رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اقتصاد يواجه التحديات

أصبح الاقتصاد المصرى أكثر قدرة على مواجهة التحديات وتلبية طموحات الشعب المصرى، وقد سجل المركز الثانى عالميًا فى مؤشر (الإيكونوميست) لعودة الحياة إلى طبيعتها ما قبل جائحة كورونا؛ بما يعكس نجاح الحكومة فى التنفيذ المُتقن لبرنامج الإصلاح الاقتصادى، على نحو أسهم فى تمكين الاقتصاد المصرى من احتواء تداعيات الجائحة، والآثار المترتبة على الحرب الروسية ـ الأوكرانية، بفضل قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى لأكبر حراك تنموى لتغيير وجه الحياة على أرض مصر، ويُعد المشروع القومى لتنمية الريف المصرى (حياة كريمة)، من أفضل البرامج التنموية فى العالم بشهادة الأمم المتحدة، حيث يسهم فى رفع معدلات النمو الاقتصادى الأكثر شمولًا وتأثيرًا على حياة الناس؛ إذ يؤدى إلى تحسين معيشة ٥٨٪ من المصريين، باستثمارات تتجاوز سبعمائة مليار جنيه خلال ثلاث سنوات.
أثبت الاقتصاد المصرى قوته ومرونته فى مواجهة الأزمات، جائحة كوونا أولًا، تلتها الحرب الروسية ـ الأوكرانية، ثم نحن الآن في غمار الحرب الإسرائيلية على غزة، وما تُلقيه على مصر من تبعات جِسام.. كل ذلك، رغم عدم اكتمال باقى خطوات الإصلاح الاقتصادى، المُتمثل فى الأنشطة الإنتاجية، من تصنيع وزراعة وخدمات مُنتجة، لأنها وحدها الكفيلة بإضافة فرص عمل دائمة، ورفع مستوى المعيشة، وإحداث تحسن دائم فى الوضع الخارجى للاقتصاد.. فحجم المشروعات القومية الكبرى على مستوى البلاد، ساهم بشكل كبير فى توفير فرص العمل وخفض معدلات البطالة والتضخم.. أثبت الاقتصاد المصرى أنه قادر رغم الأزمات، على الوفاء بالاحتياجات الغذائية للمواطنين، وتمكين الدولة من الوفاء بالتزاماتها تجاه الدائنين، وكانت ـ وما زالت ـ لهذه السياسات الإصلاحية آثار اجتماعية إيجابية، من حيث التوظيف ورفع مستوى الموارد البشرية وجودة الحياة، وهو ما يخفف من وطأة الإصلاحات الكلية على الفئات الأضعف والأفقر، رغم أن مشوار الإصلاح الاقتصادى ما زال مستمرًا.
وهنا، لابد من الإشارة إلى أن الدولة تقوم بالتغييرات الملائمة لمواكبة التحديات، وبذل كل الجهود لإحداث الاستقرار الاقتصادى، بمجموعة إجراءات وتغييرات تدفع عجلة الاقتصاد الوطنى الى الأمام.. فقد كلف الرئيس السيسى الحكومة بالإعلان عن برنامج لمشاركة القطاع الخاص فى الأصول المملوكة للدولة، بمستهدف عشرة مليارات دولار سنويًا ولمدة 4 سنوات، فالأزمة الاقتصادية، كما تراها الحكومة، عابرة وليست مستقرة.. فقبل الحرب الروسية ـ الأوكرانية، كانت مصر تستورد 42% من احتياجاتها من الحبوب من روسيا وأوكرانيا، وكان 31% من عدد السياح الوافدين إلى مصر من هذين البلدين أيضًا، ومع ذلك صمَد الاقتصاد المصرى فى مواجهه التداعيات.. إذن، فالوضع الاقتصادى الداخلى ليس هو المسئول عن الأزمة التى تمر بها البلاد، وكما قال رئيس الوزراء، الدكتور مصطفى مدبولى: (إننا نتحدث عن أسوأ أزمة يمر بها العالم بأسره منذ عشرينيات القرن الماضى، أى منذ ما يقرب من مائة عام، وكل العالم يصفها بذلك).
الأرقام هى عنوان الحقيقة، دون تهوين أو تهويل.. وتعالو إلى حقيقة الأوضاع الاقتصادية فى مصر بالأرقام، فهي رسائل طمأنة للمواطنين، تُؤكد أننا نمضى على الطريق الصحيح، ونحافظ على المسار الاقتصادى الآمن للدولة، وأننا بما يمتلكه اقتصادنا من مرونة، مازلنا قادرين على التعامل الإيجابى مع الصدمات المتشابكة، والتحديات العالمية الراهنة، وبذل أقصى جهد لاحتواء التداعيات الدولية، والعمل بقدر الإمكان على تخفيف أعباء التضخم المستورد من الخارج.
بإيجاز، تؤكد الأرقام أن الاقتصاد المصرى ما زال قادرًا على التعامل مع الصدمات المتشابكة.. فما تم تحقيقه من مؤشرات أداء فعلى جيد، خلال العام المالى الماضي، هو أبلغ رد على كل الشائعات.. فقد تم تسجيل أعلى معدل نمو منذ عام 2008 بنسبة 6.6%، مقارنة بمتوسط عالمى 3.2% للاقتصادات الناشئة.. حجم الاقتصاد المصرى تضاعف ثلاث مرات خلال السنوات الست الماضية، بمعدلات تفوق معدلات مديونية الحكومة.. تراجع معدل البطالة إلى 7.2% فى يونيو 2022 بتوفير 826 ألف فرصة عمل.. لأول مرة منذ سنوات، عجز الموازنة فى مصر، أقل من متوسط الدول الناشئة.. مصر من الدول القليلة بالاقتصادات الناشئة، التي حققت فائضًا أوليًا.. ونستهدف خفض معدل الدين للناتج المحلى إلى 75% بحلول عام 2026.. وجهت الحكومة التمويلات التنموية لاستثمارات حقيقية ومشروعات ذات جدوى.. استقرت المديونية الخارجية لأجهزة الموازنة عند 81.4 مليار دولار فى يونيو 2022 بنسبة 19.2% من الناتج المحلى مقارنة بـ.3 مليار دولار فى يونيو 2021.. حققت قناة السويس أعلى إيراد لها، حتى الربع الثالث من هذا العام.. نستهدف تمكين القطاع الخاص وتعظيم دوره فى الأنشطة الصناعية والتصديرية، لخلق مليون فرصة عمل منتجة سنويًا.. جذب استثمارات أجنبية مباشرة بفيمة عشرة مليارات دولار سنويًا خلال الأربع سنوات المقبلة.. أصبحنا نمتلك المقومات الأساسية اللازمة لضمان الاستقرار الاقتصادى.. المواطن هو المستفيد من تحسين البنية التحتية وجودة المنتجات والخدمات نتيجة المنافسة العادلة.. زيادة الإنتاج الزراعى والصناعى وتعظيم الصادرات، أولوية رئاسية.
ومع ذلك، ما زالت الدفعات الجديدة من القرارات الداعمة للاقتصاد المصرى تترى، فتطوير العناصر البشرية من خلال منظومة التعليم  والصحة ضرورة اقتصادية عاجلة، والارتقاء بمنظومة الخدمات الحكومية وتطوير العمل الحكومى وحوكمته، والتوسع فى جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، التى تضيف إلى الطاقة الإنتاجية القائمة، لسد فجوة الموارد التى تعانيها مصر، واحتياجها للمعرفة التكنولوجية والصناعية والإدارية، والارتباط بشبكات التوريد والتوزيع والتمويل العالمية التى يأتى بها الاستثمار الأجنبى المباشر، ولتقليل الاعتماد على الاقتراض، والتركيز على توطين وتعميق الصناعة لتكون القاعدة القوية للاقتصاد وللحد من الاستيراد وزيادة الإنتاج، وهو ما تسعى إليه الحكومة حاليًا، ويأتى فى مقدمة اهتمامات وأولويات القيادة السياسية.
●● وبعد..
فإن دولًا كبرى، مثل بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، ودولًا أوروبية ونفطية، أعلنت معاناتها الشديدة جراء جائحة كورونا والأزمة الروسية ـ الأوكرانية.. عانت الاقتصادات الكبرى ـ وما زالت ـ من تداعيات الأزمة الصحية والعملية العسكرية، ولم يخرج علينا (الخبراء) فى الاقتصاد البريطانى والأمريكى يبكون أو يتباكون، ويحذرون من انهيار تلك الاقتصادات أو التبشير بالانتفاضات الاجتماعية ضد بوريس جونسون سابقًا وريشي سوناك حاليًا، أو ضد الرئيس الأمريكى جون بايدن وحكومته، لأنها فشلت فى مواجهة الأزمة وبلغ حجم الديون عليها 31.8 تريليون دولار، تحتل بها المركز الأول للدول الأكثر ديونًا فى العالم، بما يتجاوز حجم الدين العام الذى وصل إلى مستوى قياسى، وتجاوز ثلاثين تريليون دولار للمرة الأولى.. لم نجد أصواتًا، خبيرة كالعادة، تلطم الخدود وتشق الجيوب بأن واشنطن لن تستطيع تسديد ديونها، والولايات المتحدة ليست وحدها التى تأثرت بالأزمة  التى أدت الى  ارتفاع حجم الديون الحكومية فى العالم إلى مستوى غير مسبوق، بل إنه، وحسب صندوق النقد الدولي، فإن قائمة الأعلى ديونًا تضم الصين بقيمة 15.5 تريليون دولار، اليابان بقيمة 12.9 تريليون دولار، فرنسا بقيمة 3.3 تريليونات دولار، إيطاليا بقيمة 3.1 تريليونات دولار، الهند بقيمة 3.1 تريليونات دولار، وألمانيا بقيمة 3 تريليونات دولار، وبريطانيا بقيمة 3 تريليونات دولار أيضًا.
الكل يعانى، وما نقرأه ونشاهده يؤكد أن الأزمة تطال الجميع..  فلماذا التركيز على الاقتصاد المصرى تحديدًا، واللجوء من بعض أصحاب الكتابات الملتوية والمشبوهة والمريبة الى (تسييس) الأزمة، رغم صمود الاقتصاد المصرى فى مواجهة جائحة كورونا والأزمة الروسية ـ الأوكرانية حتى الآن؟.. ولماذا كل هذه الأكاذيب والشائعات؟.
محاولة تصفية الحسابات، أو الانتهازية السياسية والشخصية، والكتابات المدفوعة، هى التى تقف وراء محاولات التخويف والترهيب والتحذير، لأغراض لاشك أنها مكشوفة ومعروفة للقاصى والدانى.. لن ينسى أعداء الداخل والخارج ما فعلته دولة الثلاثين من يونيو، وحجم الإنجازات الداخلية والخارجية التى حققتها.. ولولا تلك الأزمات، لتجاوزت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية فى مصر حدود التوقعات، وبلغت حد الإدهاش والإبهار، ومعدلات نمو فاقت اقتصادات دول مشابهة.. ومازالت الدولة تبذل جملة من الجهود لجذب المزيد من الاستثمارات الخاصة والأجنبية خلال الفترات الأخيرة، من خلال، إفساح المجال للقطاع الخاص، وتحسين مناخ الأعمال فى مصر، وتسهيل الإجراءات التنظيمية التى تعيق حركة الاستثمارات فى البلاد؛ إيمانًا بأهمية الاستثمارات فى التخفيف من حدة الأزمات الاقتصادية التى تواجهها.. وذلك حديث المقال القادم.. فانتظرونا.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.