رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المحصنون ضد الوحدة العربية


تذكر العديد من الدراسات والأبحاث معلومة تؤكد على دور المملكة المتحدة فى دعم تأسيس جامعة الدول العربية. والأحداث التاريخية تؤكد أن بريطانيا قد غيرت سياساتها فى الشرق الأوسط  خلال الحرب العالمية الثانية من (فرق تسد) إلى دعم قيام الوحدة العربية لمواجهة ألمانيا، وهو ما انتهى بظهور جامعة الدول العربية سنة 1945. وتصريحات أنتونى إيدن، وزير خارجية بريطانيا حينذاك دعمت قيام جامعة الدول العربية، ففى 29 مايو 1941 ألقى خطابًا قال فيه (يرجو كثير من مفكرى العرب للشعوب العربية درجة من درجات الوحدة أكبر مما تتمتع به الآن. وإن العرب يتطلعون لنيل تأييدنا فى مساعيهم نحو هذا الهدف ولا ينبغى أن نغفل الرد على هذا الطلب من جانب أصدقائنا)، ثم قال في 24 فبراير 1943 أمام مجلس العموم البريطانى أن (الحكومة البريطانية تنظر بعين العطف إلى كل حركة بين العرب ترمى إلى تحقيق وحدتهم الاقتصادية والثقافية والسياسية).
 
وربما تكون لهذه النشأة دلالات بعد ذلك فى سياسات الجامعة منذ نشأتها وإلى الآن، والتى تحولت لمجرد قرارات غير إلزامية على الجامعة نفسها قبل حكومات الدول العربية. وكان من الطبيعى، أن توجه آمال عبد الحميد، عضو مجلس النواب، سؤالها البرلمانى إلى السفير سامح شكرى وزير الخارجية، والذى قالت فيه (يعيش العالم العربى فترة من أصعب وأسوأ فترات تاريخه، ولا أدرى ماذا سيحكى التاريخ عن هذه الفترة، وسط كل هذه الشواهد والأحداث أبحث عن مؤسسة عريقة تسمى جامعة الدول العربية، أبحث عن القمم العربية ومواقفها التاريخية فى الأحداث الكبرى، أبحث عن الجامعة العربية ودورها الغائب تماما أمام سلسلة من الكوارث تحيط بنا من كل جانب). وتابعت: (غياب جامعة الدول العربية عن قضايا وأزمات الشعوب العربية من أخطر الجوانب السلبية فيما جرى من الأحداث، اختفى دورها تمامًا عما حدث فى ليبيا واليمن وسوريا والعراق ولبنان ومؤخرًا السودان، وحتى فى كارثة فلسطين كان دور سكرتير عام الأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، وكلمته أمام مجلس الأمن التى هاجم فيها إسرائيل ووجه لها عاصفة من الانتقادات، بمثابة لطمة فى وجه الجامعة العربية.. لا أحد يعرف موقف جامعة الدول العربية فى كل ما حدث فى الفترة الأخيرة، خاصة أن هناك شعبًا تسلب حقوقه وأرضه أمام صمت مهين من الجامعة العربية).
 
وقبلها قرأت تويتة كتبها وليد جنبلاط، السياسى الدرزى اللبنانى قبل نجاح الجهود المصرية في ادخال المساعدات والاتفاق على الهدنة وصفقة تبادل الأسرى، قال فيها (بعد انعقاد مؤتمر الدول العربية والاسلامية، والذى لم ينجح حتى فى فتح معبر رفح وفى انتظار تدمير ما تبقى من مستشفيات فى غزة وقتل من فيها، وبعد رفض استخدام سلاح النفط كما جرى فى 1973، وبعد عجز سحب السفراء من إسرائيل، أقترح وقف الدعوة لمؤتمرات القمة وحل الجامعة العربية).
 
توقفت الجامعة العربية عند "مبادرة السلام العربية" 2002، وفقدت الجامعة بعد ذلك بوصلة الطريق، فنصوص المبادرة انتهت على أرض الواقع بعد كل تلك السنوات من فشل المفاوضات وانقسام الداخل الفلسطينى، ولم تسطع الجامعة تحقيق أى خطوة إيجابية فى العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية أو العربية الإسرائيلية.  
 
رغم ما تعانيه الأمم المتحدة من كونها أسيرة توجهات القوى الدولية الكبرى، وما يفرضه نظام مجلس الأمن من عرقلة تمرير بعض القرارات الدولية، فأن الأمم المتحدة فى النهاية عضو فى اللجنة الرباعية التى تضم كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى وروسيا. وهو ما جعلها تقوم بالكثير من المواقف الإيجابية الداعمة للموقف الفلسطينى وتجريم المستوطنات الإسرائيلية وشرعنتها. ولأمينها العام أنطونيو غوتيريش تصريحات مهمة للتأكيد على الحق الفلسطينى وتعهده بمساعدة إسرائيل والفلسطينيين فى التوصل إلى سلام قائم بناء على قرارات المنظمة الدولية والقانون الدولى والاتفاقيات الثنائية ورؤية الدولتين بناء على حدود ما قبل عام 1967. فاين جامعة الدول العربية من الأمم المتحدة؟!
 
نقطة ومن أول الصبر..
آن الأوان، أن تعيد الدول العربية النظر فى حال الجامعة العربية بعيدًا عن الحسابات الضيقة فى السيطرة عليها بالتمويل أو بالمحصنين الذين اعتبروا وظائفهم ملكية شخصية.