الفعل» يربك استراتيجية ماكرون.

منذ بداية الأزمة، أجرى الرئيس ماكرون مكالمات تليفونية عديدة مع الرئيس عبدالفتاح السيسى، قبل وبعد زيارته القاهرة، فى ٢٥ أكتوبر الماضى، وكان أحد القادة، الذين التقاهم الرئيس السيسى، فى دبى، يوم الجمعة الماضى، على هامش مؤتمر المناخ. وخلال اللقاء، تبادل الرئيسان وجهات النظر بشأن سبل تعزيز العلاقات الثنائية المتميزة بين البلدين الصديقين، فى ضوء الطابع الاستراتيجى لهذه العلاقات فى مختلف المجالات. ولدى تناول تطورات الأوضاع فى قطاع غزة، استعرض الرئيس السيسى رؤية مصر بشأن ضرورة وقف إطلاق النار والتوسع فى إدخال المساعدات الإنسانية للقطاع، واتفق الرئيسان على أهمية إيجاد حلول عاجلة للأزمة الجارية، وأكدا أهمية البدء فى عملية سياسية شاملة؛ بهدف الوصول إلى تسوية عادلة للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين وفقًا للمرجعيات الدولية ذات الصلة.

.. وتبقى الإشارة إلى أن جريدة «لوفيجارو» الفرنسية، كانت قد كشفت، فى ١٤ نوفمبر الماضى، عن قيام عدد من السفراء الفرنسيين فى منطقة الشرق الأوسط، والمغرب العربى، بتوجيه رسالة إلى وزارة الخارجية، لترفعها بدورها إلى قصر الإليزيه، ينتقدون فيها انحياز الرئيس ماكرون لإسرائيل وانقلابه على موقف فرنسا المتسم، تاريخيًا، بالتوازن تجاه الإسرائيليين والفلسطينيين. وعليه، يمكنك إضافة هذه الرسالة، التى وصفتها الجريدة بأنها «تُعد بمثابة تمرد دبلوماسى»، إلى الأسباب العديدة، التى جعلت مواقف ماكرون من الأزمة متأرجحة، أو متذبذبة، أو مرتبكة.