رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ملحمة الشاحنات المصرية لـ غزة

الأرقام التي صدرت قبل أيام عن حجم المساعدات التي قدمتها الدول المتعاطفة والمتضامنة مع الشعب الفلسطيني في غزة يمكن اعتبارها رسائل سياسية مباشرة ضد العدوان الإسرائيلي وضد الهمجية التي يدير بها حربه ضد المدنيين، والتي بلغت من عنفها الحد الذي دفع الأمين العام للأمم المتحدة أن يعلن عن أن غزة تحولت إلى مقبرة للأطفال.
إلى هذه الدرجة بلغت معاناة أهالينا في قطاع غزة، وانعكس حجم المعاناة على حجم التضامن في شوارع عواصم العالم، مما حدا بحكومات عشرات الدول أن تبادر بمد يد العون ربما تنجح تلك اليد في تخفيف حدة الألم الذي يعاني منه القطاع منذ صباح السابع من أكتوبر الماضي.
اللافت للنظر في الأرقام التي نشرتها وسائل الإعلام عن حجم المساعدات بالطن هو الرقم المصري، حيث بلغ حجم ما قدمته مصر ما يساوي 5208 أطنان تنوعت بين مساعدات طبية ومساعدات معيشية.
هذا الرقم الذي يرتفع كل يوم جاء متفوقًا عن إجمالي كل ما قدمته الدول التي ساهمت في هذه الملحمة الإنسانية، أقول متفوقًا ولا مبالغة فيما أكتب، ويمكن للمهتم أن يراجع الجداول المنشورة وهي متوفرة على الإنترنت، وهنا أتوقف عند التصرف المصري الذي يخوض المعركة على مدار الساعة باعتبارها معركة مصرية خالصة. 
مصر كنانة الله في أرضه أو مصر المحروسة، كما يحلو للكثيرين تدليلها بهذا الوصف، تشهد منذ سنوات دراما متصاعدة بسبب الحروب المتناثرة التي تفجرت في المنطقة العربية، وبكل بساطة استطاعت أن تحتوي ما يقترب من 9 ملايين ضيف لم يجد في بلاده الأمن المنشود فجاء إلى أم الدنيا وهو مطمئن بأن له في مصر ما للمواطن المصري من حقوق.
9 ملايين ضيف ليس بالرقم السهل، فهو يساوي عدد سكان ثلاثة أو أربعة دول، فضلًا عن الكثافة السكانية الطبيعية في مصر، ومن يقرأ عن رقم ضيوفنا يقول إنه من الصعب أن تتحمل مصر المزيد، ولكن جاءت حرب غزة وأثبتت مصر للمرة الألف قدرتها على القيام بدورها التاريخي بكفاءة نادرة وانضباط صارم.
لا توجد شاشة فضائية في العالم إلا وتذكر يوميًا اسم مصر باعتبارها شريان الحياة الذي تعيش غزة عليه.
وصار اسم معبر رفح معروفًا لدى سكان الأرض باعتباره بوابة النجاة لشعب غزة حتى يتجاوز محنته الأخيرة ويفلت من البربرية الإسرائيلية التي كشفت عن وجهها الدموي دون خجل.
وليست مصادفة أن ينشط مطار العريش وهو المخصص لاستقبال طائرات المساعدات القادمة من دول العالم، ذلك المطار الذي هو واحد من إنجازات السنوات المصرية الأخيرة استقبل أكثر من 61 طائرة من مختلف دول العالم، وصلت خلال الأسابيع الماضية، وتم نقل تلك المساعدات بشاحنات مصرية عبر معبر رفح إلى شعبنا الصامد على أرضه في غزة.
جاءت حمولة تلك الطائرات بأكثر من 1500 طن من المساعدات، مقدمة من 19 دولة و14 منظمة دولية، ونعيد التأكيد على أن هذه الأرقام في نمو يومي متصاعد، وهنا نشير إلى أن اللوجستيات المصرية تلعب دورها بمهارة في هذه الحرب الضروس، وعلى سبيل المثال أن مصر نجحت في توفير سبعة مخازن مؤمنة في مدينة العريش القريبة من معبر رفح حتى تصل الإمدادات إلى المدنيين في غزة الذين وضعتهم الظروف في هذا المأزق.
ويبدو أن ما قاله الشعراء صحيح عندما قال واحد منهم بالعامية المصرية البليغة (الحرب تحتاج لقمح.. والسلم يحتاج قنابل).