رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الخيارات «صعبة».. كيف تتحرك إسرائيل فى الاجتياح البرى لغزة؟

الاجتياح البرى لغزة
الاجتياح البرى لغزة

خلال الأيام الماضية، تصدرت العملية البرية الإسرائيلية العناوين الرئيسية فى الإعلام العربى والعالمى، ولم يفهم أحد لماذا تعلن إسرائيل عن قرب بدء عملية موسعة فى قطاع غزة، ثم تكتفى بإقحام قوات محدودة لعدة ساعات ثم إخراجها. 

وتفسيرًا لذلك، هناك مَن يرى فى الموقف الإسرائيلى ترددًا، وهناك من يرى الأمر مجرد مناورة، وأيًا كان الأمر، فإنه من المؤكد، وفقًا للإعلام العبرى، أن هناك خلافًا بين المستوى السياسى فى إسرائيل وبين دوائر صُنع القرار العسكرى، وخلافًا آخر بين الحكومة الإسرائيلية والولايات المتحدة حول نوع العملية البرية، وهو ما نستعرضه فى السطور التالية:

الاستجابة لضغوط واشنطن حتى تأمين قواعدها فى المنطقة 

وفقًا لرئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، وبعد ٤ أسابيع من بدء الحرب، فإنه يبدو أن الجيش الإسرائيلى ودولة إسرائيل يعرفان جيدًا ما الذى يريدان تحقيقه وكيف، وذلك فى كل مرحلة من مراحل الحرب المخطَّط لها أن تستمر طويلًا.

ورغم ذلك، فإنه من المعروف أن هناك خلافًا حول حجم العملية البرية وموعدها وطبيعتها، وسيتم تحديد الأمر بين الإدارة الأمريكية والكابينت الحربى فى إسرائيل وقيادة الجيش، ولهذه الأسباب تأخرت العملية الشاملة، وربما قد تتأخر أكثر، لأن اختيار التوقيت ومكان العملية والأسلوب يتطلب من القيادة فى تل أبيب التفكير فى اعتبارات أخرى، مثل توقعات الولايات المتحدة، والجهود المستمرة لإطلاق سراح جزء من المحتجزين، ومن لديهم جنسيات أجنبية، وذلك قبل الاقتحام؛ بالإضافة إلى التعامل مع خطر اشتعال جبهة أخرى، مع «حزب الله» فى لبنان.

وحول أزمة المحتجزين، قال «نتنياهو» إن الهجوم البرى على قطاع غزة وإعادة المخطوفين هما هدفان متساويان فى قيمتهما فى نظر الحكومة الإسرائيلية التى ستسعى لتحقيقهما فى آن واحد، من دون أن يأتى أحدهما على حساب الآخر، وبكلمات بسيطة، فإن هدف «نتنياهو» هو تحرير المحتجزين كلهم كما لو أنه لا يوجد هجوم برى؛ وتنفيذ الهجوم البرى فى التوقيت الذى تحدده القيادة الإسرائيلية حتى لو لم تُحلّ مسألة المحتجزين بصورة كاملة.

وبحسب ما ذكر المحلل العسكرى «عاموس هرئيل» فى مقاله بصحيفة «هآرتس»، فإن تأخير العملية البرية خلق توترًا بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف جالانت، الذى يريد توجيه ضربة كبيرة لحركة «حماس» الفلسطينية، بينما «نتنياهو» لا يزال مترددًا فى ذلك، ويفكر فى التداعيات الأخرى.

وبحسب المحيطين به، فإن «نتنياهو» يؤيد العملية البرية، لكن القرار النهائى بشأن موعدها وخطتها لم يُتخذ بعد، لذا يقوم سلاح الجو الإسرائيلى بقصف غزة بصورة شديدة لم يسبق لها مثيل، لكن النية الحقيقية هى إفساح المجال أمام القوات الإسرائيلية للقيام بهامش مناورة أكبر.

ورغم أنه فى جميع المعارك السابقة لإسرائيل فى العقود الأخيرة، سواء فى الضفة الغربية أو فى قطاع غزة أو فى جنوب لبنان، هناك دائمًا فترة من المراوحة، إلا أن الأمر يختلف هذه المرة، فلا يبدو أن الجيش الإسرائيلى هو من يؤجل القرار، وهو ما قاله الناطق بلسان الجيش الإسرائيلى، علنًا، عندما أكد أن الجيش مستعد للدخول البرى، ولكن ينتظر الأوامر من الحكومة.

وخلال الأسبوع الماضى، وسعت إسرائيل عملياتها، حيث دخلت دبابات إسرائيلية أحد الأحياء على أطراف مدينة غزة، وقطعت الطريق الرئيسى بين شمال القطاع وجنوبه.

وأشار شهود عيان، كما ذكرت وكالة «فرانس برس»، إلى أن الدبابات وصلت أطراف حى الزيتون فى مدينة غزة، مع الإعلان عن قطع شارع صلاح الدين، الذى يربط الشمال بالجنوب، مع إطلاق النار، وهو ما رفض الجيش الإسرائيلى تأكيده، دون أن ينفى وصول دباباته إلى أطراف مدينة غزة، مع تحدث التقارير عن دخول ٢٠ ألف جندى من جيش الاحتلال إلى داخل القطاع.

تردد بسبب الخلاف بين العسكريين والسياسيين حول نوع العملية وأهدافها

فى هذه الأيام ومع التوغل البرى المحدود، ليس واضحًا ما إذا كانت إسرائيل ستقدم على عملية برية موسعة أم ستكتفى بالدخول المحدود للقوات، لكن ما يجرى يمكن أن يكون تهيئة للأجواء من أجل العملية الموسعة.

ويبدو أن الأمريكيين طلبوا من إسرائيل تأجيل الاجتياح الشامل حتى يكونوا مستعدين لمواجهة هجوم محتمل من أذرع إيران فى المنطقة، مثل الميليشيات الشيعية فى العراق وسوريا واليمن وأماكن أخرى، كما أنه يجرى حاليًا تأمين القواعد الأمريكية فى الشرق الأوسط، حيث يقوم البنتاجون بنشر منظومات دفاع جوى ووحدات من المظليين للدفاع عن هذه القواعد، واعتراض الصواريخ والمسيّرات التى ستطلق فى اتجاهها. 

وهذه الاستعدادات لن تنتهى قبل وصول حاملة الطائرات «آيزنهاور» مع قوة المهمات التابعة لها إلى منطقة المحيط الهندى، جنوب سلطنة عُمان وإيران، خاصة أن القواعد الأمريكية فى الشرق الأوسط تعرضت، وفقًا لما أعلنته واشنطن، لـ١٤ هجومًا من طرف وكلاء إيران، ما أسفر عن جرح ٢٤ جنديًا أمريكيًا، مع أضرار كانت طفيفة، لكن إذا دخلت إسرائيل إلى غزة فإن العدد يمكن أن يزداد.

ومن بين الأسباب الأهم فى تأجيل العملية البرية الموسعة أو الاجتياح تأتى مسألة الرهائن، وسط ضرورة إعطاء الوقت لمساعى إطلاق المخطوفين من خلال الوسطاء.

فيما يرى محلل الاستخبارات يوسى ميلمان، أن الاجتياح البرى سيتسبب فى سقوط كثير من القتلى، مشيرًا إلى أنه يجب أن نضيف إلى ما تقدم الخوف المتصاعد من انضمام «حزب الله» اللبنانى إلى المعركة، إذا ما قام الجيش الإسرائيلى باجتياح غزة، وهو ما يهدد بفتح جبهة ثانية على إسرائيل، وهو ما قد يحدث، سواء أكان بتوجيهات من طهران، أم بناءً على قرار صادر عن «حزب الله» نفسه، أو كنتيجة للتصعيد وتدهور الوضع.

وأضاف «ميلمان» أن دخول «حزب الله» فى الحرب سيؤدى إلى دمار غير مسبوق، مثل ضرب محطات توليد الطاقة، والمطارات، والقواعد العسكرية، لأن الحزب يملك نحو ١٥٠ ألف صاروخ.

استنزاف «حماس» عبر استمرار القصف الجوى والعمليات المحدودة مع تهدئة الداخل

عن استمرار القصف الجوى دون بدء العملية البرية الموسعة، قال المحلل الإسرائيلى تامير هايمن، فى مقاله بموقع القناة الـ١٢ العبرية: «يجب ترتيب الأمور والفصل بين مقياسين: الأول، أهداف الحرب التى تم تعريفها، وعلى رأسها تفكيك (حماس) كسلطة فى غزة، وتفكيك الذراع العسكرية الخاصة بها، بالإضافة إلى تحرير الرهائن؛ أما الثانى، فإنه طرق العمل التى يمكن أن تحقق هذه الأهداف التى وضعها المستوى السياسى».

وأضاف: «نظريًا، يمكن أيضًا إخضاع (حماس) من دون مناورة برية موسعة. هذا ممكن، لو كان لدينا وقت غير محدود لاستمرار القصف الجوى، إلى جانب الحفاظ على حصار مطبق على القطاع، والنموذج الأشهر بهذه الاستراتيجية هو حرب كوسوفو، حيث تم التوصل إلى حسم عبر القصف، لكن عمليًا، الوقت المطلوب لذلك لا يلائم إسرائيل، لا على صعيد الشرعية الدولية، ولا على صعيد الاقتصاد الإسرائيلى الذى يتأثر طبعًا باستمرار الحرب. فضلًا عن أن إسرائيل تريد السماح للجمهور بالعودة إلى روتين الحياة الطبيعية خلال وقت معقول، فى الوقت الذى أوقف مئات الآلاف من جنود الاحتياط حياتهم وذهبوا إلى التعبئة». وأشار إلى أنه رغم أهمية العملية البرية لتحقيق أهداف الحرب التى وضعتها إسرائيل، ولإظهار صورة النصر أمام الجمهور الإسرائيلى المُصاب بصدمة منذ هجوم ٧ أكتوبر، فإن هذا لم يكن كافيًا لتقدم إسرائيل على العملية البرية الموسعة بسرعة، فهى لا تزال تعتمد على القصف الجوى الكبير الذى يصيب القيادات والبنى العسكرية والمنظومات فوق الأرض وتحتها، فيما تقوم بتوغلات برية محدودة، قامت فيها إسرائيل بقطع شبكات الإنترنت والاتصال عن غزة، وفيها اشتبكت القوات الإسرائيلية مع عناصر من حركة «حماس» شمال القطاع، ما تسببت فى مقتل عدد من الجنود وأحد الضباط الإسرائيليين. بالنسبة للخطة الإسرائيلية، فإن الهجمات الجوية المكثفة تسهل التوغلات البرية، كما أنها تعد محاولة لاستنفاد كل ما يمكن تحقيقه بواسطة القصف من الجو والتوغلات البرية المحدودة والقصيرة المدى، مع محاولة القضاء على القيادات العليا فى «حماس» والعاملين فى وحدات النخبة التابعة للحركة، خاصة أنه فى كل يوم يمرّ فى هذه المعركة ينخفض مخزون صواريخ «حماس».

وهذه الاستراتيجية تهدف إلى تحقيق هدف رئيسى هو استنزاف «حماس» وخلق حالة من عدم اليقين والتوتر، مع انشغال الحركة طوال الوقت بالسؤال حول متى سيهاجمون؟ وفى أى منطقة؟ وكيف سيتمكنون من التغلب على منظومتنا الدفاعية التى تعتمد على الأنفاق تحت الأرض؟، فضلًا عن إرهاق الحركة عن طريق القصف من الجو حتى تكون العملية البرية أسهل لاحقًا.