رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السياسة والصراعات الدينية

هل جاءت الأديان لكى تؤجج الصراعات بين الإنسان وأخيه الإنسان باسم كل المسميات التبريرية؟ 
بالطبع لا؛ وذلك لأن الأديان جاءت وكانت بقدرة وسماح من الله سبحانه تعالى. وهذا يعنى أن التعددية الدينية أرادها الله لتأكيد حرية الاختيار التى سيحاسب عليها الإنسان. كانت لكى يكون هناك حوار موضوعى إنسانى، يؤكد تحاور الأديان وتكاملها تحت لواء عقيدة الإله الواحد الذى يعبده الجميع، حتى وإن اختلفت الأشكال وتباينت الأساليب لهذه العبادات. وهل هذه الصراعات كانت وليدة الأديان السماوية؟ لا. وذلك لما سجله التاريخ ومنذ البداية بأن الأديان كانت دائمًا محل استغلال مقيت لصالح تحقيق الذات، أو تحقيق المصالح، أو لتأكيد أفكار بعينها، وأيديولوجيات بذاتها. فقد أُعدم سقراط تحت عباءة الدين، ودفع المسيحيون ضريبة الدم فى مقابل عدم الاعتراف بآلهة الرومان، وقد تم التمثيل بجسد العالمة المصرية هيباتبا باسم المسيحية، وجاءت الحملات الصليبية تحت اسم الصليب والمسيح زورًا وبهتانًا، وقد تم الوصول إلى الأندلس سياسيًا باسم الإسلام.
إذن القضية لا علاقة لها بالأديان، ولكن هى تحقيق المصالح استغلالًا للدين، باعتبار أن الدين من أهم مكونات الشخصية، خاصة عندما يعتمد الاستغلال على النقل لا تفعيل العقل. كانت هذه المقدمة نظرًا لما نشاهده الآن من ظهور وسيطرة النظرة الدينية، بل قل الصراع الدينى حول القضية الفلسطينية، وما يحدث من حرب إبادة للشعب الفلسطينى باسم حق إسرائيل فى الدفاع عن نفسها، ولكن يتم التناسى والتغاضى عن حق شعب طرد من وطنه، ومورست ضده كل أنواع العذابات. 
هنا هل كان ذلك الانحياز المفضوح والمكشوف للدولة اليهودية للحفاظ على المصالح الاستعمارية لأمريكا خاصة والغرب عامة؟ نعم، لأن صنع إسرائيل لم يكن حبًا فى عيون اليهود الذين مورس ضدهم كل أنواع العذابات فى أوروبا والغرب، ولكن لزرع هذا الكيان فى أهم منطقة استراتيجية فى العالم التى كانت وما زالت محط أطماع كل أنواع الاستعمار دائمًا. ولكن إذا كانت هناك مصالح استعمارية فى تقوية إسرائيل بهدف السيطرة على المنطقة، ألا توجد مصالح لهم أيضًا لدى دول المنطقة، خاصة لدى تلك الدول التى تمتلك الطاقة والأموال المودعة فى بنوكهم، والتى هى عامل إنقاذ لاقتصادهم؟ هنا تكون المفاضلة بين مصالحهم مع إسرائيل أو مع العرب يسيطر عليها الجانب الدينى الذى له الأولوية، وذلك لاستغلال الدين تحت اعتقاد وتنفيذ العقائد الأسطورية التى تم تحويلها لعقائد دينية، مثل عقيدة الحكم الألفى ومجىء المسيح ليحكم ألف عام لكى يكون العالم لليهود. وهذا لا يتم بغير عودة اليهود لأرض الميعاد لبناء الهيكل المزعوم.
هنا لا بد من العودة إلى الحملات الصليبية التى جاءت بحجة حماية بيت المقدس، فإذا كان لهم حق حماية الأماكن المقدسة المسيحية، إذن يصبح من حق المسلمين الدفاع، وحماية المسجد الأقصى الذى يمثل قيمة دينية لديهم. 
هنا والأهم إذا كنتم قد جئتم لحماية بيت المقدس، فماذا حدث لمعتقد حماية بيت المقدس الذى جعلكم تجيشون الجيوش لحمايته، تتركونه الآن لليهود حتى يتم الاعتداء على كنائسه وأماكنه المقدسة ورجال الدين المسيحى؟! 
الأخطر، هل قضية استغلال الدين تقتصر على اتباع دين معين؟ لا، فكل أتباع الأديان وعلى مر التاريخ يستغلون الدين لتحقيق مصالح سياسية، ولذلك نرى تلك التى النظريات الاستعمارية التى تعتمد على هذا الاستغلال. فعند تصاعد الأصولية الإسلامية منذ ثورة إيران وجدنا تصاعد اليمين الأصولى المسيحى الأمريكى الذى صعد من عقيدة الحكم الألفى.. وجدنا نظرية هنتجنتون فى صراع الحضارات والثقافات والأديان تبريرًا مستقبليًا لما يريدون تحقيقه. فى ظل هذا المناخ وجدنا الرسوم التى تسىء للرسول تتكرر وتتصاعد.. وجدنا الاعتداءات على المسلمين فى الغرب على أرضية دينية... إلخ.. تلك الممارسات الطائفية والصراعاتية قد انسحبت على القضية الفلسطينية، فتحولت القضية إلى قضية إسلامية، بل الدفاع عن الإسلام فى مواجهة الغرب المسيحى الذى يساعد ويتضامن مع اليهود. هنا لا هذا صحيح، ولا ذاك حق. ولكن هو صراع بين القوى والضعيف. فتأجيج العاطفة الدينية هنا وهناك لا ينتج قوة على الأرض. ولكن الأهم مع تلك العاطفة هو التضامن والتوافق وإعداد العدة بتفعيل الإمكانات والضغط على القوى الاستعمارية بتهديد مصالحهم لدينا. ولا أعلم كيف نرى تلك المواقف المخزية من دول تحافظ على علاقات مع إسرائيل، بل تسعى إليها من موقع الضعف؟!
يا سادة هذا الطرح وتلك القاعدة يضعفان القضية ويحجمانها فى إطارها الدينى. مع العلم أن القضية هى إنسانية فى المقام الأول، فى إطار القيم الدينية عمومًا. هى قضية إسلامية ومسيحية «الدفاع عن الأماكن المقدسة». هى قضية عالمية لكل شعوب النخبة، للسلام، وللحق، والعدل، والمؤمنة بحل الشعوب فى الاستقلال. فلا تستغلوا الدين، بل اعتصموا بقيمه وأخلاقه، ودافعوا عن حقوقكم، فهى عدل باسم الدين والإنسانية، والقوانين الدولية التى لا تحترم غير القوى. فالأديان لا تتصارع، بل تتحاور وتتكامل، لأن هذه هى إرادة الله. 
حمى الله مصر وشعبها العظيم من كل المخططات التى تحيطها والتى تتطلب التوحد والتضامن حماية لوطن كل المصريين.