رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حدودنا الجغرافية وحدود الآخرين

الحد، في معاجم اللغة، "حاجز بين شيئين لئلا يختلط أحدهما بالآخر"، الجمع حدود؛ وعلى هذا فالحدود الدولية "خطوط فاصلة بين دولتين". للبلاد الأصيلة كبلادنا حدودها الراسخة المعروفة التي لا خلاف عليها، والتي ثبت انتسابها إلى الوطن على مر الأزمنة بكافة الطرق المشروعة الموثقة كخرائط وقرارات، أقر بها العالم وأنفذها، ولكن دولا كثيرة تقع في مشكلات عوصاء مع أخرى بشأن الحدود، وهي المشكلات الخطيرة في الحقيقة، والتي قد تكون نذيرا من نذر الحرب..
على كل حال إذا نشأ خلاف حدودي بين بلدين، لأي سبب، مهما كان يحمل جانبا من الصدق أو مفتعلا بمعنى ما (أعني يعكس طمعا للطرف المدعي في الطرف المدعى عليه)؛ فإنه يسهل حسمه من خلال القانون بواسطة التحكيم الدولي، وإن طالت مدة الحسم نظرا لدقة الإجراءات ومن ثم طولها في هذا النطاق.
يقع الجزء الأكبر من بلادنا المحروسة في قارة إفريقيا، بيد أن جزءا منها يقع في آسيا أيضا (تسمى عابرة للقارات) وأما الحدود المصرية البرية والبحرية فهي البحر المتوسط من جهة الشمال (تشمل هذه الحدود من جهة الشمال الشرقي غزة وإسرائيل)، والسودان من جهة الجنوب، وليبيا من جهة الغرب، والبحر الأحمر من جهة الشرق. كل خط على هذه الحدود، مستقيم أو منعرج، وكل قبضة تراب، مهما يكن قدرها، منظوران ومحسوبان بعناية؛ فالمسألة فوق الوصف علما وأمانة ومسئولية، كما أنها ترتبط بتراث الأمم المحفوظ عبر أزمنتها ونضالها من أجل استعادة ما قد يكون ضاع منها.  
القضايا القديمة المتعلقة بالحدود المصرية جرى حسمها، كما أسلفت، ولدينا الرسوم الدالة والأحكام القطعية، وهي الحدود المشهورة التي تخضع لسيادتنا المصرية حصرا، وتعد خطا أحمر لا يجب الاقتراب منه أو المساس به، ومن نافلة القول إنها صميم أمننا القومي، فهذا غني عن البيان.
نحن نعترف بالحدود الجغرافية للآخرين ونحترمها؛ فلا نتربص بالجيران ولا نختلق قصصا وهمية محيرة ولا نغدر البتة، وبالأساس نحن دولة دفاعية مسالمة ليست هجومية ولا عدائية بالمرة، وقد أغنتنا مساحتنا الفسيحة عن غيرها، وحضارتنا العظيمة عن سواها، وأغنانا تاريخنا الزاخر بالأمجاد والبطولات عن أي تاريخ آخر أيا كان، والنيل والهرم عن كل ما عداهما.  
تكمن المعضلة في دول معقدة، أو كيانات قلقة موجودة، تشبه تصرفاتها تصرفات العصابات، تتحرش بمن يجاورونها، وتحاول خداع العالم بالترهات (الأباطيل)، وتجتهد، ما وسعها الاجتهاد، في تشويش النظام العام وتكدير العيش الآمن وتعكير المياه الصافية!
نحن نحس بما يراد لنا، وندركه، لدينا أجهزة يقظة قديرة، ولدينا جيش عظيم من خلف هذه الأجهزة وأمامها، قادر، بحول الله وقوته، على سحق الذين يريدون إيقاعنا في فخاخهم الماكرة، وبالأمس القريب دار كلام خبيث، في الخفاء والعلن، عن تهجير الغزيين (أهالي غزة) إلى سيناء الحبيبة، والمعنى شديد الخطر لهذا الأمر هو نقل الحرب المستعرة إلى بلادنا العزيزة، وحجز الغزيين خارج حدودهم إلى الأبد، ومن ثم تصفية القضية الفلسطينية، والتشكيك الكثير في شرعيتها وعدالتها.. نحن نرحب بأشقائنا وضيوفنا في الظروف الطبيعية ترحيبا صادقا حارا كريما، ولكننا نغلق الباب حين يكون وفودهم إلينا بمثابة لعب بالنار، هذا أحوط لنا ولهم بالتأكيد، وفيه نفعنا ونفعهم بالمثل.
لقد أعلنها الرئيس مرارا وتكرارا مجلجلة واضحة: لا تهجير إلى سيناء، ثم قالها الدكتور مصطفى مدبولي في خلال زيارته إلى مقر الكتيبة 101، منذ أيام، وضمن رفقته رئيس اتحاد قبائل شمال سيناء؛ قال: "إننا مستعدون لبذل ملايين الأرواح من أجل حماية سيناء".. وقال كذلك: "مصر لن تسمح بأن يتم فرض أي شيء عليها، ولن تسمح بتصفية قضايا إقليمية أو حلها على حسابنا".. أردف قائلا: "وُضعت خطط كبيرة لتنمية سيناء وحاولت الدولة بإمكاناتها التي لم تكن وافرة أن تقوم ببعض المشروعات".. وقال أخيرا: "إن الرئيس أخذ قرارا استراتيجيا بتنمية سيناء جنبا إلى جنب مع دحر الإرهاب".
لدى الدولة، فيما يبدو، معلومات مؤكدة بأننا مستهدفون في اللحظة الراهنة استهدافا حدوديا ربما اتسع فكان شاملا؛ ولذا تسعى إلى توعية الجماهير بالموضوع ذي الأهمية القصوى، وإلى رفع معنوياتهم في ساعة محبطة، واثقة في الحق الذي معها لنفسها والخير الذي بين يديها للجميع. 
اللهم احفظ بلادنا من كل شر وسوء، واصرف عنها ما يعطلها ويؤخرها ويضنيها ويحزنها، وانصرها، ووافها ببركتك بجاه بركة أوليائها، إنك على ما تشاء قدير، ولله الحمد رب العالمين.