رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من مخلفات نكسة 67

أدى انتصار إسرائيل الحاسم في 5 يونيو 1967 إلى احتلال شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والقدس القديمة ومرتفعات الجولان السورية. وقد أصبح وضع هذه الأراضي لاحقًا نقطة خلاف رئيسية في الصراع العربي الإسرائيلي.
تقول دائرة المعارف البريطانية إن حرب الأيام الستة، وتسمى أيضا حرب يونيو أو الحرب العربية الإسرائيلية الثالثة أو النكسة، هي حرب قصيرة وقعت في الفترة من 5 إلى 10 يونيو من عام 1967، وكانت ثالث الحروب العربية الإسرائيلية.
كان مذيع إذاعة صوت العرب الشهير احمد سعيد الذي اشتهر وقتها بعبارات مثل "ليس لدينا أي شيء.. أي شيء مع إسرائيل سوى الحرب.. حرب شاملة، هدفنا هو تدمير الأسطورة الإسرائيلية التي تقول إن إسرائيل باقيةٌ هنا، كل واحد من بين المائة مليون عربي قد عاش مدة الـ 19 سنة الماضية على أملٍ واحدٍ ووحيد وهو: أن يموت ليعيش وأن يعيش ليموت في اليوم الذي يتم القضاء على إسرائيل".
ولا غرابة في أن الكثير من الإسرائيليين وأصدقائهم والمقربين منهم في الخارج كانوا يشعرون بخوف عارم.
وقد أقنعت البيانات التي كان يذيعها احمد سعيد، وحتى العبرية الركيكة التي كان تبثها الإذاعة المصرية من القاهرة موجهة نحو إسرائيل، الكثير من المدنيين الإسرائيليين أنهم يواجهون أعداء على أتم استعداد لمحقهم محقًا، فلا مفر لهم سوى القتال، والقتال بكل ما أوتوا من قوة.
وكانت المشكلة هي أن العرب أيضا صدقوا أحمد سعيد وأمثاله وأقنعوا أنفسهم بأن نصرا هناك سهلا يلوح في الأفق.
ولما وضعت الحرب أوزارها خلال ستة أيام، لم يكن الشعب المصري والشعب العربي، قد علما بحجم المأساة التي تعرضنا لها، فقد وصل الإسرائيليون إلى شاطئ القناة، وأوقفت الملاحة في قناة السويس، ثم ظهر الرئيس عبد الناصر وأعلن أنه سيتنحى على السلطة، لصالح زكريا محيي الدين، أحد رجال الثورة الذين زاملوه ليلة 23 يوليو 1952، كان الخطاب عاطفي ومؤثر، كتبه محمد حسنين هيكل في لحظات أسى وحزن بالغين. 
وقتها لم يكن أحد يعلم حجم الكارثة التي حلت بالجيش ولا بالبلاد، كان المشير عبد الحكيم عامر هو القائد العام للقوات المسلحة، والعقيد شمس بدران، هو وزير الحربية. 
ثم رشحت لنا الأنباء أن المشير عبد الحكيم عامر معتكف في بيته ومعه بعض قادة الجيش، وأن هناك مفاوضات تتم بينه وبين الرئيس عبد الناصر، ليستقيلا معا. 
كان تنظيم الاتحاد الاشتراكي العلني والتنظيم الطليعي السري متغلغلا بين رجال الحكم والسلطة وكبار الشخصيات في الدولة، كان هذا التنظيم بمثابة الغطاء السياسي لجمال عبد الناصر ورجال يوليو، فما إن أعلن عبد الناصر تنحية بطريقته المؤثرة، حتى خرجت الآلاف في اليوم التالي إلى ميدان التحرير، لتعلن رفضها قرار التنحي، وبدأت وفود المحافظات المنظمة والقادمة من المحافظات والأقاليم تصل لميدان التحرير، وتقف في المكان المخصص لها، وكان كل شيء منظما ومرتبا معد سلفًا، بدءًا من الإعاشة والأكل والشرب، وتنظيم الهتافات، ودقة اللافتات، حتى ترتيب عودة الناس لبيوتهم. 
كانت خطة محكمة لرد الاعتبار للفشل، صنعتها الهزيمة. واعتبرها البعض نوعًا من الاستفتاء، خاف زكريا محيي الدين من غضب الشعب، فأعلن رفضه قرار الرئيس، وسرعان ما عاد الرئيس للحكم وتخلي عن قراره. 
ثم بدأت الأخبار تتوالى عن محاولة المشير الاستيلاء على الجيش والحكم، وتم اقتحام منزل المشير، ثم أُعلن عن انتحاره، كانت فكرة الانتحار بالغة الذكاء رتبها ونظمها رجال ثورة يوليو للقضاء على فكرة الخلاف، ولتكريس السلطة في يد عبد الناصر. وانتظر الشعب نتائج المحاكمات التي أمر بتشكيلها عبد الناصر لقادة القوات الجوية وحدهم دون باقي أفرع القوات المسلحة، وحتى الآن لا نعلم لماذا حوكم رجال القوات الجوية دون غيرهم. ثم أعلنت الأحكام الهزيلة، التي صدرت على قادة الطيران، وظهرت أول انتفاضة شعبية ضد عبد الناصر لتعلن رفضها الصريح للحكام وللحكم. 
غير أن تلك الانتفاضة قوبلت بحسم، واحتواها التنظيم السياسي القوي، وتمت التعمية على ما حدث للجيش، وتم اختصار ما حدث في كلمة نكسة، للتغطية والتبسيط، وأعلن عن استفتاء شعبي على مشروع من عدة نقاط، أولها إزالة آثار العدوان، وظهر عبد الناصر في أول مناسبة للنكسة يونيو 1968قائل: "في الوقت الذي قامت إسرائيل فيها بعرض المدافع والدبابات والأسلحة التي استولت عليها من مصر، في شوارع القدس، فإن الموكب الصامت الزاحف إلى صناديق الاستفتاء أقوى من هدير 600 دبابة في شوارع القدس".
ثم ظهر الخلاف الفلسطيني الأردني، والذي حاول فيه الملك حسين طردهم من بلاده، بعد أن شعر أنهم يتآمرون عليه، وحاول عبد الناصر احتواء الموقف. ولكن الرجل مات في 28 سبتمبر 1970بعد وداع أمير الكويت في المطار، وكان آخر المغادرين من الرؤساء والملوك الذين حضروا مؤتمر القمة الذي عقد في القاهرة من أجل رأب الصدع بين الفلسطينيين والأردنيين، وكان ياسر عرفات هو النجم الذي بدأ يبزغ. 
وهناك من يري أن عبد الناصر مات بالفعل في 5 يونيو 1967، ولكنه كان يحاول من أجل البقاء.