رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكوفية الفلسطينية

يعتمر الناس الكوفية الفلسطينية في البلاد العربية، ويعتمرها الناس في كل بلاد العالم تعبيرًا عن تضامنهم الأممي مع الفلسطينيين وقضيتهم العادلة، يكون ذلك أكثر ما يكون بإزاء الأحداث الملتهبة المعقدة كالحرب الضروس التي تجري الآن على غزة، حرب الإبادة الجماعية غير المسبوقة التي باتت تقصف بالصواريخ الفتاكة حتى الأماكن التي يمنع القانون الدولي والإنساني قصفها كالمستشفيات، وما واقعة قصف الساحة الخارجية للمستشفى الأهلي المعمداني الواقع في حي الزيتون جنوب مدينة غزة ببعيد.. المستشفى العريق الذي تأسس على أيدي البعثات الإنجيلية المسيحية في ثمانينيات القرن التاسع عشر، وما زالت تديره الكنيسة الأسقفية الإنجليكانية بالقدس؛ مما يمنحه جلالًا إضافيًا وحصانة أكبر من الحصانة العادية، لا سيما وهو، بجانب مهمته الأصلية في احتضان الجثث ورعاية الجرحى والمرضى، يعمل، كما صارت المستشفيات بغزة، مركزًا لإيواء المعتصمين المدنيين النازحين الذين تركوا منازلهم الحبيبة خائفين من النيران السائبة العمياء!
الكوفية الفلسطينية ليست مجرد عَمَارة توضع على رأس تحت عقال أو زينة تلتف حول رقبة أو وسيلة للتدفئة في الأجواء الباردة أو قماشة يحملها حاملون بلا معنى سوى الأنس بها مثلًا، إنها رمز للهوية الوطنية والمقاومة الشعبية، وقد استخدمها الفلسطينيون، بذلك المعنى، في أعوام الثورة الفلسطينية "1936- 1939" ضد الإدارة البريطانية التي احتلتهم لمدة 28 عامًا بموجب الانتداب البريطاني على فلسطين "1920- 1948"، وهي الثورة التي كان بين أسبابها استشهاد الشيخ المقاوم عزالدين القسام في عام 1935"سوري المولد الذي تطلق حماس اسمه على جناحها العسكري تخليدًا لذكراه".. وحتى اللحظة الراهنة تلعب الكوفية الفلسطينية دورها الخالد في الملاحم التي لا ينقطع جريانها في جميع القطاعات بالأرض المباركة التي دنسها الغاصبون.
هذه الكوفية الحميمة وشاح أبيض وأسود، وأحيانًا أحمر وأسود، وقد حوت ألوانًا أخرى مع مرور الأزمنة، لكنها ظلت محافظة على نسيجها الأصلي، وربما كان أشهر من ارتداها وحرص عليها هو الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات "24 أغسطس 1929- 11 نوفمبر 2004".
مصنع الحرباوي الذي أسسه ياسر الحرباوي، وبدأ نشاطه في عام 1961 هو أشهر مصنع في الداخل الفلسطيني لإنتاج الكوفية الفلسطينية، استمر بعد أن أغلقت المصانع أبوابها في إثر انتشار الكوفية المقلدة الرديئة التي تنتجها الصين، وبعد أن انخفضت المبيعات تمامًا في إثر اتفاقية أوسلو في عام 1993.. يقع المصنع فوق رابية بقلب مدينة الخليل في الضفة الغربية، وهو مستهدف لا ريب ولكن الأقدار ما زالت تحميه.
لقد أردت الحديث عن هذا الشيء الذي يبدو صغيرًا، وهو كبير جدًا، من باب توثيق جميع الأشياء في أرضنا العربية المبتلاة بعدو قبيح، على رأس مخططاته محو تراثها بالتدريج.. ولكن بينما الطاقية اليهودية (الكيباه) تخص أصحابها وحدهم فإن الكوفية الفلسطينية تخص العالمين.