رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حمدي الجزار: لم أتوقف عن الكتابة منذ 20 عامًا.. وهي تشبه لقاءك بامرأة تعشقها

 حمدي الجزار
حمدي الجزار

نشرت منذ عدة أسابيع رواية " العروس" للروائي حمدي الجزار عن دار ديوان للنشر والتوزيع، وهي العمل الرابع في مسيرته، تخرج الجزار من آداب القاهرة قسم الفلسفة قدم من قبل أعمله "سحر أسود" "لذات سرية" و"الحريم" روايات بالإضافة لكتاب" السطور الأربعة وهو الحاصل على جائزة ساويرس للأدب عام 2006- وجائزة بيروت 39_ 2015 وأفضل رواية في معرض القاهرة للكتاب عام 2019، الدستور إلتقت الكاتب حمدي الجزار وكان هذا الحوار..

_ في رواية العروس تُرى العودة إلى متون الرواية الكلاسيكية برؤى حداثية أو ما عبد حداثية، كيف ترى ذلك؟

 - عندما أقدمت على كتابة الرواية منذ أكثر من ربع قرن، درست تاريخ الرواية المصرية والعربية والعالمية، وتأملت الأعمال الكبرى، فصارت لدي قناعة راسخة بأن الروائي يكتب في سياق تاريخ فن الرواية، ولا يمكنه بحال أن يدعي غير ذلك، فهو يقدم عمله كإجابة لسؤال عن ماهية الرواية وبنيتها وجمالياتها كما يراها، وكل عمل جديد لروائي هو إجابة عن أسئلة قديمة وشبه ثابتة، وأسئلة جديدة تخص الواقع التاريخي والفني، والسياق الذي يقدم فيه الروائي عمله. بهذه الرؤية أكتب الرواية، وإن كنت ترى في روايةالعروس "عودة للكلاسيكية برؤى حداثية أو ما بعد حداثية" فلم تبتعد كثيرًا عما أظنني قدمته من إجابة في هذه الرواية، ويبقى توصيف الرواية من هذه الزاوية مفتوحًا على قراءات متنوعة، يقدمها قراء ونقاد آخرون. 

-ليتك تحدثنا عن دوافع كتابة هذه الرواية، وجودية أو إنسانية، وهل هي رواية تتبع مصائر؟

   الدافع الأوّلى للكتابة لدي هو  فن الرواية نفسه، عشقه ومحبته، وممارسته كل يوم، والحياة معه وبه، ومحاولة دائمة لكتابة ما يستحق القراءة، وإثرائه بما أراه جميلا، ويمكن أن يعيش، ويستمع به القراء، ويحفظ في ذاكرة الأدب وتاريخه. أما دوافعي لكتابة رواية"العروس" تحديدًا، إضافة إلى تلك الدوافع الأولية السابقة، فتجسدت في استكشاف القيمة السردية والفنية لـ"ضمير الغائب"، أو ما نصطلح على تسميته بالراوي العليم، الذي لم أكتب به من قبل  رواياتي الثلاث السابقة: "سحر أسود"، و"لذات سرية" و"الحريم". كانت الكتابة بهذا الضمير أمر أشبه بالانتقال إلى بيت جديد مع عروس جديدة، هو حب جديد استوى على نار هادئة، واستلزم تجهيزا وإعدادا، وبناء حياة جديدة، أي رواية جديدة، مختلفة عن كل ما كتبت من قبل.

 نعم، بشكل ما، يمكنك أن تصف رواية العروس بأنها رواية "تتبع مصائر"  إذا كنت تقصد أنها توحي بمآل شخصياتها، ولم تغفل عرض ما انتهوا إليه في نهايتها، لكن دائمًا يمكن النظر إلى أبعد من هذا. 

-نلاحظ مع قراءة وتأويل "العروس" أن هناك الكثير من المفردات ولغات الترميز، وكذلك الأسطرة، وتحديدًا شخصية الحاج فتحي أبودرقة.. كيف تفسر ذلك؟

- لا أرغب ولا أحب أن أقدم تفسيرًا أو تأويلا للرواية أو لأحد شخصياتها، فهذا ملك للقارئ والناقد وحده. أنا أقدم كل ما لدي في العمل، وبطريقة فنية وجمالية تخصني، وبعد أن أنتهي يسعدني أن أسمعك تفسر وتأول وتقدم رؤيتك الخاصة وأستمتع، ربما يكون لدي بعض تعقيبات أو ردود لما تقول لكنني لن يضيف شيئا للنص الذي اكتمل وتم بنشره، سيبقى كلامي شفويًا، وزائدًا عن الحاجة، وغير مفيد لأحد. 

-وماذا كان طموحك السردي عند الكتابة عن هذه الشخصية الملغزة التي تدعى فتحي  أبودرقة، وخاصة أنها تذكر القارئ برجرجات العظيم الراحل نجيب محفوظ في رواياته الفلسفية وتحديدًا أولاد حارتنا؟ 

  شخصية فتحي أبو درقة واحدة من الشخصيات الأساسية في "العروس" ومن أكثرها جاذبية لي ككاتب، وإن كانت تذكرك بشخصيات الأستاذ نجيب محفوظ فهذا جيد وجميل. نعم ربما يذهب ذهن القارئ إلى شخصيات كشخصيات رواية "أولاد حارتنا" أو غيرها، لكنه سيعود سريعًا، لأن  البناء الفني مختلف، والشكل والأسلوب، وكذلك التقنيات، وغيرها من  أدوات السرد. وسأسعد إن قدم أحد النقاد دراسة مقارنة تقتفي هذه الأفكار التي تشير إليها.

- عن القاهرة ووسط البلد، ومبنى العروس في الواقع والخيال، هل هناك ثمة تجديد سردي أو بنيوي لمحاكمة الواقع، فيما آلت إليه القاهرة وأحوالها.

- المكان الروائي في رواية العروس هو وسط القاهرة، والسيدة زينب، ونزلة السمان والهرم، وإشارات إلى أماكن أخرى ك"سقارة" و"قمن العروس" في الأقصر، وغيرها، أما البناية التي يقع فيها مطعم "العروس" فتقع في وسط القاهرة، وهي عمارة خيالية، وإن وجد ما يشبهها في الواقع من بنايات القاهرة الخديوية على وجه التحديد. المكان الروائي، في رأي، هو مكان خيالي دائمًا يقدم إلى القارئ في ثوب مكان واقعي أحيانًا، أو غير موجود في أي مكان على سطح الكوكب أحيانًا أخرى، المكان هو اختراع المؤلف دائمًا، تماما كشخصياته، وإن  زعمنا  ككقراء أننا نعرف أو صادفنا مثل هؤلاء البشر الماثلين في صفحات رواية.، أو هذا المكان الذي يصفه.

   أنا، كروائي، لا أحاكم المكان الواقعي أو أحاكيه أو أرصده، بل أخترعه بما يلاءم رؤيتي الفنية وشخصياتي، وليس من وظيفة الرواية أن تحكم على المكان، وإن كانت تقتفي تحولاته وتبدله،  وترسمه كشخصية تتطور عبر الأحداث، وفقًا لأغراضها الفنية والجمالية الداخلية.

-لاحظت من قراءاتي المتعددة للرواية أن هناك ثمة رسائل توديع لأمكنة ولشخوص..وأن هناك أكثر من رسالة في ماهية التوديع للبشر والأمكنة والأزمنة، ما هو موقفك من تلك التفاسير. 

التفاسير تخص المفسر، وهذا إدراكه وفهمه وأفكاره وتفسيره. 

ربما ما يوحي برسائل التوديع هذه هو  التغير الكبير الذي حل بمطعم "العروس" الفاخر، وبداية تحوله لنشاط آخر  جديد، وظهر على مسرحخه شخصيات جديدة في موقع السلطة والإدارة، ورحيل واختفاء شخصيات كانت علامات المكان. نعم هناك تغير، ووداع وأفول وتلاشي لقصة وصلت لصفحتها الأخيرة. 

-عن تعدد الشخصيات المترددة على العروس، وهي متن من متون الرواية، ألم تخشَ كروائي أن يصاب القارئ بالتشتت من كثرة الشخصيات؟

  لا لم أخشَ من كثرة عدد شخصيات الرواية، كان هذا تحديًا روائيًا، وضرورة فنية اقتضتها بنية العمل ككل. الحاسم بالنسبة لي هو  هل يمكن الاستغناء عن شخصية من هذه الشخصيات أم لا؟ هل يمكنني تصور الرواية بدون برسوم الطباخ مثلا، أو  عمر عبد الظاهر، أو غيرهم، بالطبع لا. حتى تلك الشخصيات التي لم تظهر كثيرًا مثل صديق أبو وردة أو رزقة السقارية، هي شخصيات أساسية. ولم أخف كذلك من إمكانية أن يتشتت القارئ فتركيزي، وهمي الفني هو   ألا يترك القارئ صفحات الرواية حتى ينهيها، وإمكانية أن يقرأها مرة أخرى ومرات.

- رواية العروس هل هي محاولة جديدة لرصد أحوال القاهرة ؟ وما آلت إليه؟ خاصة بعد ما قدمه علاء الأسواني عن القاهرة في روايته عمارة يعقوبيان؟

  لم يكن لدي أية نية لمحاولة ذلك، لا أرصد القاهرة وأحوالها، أنا أبنى مكانا روائيًا فحسب، مكان له خصائص وسمات وتاريخ محدد داخل رواية واحدة، أصور مكانًا معاصرًا مشتركا بيني ككاتب وبين القارئ، باستخدام اللغة، والإشارة إلى مكان قد يعرفه القارئ أو لا لم تطأه قدماه من قبل، مكان فني، وهو جديد دائمًا، ويخص كاتبا بعينه دون غيره. القارئ يعرف القاهرة في رواية "العروس" كما أقدمها إليه وليس كما يراها في واقعه، أو  ما يسمعه عنها، تماما مثلما يقابل شخصياتها في الرواية فحسب.

   وليس من وظيفة الرواية، في رأى، أن تؤرخ للقاهرة أو تصفها، كل كاتب يخترعها مستخدمًا بعض الرموز المشتركة بينه وبين القارئ، المكان دائمًا هو مكان روائي أي من إبداع الكاتب. وهو كذلك في رواية عمارة يعقوبيان، كما هو الحال في الكثير من رواياتنا المصرية التي تتخذ من القاهرة مكانا تدور فيه أحداث رواية. أما المقارنة بين قاهرة فلان وقاهرة علان فهذا من اختصاص النقد والنقاد، وهو موضوع شيق وكاشف. 

-لماذا  كان كل هذا التوقف لنفاجيء برواية العروس بعد خمس سنوات، وهي روايتك الرابعة، وهى الرواية التي تجذر وتعمق في منحاك السردي؟

  لم أتوقف عن كتابة الرواية منذ نحو عشرين عامًا، أكتب كل يوم، وأكتب كثيرًا لكنني لا أنشر كل ما أكتب، أنشر فقط ما أحبه، ولا أخجل منه، وما أرى أن له قيمة فنية وجمالية، وإضافة لأعمالي ولفن الرواية. 

  بعد نشري لرواية "الحريم"، و"كتاب السطور الأربعة" كانت لدي عدة مشاريع روائية، لم يكتمل منها سوى "العروس" التي استغرقت في كتابتها ومراجعتها نحو ست سنوات. وفي النهاية نشرتها.

 

-وكيف كانت تجربتك في النشر مع دار ديوان للنشر؟

  تجربة رائعة جدًا، وأنا شاكر وممتن للسيدة الناشرة ليال الرستم، التي درست الفلسفة مثلي، والأديب المبدع أحمد القرملاوي الذي كان أول قارئ للعروس، وأول من تحمس لنشرها بدار ديوان للنشر.

-ماذا تمثل لك هذه الرواية في مسيرتك الإبداعية؟

 "العروس" تمثل بالنسبة لى نقلة فنية كبيرة، فهي أطول أعمالي من حيث الحجم، وأكثرها في عدد الشخصيات والأحداث، وتجربة انتقالي من ضمير المتكلم إلى ضمير الغائب، وهي العروس الجديدة! 

-عن المجاز والتخييل وليلة وحيدة في صحبة التوق والأحلام والموت في ثنائية الليل والنهار، ألم تخشى وبكثرة هذه التحميلات أن تعوق وصول روؤيتك للقارئ العادي؟

  تدور أحداث الرواية في نحو 16ساعة فقط، ليلة رأس السنة، لكنها السنة ليست معلومة، هذا الزمن المحدود أضفى شكلا فنيًا محددًا، وبالطبع كان يقتضي تقنيات فنية ملائمة، حتى يشير هذا الزمن المحدود إلى اللامحدود، أعنى أن يفعل ما يفعله كل فن رفيع في نظري، أن يخلد العابر، والراهن، والمتغير، ويشير إلى ما هو أبعد وأرسخ، ويمكن أن يبقى ويعيش ويدوم.

  القارئ العادي في رأي  ينحاز إلى ما يمتعه، ويتذوقه، ويفهمه، ويضيف لرؤيته لنفسه وللعالم وللحياة، وهو ما أرجو ألا يفتقده في تجربة قرائته للعروس. 

-الرواية تدور في ليلة واحدة، وهي ليلة رأس السنة، فلماذا اخترت ليلة رأس السنة؟ وكيف خططت للرواية؟

ليلة رأس السنة هي ليلة انتهاء وختام وفناء لماض، وبزوغ فجر جديد، ونور جديد، وبداية لرحلة ستمتد 12شهرًا، ومعانقة لمجهول آتٍ،  وهذا وقت مناسب تمامًا لرواية، زمن فريد وقصير لا تشير إليه ليلة عادية.

  أما التخطيط للرواية فأمر شرحه يطول، أكتفى منه بأن أقول إنني بدأت هذه الرواية من شخصيتي خالد عبدالباري، وسامية بشندي، والعلاقة بينهما، وبعدها توالى كل شيء. لا أكتب ملفات للشخصات، أو أرسم مكانا

 أو زمانا محددًا قبل الكتابة، أكتب من البداية دائمًا، ولا أكتب فصلا جديدًا دون قراءة السابق ومراجعته، وأضيف وأحذف إلى أن أنتهي إلى النسخة النهائية التي أراجعها عشرات المرات!   

-عن مفاهيم النشوة والخلاص، وعلاقتهما بالفن والأدب، هل ينتهي مفهوم الكاتب للخلاص مع الانتهاء من كتابة نصه؟ 

   هناك نشوة في الكتابة تشبه اللقاء الغرامي بامرأة تعشقها، هناك هذه المتعة التي تتجاوز الحواس إلى النشوة الفكرية والروحية، إنها في كتابة الرواية بالطبع، لكن الفريد فيها أنها مرتبطة بالصبر المديد، والمعاندة واللممانعة حتى يحدث الاستسلام التام، والتدفق، فيبدأ الجيشان والوصال التام! 

  عند لحظة النهاية من كتابة نص ينتابني فرح غامر. ولا أشعر بأنني قد تخلصت من ثقل فقط أشعر بخفة رائقة، وكمال ما.

الكتابة لا تهب الخلاص، لأننا نعود إليها دائمًا من جديد، الكتابة حياة فاتنة.

غلاف رواية العروس للروائي حمدي الجزار.