رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عندما تحرص الزعامة على سلامة شعبها

ولد محمد أنور السادات فى الخامس والعشرين من ديسمبر عام 1918، لأب مصرى وأم من ذوى أصول سودانية، فى قرية «ميت أبو الكوم»، بمحافظة المنوفية فجمع بين لؤم الفلاحين وشجاعة أهل الصعيد 
وبدأ حياته فى كتَّاب القرية ومكث به ست سنوات استطاع خلالها أن يحفظ القرآن كله بأجزائه الثلاثين، ومن الكتّاب انتقل إلى مدرسة الأقباط الابتدائية بقرية طوخ دلكا المجاورة لقريته، حيث لم يكن بقريته آنذاك أى مدارس للتعليم الابتدائى وحصل منها على الشهادة الابتدائية.
ثم انتقل إلى القاهرة والتحق السادات بالعديد من مدارس القاهرة؛ مدرسة الجمعية الخيرية الإسلامية بالزيتون، ثم مدرسة السلطان حسين بمصر الجديدة، فمدرسة فؤاد الأول الثانوية، ثم مدرسة رقيّ المعارف بشبرا، وحصل من الأخيرة على الثانوية العامة.
فى عام 1936، أبرم مصطفى النحاس باشا، رئيس وزراء مصر معاهدة 1936 مع بريطانيا، والتى سمحت باتساع الجيش المصرى تأهبًا للحرب العالمية الثانية مما أتاح لأبناء الطبقة المتوسطة فرصة الالتحاق بالكلية الحربية وأن يصبحوا ضباطًا فى صفوف الجيش فدخل على إثرها أنور السادات، وجمال عبدالناصر ومجموعة كبيرة من رموز ثورة يوليو إلى الكلية الحربية.
وفور تخرجه فى الكلية الحربية، ألحق بسلاح المشاة بالإسكندرية، وفى العام نفسه نقل إلى «منقباد» بصعيد مصر ضمن مجموعة من زملائه الضباط الشبان، وهناك التقى لأول مرة بالرئيس جمال عبد الناصر.
وقام السادات وعشرة آخرون من الضباط بتأسيس جمعية سرية «ثورية» هدفها الأساسى هو تحرير الدولة، وهكذا بدأت النواة الأولى لتنظيم الضباط الأحرار بمجموعة من الضباط فى معسكر تباب شريف بمنطقة «منقباد» بالصعيد جمعت بينهم زمالة العمل والسخط على الإنجليز.
انتقل السادات فى الأول من أكتوبر عام 1939 لسلاح الإشارة، وبسبب اتصالاته بالألمان قُبض عليه وصدر النطق الملكى السامى بالاستغناء عن خدمات اليوزباشى محمد أنور السادات، غير أن السادات لم يتم فصله من الجيش فقط بل قرر الإنجليز اعتقاله وهو فى الواحدة والعشرين من عمره وتم نقله بالفعل إلى سجن الأجانب وتنقل السادات ما بين سجن الأجانب بالقاهرة إلى معتقل ماقوسة بمدينة المنيا فى الصعيد ثم إلى معتقل الزيتون بالقاهرة.
هرب الرئيس محمد أنور السادات من المعتقل عام 1944 وظل مختبئًا، حيث سقطت الأحكام العرفية، وبذلك انتهى اعتقاله حسب القانون، وأثناء فترة هروبه عمل السادات تبّاعًا على عربه لورى، كما عمل تبّاعًا ينقل الأحجار من المراكب النيلية لاستخدامها فى الرصف، وفى عام 1945 انتقل إلى بلدة أبوكبير فى الشرقية حيث اشترك فى شق ترعة الصاوي.
فى عام 1946 اغتيل أمين عثمان باشا، وزير المالية أيام حكومة مصطفى، واتهم فى القضية عشرون شابًّا من ضمنهم محمد أنور السادات، وكان المتهم رقم 7 فى قائمة اتهام النيابة التى وجهت إليه تهمة الاشتراك فى مقتل أمين عثمان، وبعد قضاء 31 شهرًا بالسجن حكم عليه بالبراءة.
وواجه السادات الحياة بلا مورد مالى وضاقت به الدنيا، حتى استطاع فى أواخر العام 1948 أن يحصل بمعاونة الكاتب المعروف إحسان عبدالقدوس على عمل كمحرر صحفى بمجلة المصور بـ«دار الهلال» التى وافقت على نشر مذكراته أيام السجن، حيث أخذ فى كتابة سلسلة مقالات دورية بعنوان 30 شهرًا فى السجن.
بعد خروج السادات من السجن تزوج من السيدة جيهان رءوف صفوت، وكان قد انفصل عن زوجته الأولى فى مارس 1949، كما مارس بعض الأعمال الحرة.
ثم حدثت المفاجأة الكبرى التى غيرت مسار تاريخ أنور السادات حين استطاع عن طريق صديق قديم له يدعى يوسف رشاد وهو ضابط طبيب أصبح من الأطباء الخاصين بالملك فاروق أن يعود للجيش فى الخامس عشر من يناير 1950 بنفس الرتبة التى خرج بها وهى رتبة يوزباشي، على الرغم من أن زملاءه فى الرتبة كانوا قد سبقوه برتبة الصاغ والبكباشي، وقد رقى إلى رتبه الصاغ 1950 ثم إلى رتبة البكباشى عام 1951، وفى العام نفسه اختاره عبد الناصر عضوًا بالهيئة التأسيسية لحركه الضباط الأحرار.
شارك السادات فى ثورة يوليو، وألقى بيانها، ففى الساعة السابعة والنصف صباح يوم 23 يوليو 1952، كان العالم كله يسمع صوت البكباشى محمد أنور السادات من دار الإذاعة المصرية بالقاهرة، حينما كان يعلن عن بيان الثورة الأول، كما حمل مع اللواء محمد نجيب إلى الإسكندرية، الإنذار الذى وجهه الجيش إلى الملك للتنازل عن العرش.
خلال الفترة ما قبل تولى رئاسة الجمهورية، تولى أنور السادات العديد من المناصب؛ منها عضوية محكمة الثورة 1954، وفى أواخر ذاك العام تولى منصب سكرتير عام المؤتمر الإسلامى، وفى عام 1955 شارك فى تأسيس جريدة الجمهورية، وتولى رئاسة تحريرها.
كما تولى منصب أول أمين عام للاتحاد القومى تلك المنظمة التى سبقت تشكيل الاتحاد الاشتراكى العربى 1957، ورئاسة مجلس الأمة لمدة ثمانى سنوات، كما أنيط به الملف السياسى لحرب اليمن وعين نائبًا لرئيس الجمهورية 1969، وظل فى هذا المنصب حتى وفاة الرئيس جمال عبدالناصر.
تولى السادات حكم مصر يوم التاسع والعشرين من سبتمبر 1970، وجرى انتخابه من قبل الشعب باستفتاء فى الخامس عشر من أكتوبر عام 1970، وتسلَّم الحكم فى السابع عشر من أكتوبر 1970.
وبمجرد توليه الحكم، اتخذ السادات عدة قرارات للتخفيف عن المواطنين؛ فخفض ثمن بعض السلع، ذات الاستهلاك المرتفع، ثم توجه بعد ذلك بالاهتمام بوسائل النقل والمواصلات، وبعد شهرين من توليه الحكم أصدر قرارًا بتصفية الحراسات واستقبل القرار بحماس شديد، كما اتخذ خطوة نالت إعجابًا واستحسانًا من المثقفين وهى رفع الرقابة عن الكتب الواردة من الخارج، وامتدت خطوات السادات على الصعيد الثقافى لتشمل إطلاق سراح المثقفين من ذوى الميول اليسارية.

كانت هذه مقدمة واجبة لمن لا يعرف تاريخ هذا الرجل الملىء بالمعاناة والإصرار على النجاح.. فمن متهم فى قضية قتل ال سجين إلى مفصول من الجيش إلى تباع فوق سيارات النقل الى صحفى إلى عضو فى الضباط الأحرار ليصل فى النهاية إلى رئيس الجمهورية.
لم تنته قصته بعد.. فهو رئيس لبلد محتل وعليه تحريره.. ووزير الحربية يحذره من خطورة الحرب فما كان منه إلا إقالة وزير الحربية واستدعاء اللواء أحمد إسماعيل على وتعيينه وزيرًا ثم يتخذ أصعب قرار فى تاريخ مصر وهو قرار الحرب الشجاع.
بعد عبور قواتنا المسلحة خط بارليف (أقوى حاجز مائى فى التاريخ) واستعادة عشرة كيلومترات بطول القناة للسيادة المصرية أدرك بحنكته إن أمريكا لن تسكت على ذلك فأعلن بمنتهى الشجاعة والحرص على دماء أبناء شعبه أنه لايقدر على محاربة أمريكا.. وبالفعل توقف إطلاق النار ثم بدأت محادثات الكيلو ١٠١ التى انتهت بتحرير كل شبر محتل من أرض مصر.
ثم جاء القرار الأشجع وهو قرار الذهاب إلى الكنيست الإسرائيلى وإلى اتفاقية كامب ديفيد للسلام ليحصل بعدها على جائزة نوبل للسلام.
رحم الله رجلًا حرص على دماء شعبه وأدرك حجم قواته وعدم قدرته على محاربة من هو أقوى منه.. وبالدهاء والذكاء حرر كل شبر من أرضه.