رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد صالح البحر: حرب المقاومة الفلسطينية في غزة ستؤثر على الأدب العربي

محمد صالح البحر
محمد صالح البحر

قال الكاتب الروائي محمد صالح البحر في تصريحات خاصة لـ “ الدستور” حول أثر حرب غزة في الأدب العربي، إنه إذا كانت السلطة تكتب التاريخ الرسمي، فإن الشعوب ــ بحكاياتها الشعبية، والأساطير التي تنسجها حول شخصياتها المحبوبة، وأحداثها المجيدة ـ تنسج تاريخا سريا موازيا، ربما لا تتناقله الكتب، ولا تدرسه الجامعات والمدارس، لكنه يظل يتسرب بين الأجيال كجذور تمتد في الأرض، وفيما يتغير سطح الأرض في مرور الزمن، تظل الجذور تتوغل وتكبر حتى تصير حقيقة لا يمكن انتزاعها، وركنا قويا وقادرا على تشكيل السطح بما يشبه وجودها الحقيقي في جوفه.

الحكايات الشعبية تمثل رافدا قويا ونبعا لا ينضب للأدب

وتابع محمد صالح البحر، إذا كانت هذه الحقيقة تمثل واقع التاريخ السري للشعوب والمجتمعات على الأرض من خلال حكاياتها الشعبية، فإن الحقيقة الموازية تشير إلى أن التاريخ السري يمثل رافدا قويا ونبعا لا ينضب، لأدب هذه الشعوب، وفنونها بشكل عام، وهي حقيقة تؤكدها آداب كل الشعوب على مدار تاريخ الأدب العالمي، وهي حقيقة منطقية تماما لما تمثله الحكايات الشعبية، والأساطير، والفانتازيا، من روافد خصبة للدراما، العمود الفقري للأدب، وقادرة على إكسابها العمق الفني والفكري اللازمين للبقاء والخلود والتأثير، بأكثر مما يهبها استلهام الحقائق التاريخية المعتمدة، التي تخنقها في نفق الواقعية الضيق، أو تعيد صياغتها بشكل جاف فيما يُسمى بالرواية التاريخية.

وأوضح الكاتب الروائي، أنه من هذه الرؤية المتسعة لقيمة الأدب، وقدرته على الوجود الحي في حياة الناس، وقدرته على التأثير فيها وتشكيلها من بعد، يمكننا التأكيد على الأثر الدامغ الذي ستُحدثه حرب "طوفان الأقصى" للمقاومة الفلسطينية في غزة على الأدب العربي خلال الفترة القادمة، فقد امتلك من السمات ـ إلى جوار كونها تاريخا رسميا وواقعيا جديدا، أعاد ترتيب الأوراق السياسية وموازين القوى للمنطقة العربية والعالمية ـ ما يؤهلها لأن تكون تاريخا سريا زاخرا للشعب الفلسطيني والعربي، خصوصا في صراعه المرير، الممتلئ بالهزائم والقهر، مع الكيان الصهيوني المحتل.

هذه الحرب لأول مرة منذ خمسة وسبعين عاما امتلكت زمام المبادرة

ولفت محمد صالح البحر، إلى أن هذه الحرب لأول مرة منذ خمسة وسبعين عاما، امتلكت زمام المبادرة، واستطاعت مباغتة الكيان الصهيوني في عقر داره، كما أنها تُعد أول تشكيل عسكري ـ حقيقي ومتكامل ـ للمقاومة الفلسطينية، يزحزحها من خانة الأعمال الفدائية لحركات المقاومة، ليضعها في مكانة الجيوش التي تعتمد التدريب والتخطيط وتوزيع المهام عالي الكفاءة، وأيضا شهدتْ ملحمة خاصة من ملاحم التوحد الشديد بين الشعب والقوة العسكرية، التي تمثله وتدافع عنه، وهما ثلاث سمات تستطيع الحكاية الشعبية أن تنسج حولهم وفيهم الكثير من البطولات والعِبر للأجيال المقبلة.

 أما قصص الأساطير في هذه الحرب فقد تمثلت أولا في صورة الهجوم الذي اتخذته شكلا لبدء الحرب، والذي بقدر ما امتلك من أسلحة بدائية ويدوية الصنع، بقدر ما امتلك من قدرة الابتكار، وعبقرية التنفيذ،  وتتمثل ثانيا في شبكة الأنفاق التي اتخذها جيش المقاومة ساحة للحرب، ساحة جديدة ومبتكرة وغير متوقعة، وغير قابلة للاختراق، حتى أننا نستطيع القول الآن بوجود مصطلح "تحت أرض المعركة" إلى جانب مصطلح "أرض المعركة"، أما ثالث الأساطير فقد تمثل في القصص الإنسانية العذبة، وغير المتوقعة أيضا، التي تكونت بين الأسرى الإسرائيليين وجنود المقاومة، والتي أعتقد أنها ستشكل قوة تأثير للحق الفلسطيني لدى الشعب الإسرائيلي، بأكثر مما ستشكله الحرب نفسها.

وشدد محمد صالح البحر على  ثلاث حكايات شعبية وثلاث أساطير كبرى، سيتم نسج الكثير من القصص حولهم، بما يؤهلهم لأن يكونوا نبعا ثريا للأدب العربي في الفترة القادمة، وإذا كان الشعر بطبيعته المواكبة للأحداث هو أكثر الآداب، وأسرعها، في التأثر والتناول، فإن الرواية والقصة ستحتاج إلى وقت للفهم والاستيعاب الشاملين، مع اتضاح الرؤية بكامل تفاصيلها، وربما ستحتاج إلى وقت آخر للبحث عن شكل مغاير ومبتكر، يتناسب مع جلال الحدث، وتحولاته الكبرى.