رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عاجل.. 5 سيناريوهات غربية لإدارة غزة بعد نهاية العدوان الإسرائيلى

غزة
غزة

بالتزامن مع استمرار التصعيد الإسرائيلى العسكرى ضد قطاع غزة لأكثر من شهر، بدأت القوى الدولية، على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب إسرائيل، رسم سيناريوهات بشأن «إدارة قطاع غزة بعد الحرب»، فى ظل أن الهدف المعلن هو القضاء على حركة «حماس»، وتجنب توسيع الصراع إلى مناطق أخرى، سواء الآن أو فى المستقبل. ولم تكتفِ القوى الدولية وإسرائيل برسم هذه السيناريوهات، بل بدأت تحركات فعلية لتنفيذها على الأرض، مع الأخذ فى الاعتبار أن عملياتها العسكرية فى الأساس تستهدف «تمهيد الأرض» لذلك، وهو ما يترك العديد من الآثار المتوقعة فى الداخل الفلسطينى والإسرائيلى، وكذلك فى الدول المجاورة وعلى المستويين الإقليمى والدولى.

1 بقاء إسرائيلى عسكرى مؤقت حتى إسناد المسئولية لـ«طرف ثالث»

أول هذه السيناريوهات هو بقاء إسرائيل عسكريًا فى غزة لفترة محددة، حتى بلورة تصور كامل قابل للتنفيذ لتولى أحد الأطراف مسئولية القطاع، لكن سيكون بشكل غير كامل داخل القطاع، كما أنه لن يتضمن إعادة المستوطنين إليه.

ومن المرجح أن تتجه إسرائيل لإقامة «منشآت عسكرية مؤقتة» داخل غزة، حال نجحت فى «تليين» العراقيل التى تواجهها حاليًا، ودخلت قواتها إلى مناطق أوسع فى شمال القطاع، فى ظل إدراكها أنها لن تتمكن من فرض سيطرتها داخل القطاع بنفس الدرجة التى تحدث فى الضفة الغربية.

ويظل احتمال إعادة إسرائيل احتلالها غزة ضعيفًا، خاصةً أن هدفها المعلن هو القضاء على حركة «حماس»، أو بمعنى أدق القضاء على القدرة العسكرية للحركات الفلسطينية داخل قطاع غزة، لمنع شن هجمات مماثلة لما حدث فى ٧ أكتوبر مستقبلًا.

كما أن سيناريو العودة إلى احتلال غزة مرة أخرى، فى ظل الأوضاع الحالية هناك، سيكون مرهقًا لإسرائيل، لأنه يعنى وجودًا مستمرًا لقوات الجيش الإسرائيلى فى القطاع، وبالتالى سيكون أكثر عرضة للكمائن والهجمات، سواء ما تبقى من الحركات، أو حتى المقاومة الشعبية الفلسطينية، ما يؤدى إلى ظهور جيل جديد من المقاومين مستقبلًا.

وفى حال حدث ذلك، ستكون هناك مخاطر باندلاع عدم استقرار إقليمى نطاقه أوسع من الآن، وربما يجر الولايات المتحدة، حليفة إسرائيل، إلى حرب داخل المنطقة حينها، كما سيُوقع إسرائيل فى أزمة ضخمة، خاصةً من الناحية العسكرية.

كذلك فإن المستوى السياسى والأمنى فى إسرائيل حاليًا تتعالى فيه الأصوات المطالبة بـ«تسليم إدارة غزة لجهة أخرى، دون أن تتولى إسرائيل مسئوليتها».

ووفقًا لهذا السيناريو، ستحاول إسرائيل تولى السلطة الأمنية فى غزة، على الأقل لحين وجود «طرف ثالث» يتولى إدارة القطاع، الذى ترغب فى تحويله إلى «منطقة منزوعة من سلاح الحركات»، مع التأكد من عدم وجود أنفاق تشكل لها تهديدًا فى المستقبل، وكذلك التأكد من عدم قدرة الحركات على إنتاج الأسلحة مرة أخرى خلال السنوات المقبلة.

كما ستسعى إسرائيل إلى مراقبة جميع البضائع التى تدخل غزة، وأن تكون قوات الأمن الإسرائيلية قادرة على دخول القطاع فى أى وقت ومكان، لضمان إزالة أى تهديد محتمل ضدها، على الأقل فى الفترة التى لن يكون هناك طرف محدد يتولى مسئولية القطاع.

2 بمقترح أمريكى.. إعادة القطاع لحكم السلطة الفلسطينية 

تعد عودة السلطة الفلسطينية لحكم قطاع غزة هى المقترح الأكثر منطقية وواقعية وقابلية للتنفيذ فى مرحلة ما بعد الحرب، لكن اليمين الإسرائيلى يحاول عرقلته بشتى السبل، لكونه يجعل الداخل الفلسطينى أكثر تماسكًا فى مواجهة التحديات التى تحيط بالقضية الفلسطينية، سواء على الأرض أو سياسيًا واقتصاديًا.

وطرحت الولايات المتحدة مقترحًا مبدئيًا بالفعل على إسرائيل، يتضمن إعادة السلطة الفلسطينية إلى إدارة قطاع غزة. وفى حال سارت التطورات بشكل إيجابى فى التنفيذ سيكون هناك اتفاق شامل حول الأوضاع فى الضفة الغربية، وأفق واضح ومحدد الخُطى لإقامة «دولة فلسطينية».

وأكد محمد أشتية، رئيس وزراء السلطة الفلسطينية، هذه النقطة، قائلًا إن «السلطة الفلسطينية لن تذهب إلى غزة وتحل محل حماس دون اتفاق شامل يشمل الضفة الغربية وولادة دولة فلسطينية».

ويعبّر موقف السلطة الفلسطينية عن مخاوفها هى الأخرى من أن تولى مسئولية غزة دون وجود أفق واضح للقضية ككل يلقى عليها أعباء أخرى من الفلسطينيين الموجودين فى القطاع، الذين قد يرون أن هناك تنسيقًا بين رام الله وتل أبيب حول مستقبلهم فقط وليس قضيتهم ككل.

وحال تولى السلطة الفلسطينية مسئولية إدارة غزة، يمكن أن تكون هناك تفاهمات حول إضعاف قدرة حركة «حماس» على إنتاج وامتلاك الأسلحة مرة أخرى، خاصةً بالمستوى التى هى عليه الآن.

ويمكن التمهيد لتولى السلطة الفلسطينية مسئولية حكم غزة عبر إنشاء «إدارة مؤقتة للقطاع»، تتمكن السلطة عن طريقها من أداء هذه المهمة، على أن تمثل فترة انتقالية للسلطة من أجل اكتساب ثقة الفلسطينيين والمانحين الدوليين فى قدرتها على بسط سلطتها على غزة.

ذلك السيناريو، تحديدًا الإصلاحات الممكنة داخل السلطة الفلسطينية، سيلقى بظلاله أيضًا على تقويتها داخل الضفة الغربية المحتلة، ما يعزز شرعيتها هناك.

3 إشراف أممى على الأجهزة الحكومية.. وقوة متعددة الجنسيات لحفظ الأمن

يرتكز السيناريو الثالث على وجود إشراف من الأمم المتحدة والمنظمات التى تحظى برعاية دولية على الأجهزة الحكومية فى غزة، وقد يشمل أيضًا مساهمة من السلطة الفلسطينية أو دول عربية. ومن خلال ذلك الوجود الأممى والدولى يمكن تقديم كل الخدمات للفلسطينيين داخل قطاع غزة، سواء بشكل مدنى أو اجتماعى.

فى الوقت ذاته، ستكون هناك حاجة ملحّة لإنشاء «بعثة سياسية دائمة» و«بعثة لحفظ السلام» داخل قطاع غزة، نظرًا لانهيار الأمن الداخلى. وتحتاج خطوة إنشاء هذه «البعثات الأممية» إلى إجماع كبير وضخم داخل مجلس الأمن الدولى، الذى يشهد انقسامًا بين دوله بسبب الخلافات حول العديد من القضايا العالمية، وحالة استقطاب واضحة منذ نشأة الصراع الروسى الأوكرانى.

لكن، فى حال تولى الأمم المتحدة المسئولية داخل غزة، قد يكون هناك الكثير من الأطراف الدولية الفاعلة قادرة على مساعدتها فى هذا الأمر، عبر توفير كل الاحتياجات الأساسية لسكان غزة، ومن بينها: المياه وعمال الإغاثة واللوازم المدرسية والغذاء، إلى جانب ما تتطلبه مرحلة إعادة الإعمار من معدات وعمال وأموال أيضًا.

وفى الوقت ذاته، ستضغط الولايات المتحدة على إسرائيل للسماح بإمدادات الكهرباء والوقود، كما أنه من الممكن استعادة قدرة سكان غزة على الوصول إلى الأنظمة المالية الدولية.

ومن بين المقترحات فى هذا السيناريو دخول «قوة متعددة الجنسيات» إلى غزة، لجمع كل الأسلحة التى يحتفظ بها جميع الفصائل الفلسطينية، على أن تبقى هناك لفترة انتقالية محددة ومتفق عليها، وخلال تلك المدة يتم بناء قوات شرطة فلسطينية من غزة وتدريبها وتجهيزها لتتولى مهام حفظ الأمن.

لكن قد تسعى إسرائيل إلى عرقلة مثل هذا السيناريو؛ نظرًا للعداء الواضح لها مع الأمم المتحدة. كما أنه من المرجح أن تعارض أى «قوة لحفظ السلام» بقيادة الأمم المتحدة.

4 إدارة عربية بالتعاون مع واشنطن وتل أبيب

تحمّل الدول العربية مسئولية غزة أمر مرجح، رغم أن تنفيذه قد يحتاج وقتًا أطول، خاصة أن التجارب القليلة للمشاركة المتعددة الأطراف من قبل الدول العربية فى حفظ السلام أو الترتيبات الأمنية لا تطول فى غالبية الأوضاع، وذلك يعود إلى سلسلة من تشابك السياسات والمواقف بين هذه الدول.

لكن فى حال التوصل إلى مثل ذلك التوافق، ستكون الدول العربية مسئولة عن قطاع غزة، بالتعاون مع الولايات المتحدة وإسرائيل، وخلال تلك الفترة يتم الترويج لمؤتمرات تهدف إلى جمع أموال إعادة الإعمار، خاصة من الدول المانحة، على أن تجرى إعادة الإعمار بسرعة لإحلال الأمن داخل غزة، وعدم تفجر مشاكل أخرى حال تأخيرها.

ويتطلب تحمّل العرب مسئولية غزة بناء «شراكة أمنية إقليمية»، وخلق توافق حول الخلاف الحالى بين الدول العربية والولايات المتحدة بشأن الطريقة التى تدار بها الحرب الحالية من جانب إسرائيل.

وفى إطار هذا السيناريو، من المتوقع بناء «قوة متعددة الجنسيات»، يكون داخلها مكون عربى، وتصبح مماثلة لـ«هيئة حفظ السلام» التابعة لـ«القوة المتعددة الجنسيات» والمراقبين، التى تشرف على تنفيذ البنود الأمنية لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل.

كما ستكون الدول العربية مستعدة لدفع تكاليف إعادة إعمار غزة، لكنها فى غالب الأمر لن توافق على وجود قوات لها على أرض غزة، لتجنب أى اشتباكات محتملة مع الفلسطينيين.

5 استمرار «حماس» حال فشل العملية العسكرية الإسرائيلية

قد تؤول الحرب الحالية، ووفق المجريات على الأرض والتحركات الدولية، إلى عدم تحقيق الهدف الإسرائيلى المتمثل فى «تدمير حماس كليًا»، لكن الحركة ستكون تكبدت بلا أى شك خسائر فادحة فى صفوفها، خاصة على المستوى السياسى، لكونه يعمل فوق الأرض، ويعد الهدف الأكثر سهولة من الجناح العسكرى، الذى يوجد فى الأنفاق الأرضية.

ورغم أن احتمال عودة «حماس» بعد انتهاء الحرب، حال عدم تدميرها بالكامل، يعتبر ضعيفًا أيضًا، فإنه يظل قائمًا، خاصة أن الحركة تعمدت التغلغل فى غزة كحركة اجتماعية وليست سياسية أو عسكرية فقط، سواء قبل أو بعد ٢٠٠٧.

وحينما انفصلت غزة عن الضفة الغربية وأصبحت «قطاعًا محاصرًا»، هناك أجيال لا تتذكر أنها عاشت بشكل مختلف عن ذلك داخل غزة، ولكن فى ذلك الاحتمال ستتحول غزة لتشبه مخيمًا مفتوحًا للاجئين الفلسطينيين فى الداخل. 

وخلال تلك الفترة سيعيش سكان غزة فى جزء من المبانى التى لم يطلها القصف الإسرائيلى الحالى كأماكن إقامة مؤقتة، لحين إتمام عملية إعادة الإعمار، وفى ظل التدمير الكامل لكل مظاهر التجارة والتصنيع والزراعة فى القطاع، سيعتمـــــــد الفلسطينيون على المساعدات الإنسانية.

ويأتى ذلك لأنه حتى فى حالات عدم الحروب، لم تتمكن حكومة «حماس» من توفير كل احتياجات الفلسطينيين هناك، وكانت تتدخل الهيئات الدولية، التى كانت بمثابة المؤسسات الوحيدة فى القطاع.

مثلًا محطة تحلية المياه تديرها منظمة الأمم المتحدة للطفولة، ومحطة توليد الكهرباء تديرها هيئة الطاقة والموارد الطبيعية الفلسطينية، وبعض المدارس تديرها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا»، كما أن السلطة الفلسطينية تدفع رواتب بعض موظفى المستشفيات.