رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف يهدأ الشرق الأوسط؟!

يسمون الشرق الأوسط قلب العالم، وعلى هذا يقولون إن من ملكه كمن ملك إدارة العالم برمته، التسمية صحيحة، وما انبنى عليها صحيح أيضًا، ولكن الشرق الأوسط، لهذا السبب نفسه، أي كونه مركزًا للعالم، منطقة تغلي بالصراع المستمر، لا سيما وهو يحوي من البلدان، ضمن ما يحوي، فلسطين وإسرائيل، وبينهما ما بينهما من المشكلات والمعضلات التي شغلت العالم منذ الأزل، وبخاصة المحيط الأقرب إليهما، ويخشى من أن تتفاقم، وطالما تتفاقم، فيظل الانشغال سرمديًا، والانشغال يجر انشغالًا في دائرة كأنها الفراغ، ويظل السعي إلى إيجاد حلول كذلك، ولا حلول تنبثق البتة، وقد يترتب على الأمرين هكذا، من حين إلى آخر، بتصاعد الخصومة والكراهية، حروب مهلكة تغير خرائط المنطقة والعالم بالتبعية، وقد يكون التغيير محمودًا فتسعد الشعوب، وقد لا يكون محمودًا بالمرة فتتعس، وهو الاحتمال الأكبر للأسف!
كيف يهدأ الشرق الأوسط؟!
أطرح السؤال المهم، وليس في حوزتي جواب حاسم عليه للأمانة، لكنني أطرحه مؤمنًا بأهميته القصوى، كما لو كنت أقترح على الآخرين ألا يفكروا في طرح سؤال على أنفسهم غيره..
لقد سلك الشرق أوسطيون جميع الطرق، أقاموا المؤتمرات وعقدوا الاجتماعات ووقعوا الاتفاقيات، ولم ينجم عن كل ما فعلوه شيء ذو بال، كل ما هنالك أنهم، في المسافات التي تفصل حلقة من العمل الدؤوب عن أختها، يتنفسون الصعداء، وما تلبث الوقائع السيئة أن تجري من جديد والتحديات اللاهبة أن تعود إلى أوضاعها البائسة المعتادة! 
لا ييأس الشرق أوسطيون ففي يأسهم الفناء، لكنهم يواصلون العمل، وكم يكون بينهم جادون مخلصون، لا مصالح خبيثة لهم، وإنما آمال عريضة في أن تنصلح الأحوال، وبانصلاحها تتحقق المصالح الطبيعية التي لا غبار عليها.
لا أريد أن أترك السؤال بلا إجابة، بالرغم مما كنت ذكرته بشأنه آنفًا، أريد أن يكون هذا المقال كاشفًا للكنوز الخفية وفاتحًا للأبواب المغلقة، ولا غرو فيما أقول؛ فقد تظل الكنوز سرية مع الاجتهاد الطويل في البحث عنها، وتبقى الأبواب مغلقة مع طرقها المتواصل ردحًا من الزمان! 
ليس لنا مكان سوى هذا المكان في العالم، نحبه ويحبنا بالمخالطة والمصاحبة والمعايشة والمعاملة، وإن كنا نقيم في مبناه فإنه يقيم فينا بالمعنى، وحرصنا عليه كحرصنا على أنفسنا بالضبط، هكذا الواجب، مهما أصابنا منه زهق فادعينا ما يناقض ثبات هذا الطبع، ولا سبيل إلى تركه، فقد توغل بدواخلنا كما توغلت الأرواح بالأجساد، والترك يعني نفور الأجساد من الأرواح.. يعني الموت بالضبط ولا يعني شيئًا دونه.  
لتكن قمة إقليمية ودولية حاشدة، بالتزامن، يغيب عنها السياسيون المنحازون ويحضر المثقفون الموضوعيون، يا حبذا المستنيرون الثقات مستقلو الآراء، ثم نرتقب القرار الثقافي متفائلين، ولعل الشرق الأوسط ينتعش في إثره من إغماءته المديدة المؤسفة!