رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قاضٍ مصري: القضاء الإسرائيلي يمنح حصانة لجيش الاحتلال بقتل وإصابة الفلسطينيين في غزة

جيش الاحتلال
جيش الاحتلال

يتساءل العالم وشعوبه وقاداته عن الأسباب التى أدت إلى العنف الدموى فى الجرائم المرتكبة على أرض غزة، والنزاع المسلح الشرس منذ أكتوبر 2023 الدائر بين قوات  الاحتلال الإسرائيلى وحركة حماس بقطاع غزة وراح ضحيتها ما تجاوز أحد عشر ألفًا من المدنيين خاصة الأطفال تجاوز 4630 طفلا ً والنساء تجاوز 3130 إمرأة والشيوخ، والمصابين أكثر من 29000 مصاب، وهو نزاع مسلح لم يقم بين عشية وضحاها بل كان بسبب ماض ٍ طويل من الممارسات الإسرائيلية الخارقة للقانون الدولى وللحقوق الإنسانية لسكان غزة. 

وفى إحدى الدراسات القانونية النادرة للقاضى الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة، تفك طلاسم الأسباب السابقة على مدار عدة عقود زمنية أدت إلى النزاع المسلح الآن وما خلفه من جرائم الإبادة الجماعية بجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، وتكشف عن مدى المعاناة التى عاشها سكان قطاع غزة خلالها على أيدى قوات الاحتلال من أفعال غير إنسانية أدت إلى ما نحن فيه، وتبين للعالم مدى القهر والظلم الواقع على سكان غزة حتى من القضاء الإسرائيلى ذاته الذى احتكم الفلسطينيون إليه من تصرفات الاحتلال البغيض، أجرى  القاضى الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي المعروف بدراساته الوطنية والقومية دراسة بعنوان " أحكام القضاء الإسرائيلى الغائبة عن العالم بشرعنة جرائم الإحتلال غير الإنسانية ضد الفلسطينيين بقطاع غزة بالمخالفة للحقوق الإنسانية للبشرية. " وهو عمل شاق قام به من أجل الوصول لأصل الأحكام باللغة العبرية.

ونعرض للموضوع الثانى من دراسة القاضى المصرى عن حكم المحكمة العليا الإسرائيلية بمنح حصانة لجيش الاحتلال لقتل وإصابة الفلسطينيين في غزة دون مساءلة أو تعويضات ووضعه فى الميزان الدولى وعرض قصة الطفل الفلسطينى أصابه الإحتلال بشلل رباعى فى عيد ميلاده وعلمهم معنى الإنسانية، ويتزامن عرض الموضوع مع اليوم العالمى للطفل 20 نوفمبر.

أولًا: الطفل الفسطينى "جيش الإحتلال قصفونى وأنا احتفل بعيد ميلادى وأصابونى بشلل رباعي بلا رحمة"

يقول الدكتور محمد خفاجي، ترجع وقائع قضية الطفل عطية فتحي النباهين في 16 نوفمبر 2014، أي بعد ما يقرب من ثلاثة أشهر من الحرب السابقة على غزة عام 2014، وأثناء سير الأعمال العدائية  أطلقت القوات الإسرائيلية النار على الصبى عطية فتحي النباهين، البالغ من العمر 15 عامًا آنذاك، وهو في ممتلكات عائلته القريبة من مخيم البريج للاجئين في قطاع غزة، على بعد 500 مترًا من السياج الفاصل بين إسرائيل وقطاع غزة، حيث اختارت قوات الإحتلال توقيت إطلاق النار على الطفل في عيد ميلاده الخامس عشر، ونتيجة إطلاق النار، أصيب الطفل بشلل رباعي، بلا رحمة أو شفقة لحقوق الطفل المنصوص عليها فى الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل التى حددت سن الطفولة بمن لم يبلغ الثامنة عشر من عمره، وسيبقى الطفل بقية حياته على كرسي متحرك، ويرى من أصابه يرتع ويلعب فى وطنه.

ثانيًا: الطفل الفسطينى قرر اللجوء للقضاء الإسرائيلى ضد قادة إسرائيل ليعلمهم درسًا فى الإنسانية

ويذكر الدكتور خفاجي، أن الطفل الفلسطينى عطية فتحي النباهين قرر اللجوء للقضاء الإسرائيلى ضد قادة إسرائيل ووزارة الدفاع الإسرائيلية عن طريق والده ومركز عدالة ومركز الميزان طالبًا الانتصاف الفعال هو حق أساسي من حقوق الإنسان المنصوص عليه في القانون الدولي القانون ومشتق من حق الفرد في الحياة والسلامة الجسدية والكرامة والتعويض عن الأضرار التي لحقت به جراء إطلاق النار غير المبرر عليه.

ويضيف لجأ الطفل الفلسطينى أمام المحكمة المركزية في بئر السبع، وكان رد الحكومة الإسرائيلية على الطفل أنه يعيش فى قطاع غزة وهى "منطقة معادية" فقال الطفل للمحكمة كنت احتفل بعيد ميلادى وأصابونى بشلل رباعى ثم علمت أن إسرائيل حصنت نفسها من المساءلة تجاه المدنيين وأن تعديل الكنيست الإسرائيلى عام 2012 لقانون الأخطاء المدنية الإسرائيلي بحرمان سكان غزة من التعويض عن الأعمال الحربية غير دستوري ومخالف للقانون الدولي القانون، لأنه يحرم جميع الفلسطينيين المقيمين في غزة بمن فيهم الأطفال من الانتصاف الفعال لمجرد أنهم يعيشون  في غزة، وهذا المنطق ضد الإنسانية.

ثالثًا: محكمة أول درجة بإسرائيل ترفض قضية الطفل الفلسطينى وتقرر لا تمييز بين المدنيين والمقاتلين فى غزة ! 

ويذكر الدكتور خفاجى ظلت القضية تتداول وبجلسة  4 نوفمبر 2018 حكمت محكمة المركزية في بئر السبع  برفض الدعوى التى رفعها مركز عدالة – المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل - ومركز الميزان لحقوق الإنسان نيابة عن عائلة االطفل ضد الجيش الإسرائيلي بسبب إطلاق النار على الطفل وإصابته  بالشلل الرباعى، وجاء حكم المحكمة الإسرائيلية أول درجة برفض دعوى الطفل بحجة أنه في ظل حالة الحرب بين إسرائيل وحماس، لا يمكن أن يكون هناك أي تمييز بين المدنيين والمقاتلين، ولا تستطيع الدولة التمييز بينهما فى الدعاوى القضائية المقدمة من هاتين "الفئتين" من سكان غزة.  وقد أيدت المحكمة دستورية المادة 5/ب-1 من التعديل رقم 8 لسنة 2012.

رابعًا: الطفل الفلسطينى لم ييأس وطعن على الحكم أمام المحكمة العليا الإسرائيلية وقال للمحكمة "إسرائيل انتهكت القانون الدولى واتفاقية حقوق الطفل وقصفونى فى عيد ميلادى وأصابونى بشلل رباعى"  والمحكمة ترفض دعواه 

يضيف الدكتور محمد خفاجى، أن الطفل الفلسطينى لم ييأس وطعن على حكم أول درجة أمام المحكمة العليا الإسرائيلية بركيزة من أن الحكم المطعون فيه ينتهك القانون الدولي وخرق اتفاقية حقوق الطفل، الذى يتطلب أن يكون للمدنيين المحميين الحق في الحصول على الحماية الفعالة فى التعويضات القانونية نتيجة الأعمال الحربية، ورفضت المحكمة العليا الإسرائيلية طعن الطفل الفلسطينى على اعتبار أن القانون يخدم غرضين "مشروعين" من وجهة نظرها: الأول منع "المساعدة الاقتصادية أو المعنوية للعدو"؛ والثانى انه تم تعديل القوانين التي تحكم هذا الأمر عن الأضرار الناجمة عن الظروف الاستثنائية السائدة في زمن الحرب.

ويشير فى فبراير 2023، رفض رئيس المحكمة العليا طلبًا لجلسة استماع إضافية، وقدم مركز العدالة والميزان طلبًا لإعادة النظر في القضية وحكمت المحكمة العليا الإسرائيلية بجلسة 5 يوليو 2023 فى الاستئناف المدني رقم 993/19 المرفوع من الطفل  عطية فتحي النباهين ضد وزارة الدفاع الإسرائيلية برفض قضيته ورفض طلب تعويضه عما فعله جيش الإحتلال من إطلاق النار عليه فى عيد ميلاده الخامس عشر أصابته بالشلل الرباعى.

خامسًا: المحكمة العليا الإسرائيلية فى 2022 تمنح حصانة لجيش الإحتلال الإسرائيلى لقتل الفلسطينيين بقطاع غزة وتعفى إسرائيل من المسئولية المدنية وترفض تعويض ضحايا اعتداءاتها العسكرية

يذكر أن المحكمة العليا الإسرائيلية أصدرت حكما فى يوليو 2022 يمنح حصانة لجيش الاحتلال الإسرائيلى عن قتل وإصابة الفلسطينيين في قطاع غزة ويعفيه من المسئولية المدنية تهربًا من مسئولية إسرائيل ورفضت تعويض ضحايا اعتداءاتها العسكرية، وفرضت العديد منها المعوقات والعقبات الإجرائية والمالية والقضائية التي تحول دون قيام الفلسطينيين برفع الدعاوى القضائية والحصول على سبل الانتصاف المدنية في المحاكم المحلية الإسرائيلية، وقالت المحكمة عبارة خطيرة تكشف عن أن القضاء الإسرائيلى يمنح الشرعنة لجرائم جيش الإحتلال وإهدار أحكام القانون الدولى بقولها " أن معايير القانون الدولي لا يمكن أن تؤدي إلى إلغاء تشريعات الكنيست ومن ثم فإن حقوق الطفل بموجب القانون الدولي ليست على صلة بأغراض المراجعة الدستورية"

سادسًا:الكنيست الإسرائيلى أصدر تعديلًا  عام 2012 على قانون الأخطاء المدنية الإسرائيلي، بحرمان الفلسطينيين سكان غزة من التعويض عن أي إجراء إسرائيلي في قطاع غزة المحتل، سواء "عملًا حربيًا" أم لا 

ويذكر الدكتور خفاجى كان الكنيست الإسرائيلى  وهو مجلس تشريعي وطني بغرفة واحدة لإسرائيل – قد أجرى تعديلًا  بالقانون رقم 8 لعام 2012 على قانون الأخطاء المدنية الإسرائيلي، والذي ويمنع فعليًا الفلسطينيين من طلب التعويض في المحاكم المدنية الإسرائيلية عن أي أضرار تكون ناجمة عن أي إجراء إسرائيلي في قطاع غزة المحتل، دون اعتبار لما إذا كانت تلك الأعمال "عملًا حربيًا" من عدمه، ودون نظر إلى أن الأعمال قانونية أو غير قانونية بشكل واضح قد تسببت فى إيذاء المدنيين عمدًا، حيث يفرض تعديل عام 2012 بإسرائيل حظرًا تامًا على الدعاوى المدنية المرفوعة ضدهم إسرائيل من قبل سكان قطاع غزة.

سابعًا: المحكمة العليا الإسرائيلية صنفت قطاع غزة على أنه "منطقة معادية" لإسرائيل ولا تعويض للفلسطينيين عن أى عمل حربي أو غير حربى 

واستندت المحكمة العليا الإسرائيلية إلى تعديل الكنيست الإسرائيلى عام 2012 بحرمان التعويض للمقيمين في "أراضى دولة معادية " عن أية أضرار، سواء كانت ناجمة عن "عمل حربي" أم لا، واستنادًا إلى قرار الحكومة الإسرائيلية الصادر في 7 أكتوبر 2014 بتصنيف قطاع غزة على أنه "منطقة معادية" لأغراض المسئولية المدنية، وهو القانون الذى  ينطبق على جميع الفلسطينيين المقيمين في غزة الذين أُصيبوا أو قُتلوا برصاص الجيش الإسرائيلي خلال الحرب السابقة على القطاع عام 2014، بما يسمى "عملية الجرف الصامد"، التي قتل خلالها الجيش الإسرائيلي 2219 فلسطينيا ودمر8381   منزلًا سكنيًا. وحرمت سكان غزة من التماس سبل الانتصاف المدنية في المحاكم الإسرائيلية. 

ثامنًا: حكم المحكمة العليا الإسرائيلية صدر دون تحقيق فردي لصالح الطفل الفلسطينى وهو ما يمثل إنكارًا لحق الإنسان فى الكرامة 

يقول الدكتور محمد خفاجى الرأى عندى أن حكم المحكمة العليا الإسرائيلية صدر دون تحقيق فردي وهو جزء من القانون الأساسي لكرامة الإنسان وحريته، وهو ما يمثل إنكارًا لحق الإنسان فى الكرامة ، تتهرب به إسرائيل من مسئولياتها كدولة في التحقيق وتمنع الدولة نفسها من تحمل المسئولية عن الانتهاكات التي يرتكبها جيش الإحتلال على أرض غزة العربية، سواء المتخذة أثناء العمليات العسكرية أوغير العسكرية، ويتركونهم ضحايا لهم  دون أي سبيل للحصول على ثمة تعويض أو ولوج أية سبل انتصاف أخرى من إسرائيل.

ويضيف أن التعديل رقم 8 لسنة 2012 لقانون الأخطاء المدنية الإسرائيلي بتحصين الجيش الإسرائيلى من تعويض الضحايا المدنيين يترك الفلسطينيين في قطاع غزة ضحايا جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها قادة إسرائيل، ويجب أن تكون محلًا للتحقيق من قبل لجنة التحقيق الدولية بالمحكمة الجنائية الدولية.

تاسعًا: تعديل 2012 لقانون الأخطاء المدنية الإسرائيلي بتحصين الجيش الإسرائيلى لجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية من تعويض الضحايا في قطاع غزة يشكل جزءًا من نظام الإفلات من العقاب الذي تمنحه إسرائيل لنفسها وقادتها مُجّرم دوليًا   

ويذكر  الرأى عندى أيضًا أن التعديل رقم 8 لسنة 2012 لقانون الأخطاء المدنية الإسرائيلي بتحصين الجيش الإسرائيلى من تعويض الضحايا المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة ضحايا جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية مثل هذا القانون يشكل جزءًا من نظام الإفلات من العقاب الشامل الذي تمنحه إسرائيل لنفسها وقادتها وكافة السلطات بما في ذلك جيش الإحتلال  وشرطته  فى معاملتهم الفلسطينيين فى المناطق الخاضعة لولايتها وسيطرتها،وهو الأمر المُجّرم دوليًا، ويثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن المحكمة العليا الإسرائيلية ترسخ لنظام الإفلات من العقاب.

ويختتم الدكتور محمد خفاجى فكم من ظلم وقهر وطغيان عايشه الفلسطينيون من سكان قطاع غزة منذ سنوات طوال من قوات الإحتلال الإسرائيلى وسائر سلطات إسرائيل حتى القضاء منهم، ولا يعلم العالم أجمع شيئًا مفصلًا عن أحكام القضاء الإسرائيلى التى شرعنت جرائم الإحتلال وخرقت الالتزامات والواجبات الدولية واغتصبت أرض فلسطين وثرواتها وجعلت من إسرائيل نفسها كيانًا متجبرًا ساميًا مستعليًا مستكبرا فوق البشر والدول،إن سكان غزة تعرضوا لطغمة فاجرة على مدار سنوات مضت ظلت دفينة فى النفوس هديرًا مدويًا لا يتحمله بشر حتى تاريخ 7 أكتوبر 2023.