رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تصعيد تحت السيطرة.. هل يدخل «حزب الله» على خط الحرب الإسرائيلية فى غزة؟

غزة
غزة

رغم انشغال إسرائيل بالحرب على قطاع غزة، فإن قلق المنظومة الأمنية الإسرائيلية ينصب أكثر على الساحة الشمالية، حيث يرتفع التوتر على الحدود اللبنانية الإسرائيلية بعد إطلاق صواريخ من لبنان، والرد الإسرائيلى باستهداف مواقع إطلاق تلك الصواريخ.

ومع التوتر على الجبهة الشمالية، فإن مخاطر توسع الحرب الإسرائيلية ودخول «حزب الله» اللبنانى على خط التصعيد فى قطاع غزة لا يزال واردًا، ما يستدعى مناقشة فرص تمدد الصراع إلى لبنان، والأسباب وراء ضبط النفس المستمر حتى الآن من الجانبين، رغم التوترات المستمرة بينهما. 

خلاف إسرائيلى أمريكى على فتح جبهة الشمال رغم دعوات الصقور فى الجيش

فى الوقت الذى تعلن فيه الولايات المتحدة وإسرائيل عن كونهما جبهة واحدة، فإن هناك خلافات كثيرة تدور وراء الكواليس، منها ما كشفت عنه تقارير مختلفة من أن واشنطن تعمل فى قنوات تواصل إضافية لكبح جماح «حزب الله» اللبنانى، وأن مسئوليها طلبوا خلال سلسلة اللقاءات فى الشرق الأوسط مع نظرائهم العرب تمرير رسالة تحذير إلى «حزب الله».

فى الوقت ذاته، فإن اللقاءات بين رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو، وأعضاء اللجنة الوزارية المصغرة، «الكابينت» الحربى، عبّرت عن تخوفات إسرائيل من التطورات فى الشمال، كما نشبت عدة خلافات بين المسئولين الإسرائيليين حول طريقة التعامل مع الجبهة الشمالية. 

ومن جانبه، رأى وزير الدفاع الإسرائيلى يوآف جالانت، أنه يجب تركيز الجهد العسكرى الإسرائيلى على «حزب الله»، لأنه «تهديد أكبر من حماس».

فيما أفاد تقرير للصحفى الإسرائيلى المتخصص فى شئون الاستخبارات رونين بيرجمان، نشر فى صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، بأن «جالانت» كان يدفع ضد «حزب الله» فى الأسبوع الثانى من الحرب، وكانت خطته تقتضى أن يكون الدخول البرى إلى غزة تمويهًا للقيام بضربة واسعة فى الشمال، إلا أن جهات إسرائيلية أخرى رفضت الاقتراح، وعلى رأسها نتنياهو، الذى رفض بدء هجوم واسع فى الشمال.

وحسب مسئولين أمريكيين وإسرائيليين تحدثوا مع «نيويورك تايمز»، فإن نتنياهو دعم ضربة محدودة ضد «حزب الله»، رغم موقف «جالانت» وعدد من القيادات العسكرية. فى المقابل، فإن الموقف الأمريكى من توسيع الجبهة إلى الشمال كان واضحًا، إذ تعارض واشنطن فتح جبهة جديدة مع لبنان، وتحاول منع ذلك، بل وحذر الرئيس الأمريكى جو بايدن، أثناء لقائه مع «الكابينت الحربى» الإسرائيلى من فتح هذه الجبهة.

وأوضحت «نيويورك تايمز» أن «بايدن» أكد أن الولايات المتحدة تؤيد إسرائيل بصورة كاملة، وتساعدها فى الحرب، ومن ضمن ذلك إرسال حاملتى الطائرات وإقامة جسر جوى من العتاد وقطع الغيار، مع الدعوة العلنية إلى تدمير حكم حركة «حماس» الفلسطينية، لكنه أيضًا وضع قيودًا دعا فيها إسرائيل إلى عدم احتلال قطاع غزة، وأرسل رسالة أمريكية ضمنية مفادها «لا تفتحوا جبهة ثانية فى لبنان كى لا نصل إلى حرب إقليمية من دون التخطيط لها».

وأشارت إلى أن زيارة «بايدن» إلى إسرائيل مثلت ضوءًا أحمر لـ«حزب الله» حتى لا يتدخل فى الحرب، لافتة إلى أن واشنطن ما زالت تتخوف من صقور «الكابينت الحربى»، ورغبتهم فى توسيع القتال إلى لبنان ما قد يجر إيران والولايات المتحدة إلى الحرب.

حاملتا الطائرات والوضع الاقتصادى.. تحديات تقلص تدخلات الحزب

فى المقابل، ورغم مساعى «حزب الله» المستمرة لمضايقة إسرائيل فإنه لا يملك أفضلية حاليًا للدخول إلى الحرب لعدة أسباب، أولها أنه يفتقد حاليًا إلى عنصر المفاجأة، الذى سبب النجاح لهجوم «حماس» على إسرائيل يوم الـ٧ من أكتوبر الجارى، بعدما فوجئت المنظومة الدفاعية فى الجيش الإسرائيلى، ومن دون أى إنذار استخباراتى، بالهجوم.

وحاليًا، يختلف الوضع فى الجبهة الشمالية، حيث أعلن الجيش الإسرائيلى عن حالة التأهب القصوى على الحدود، ونقل قوات كثيرة إلى هناك، وأجرى الاستعدادات للحرب، ما أفقد «حزب الله» القدرة على استخدام ميزة المفاجأة.

أما السبب الثانى، وربما الأهم، فهو التحرك الأمريكى فى الشرق الأوسط لدعم إسرائيل، حيث توجهت حاملتان للطائرات، مع ٢٠٠ طائرة حربية، نحو البحر المتوسط، بهدف ردع «حزب الله» وإيران عن المشاركة الكاملة فى الحرب بين إسرائيل و«حماس».

ويرى الأمريكيون أنهم لن يهاجموا لبنان بالضرورة إلى جانب الجيش الإسرائيلى، لكن هناك أهمية لإظهار التأييد والتهديد، خاصة فى حال وجدت إسرائيل نفسها فى حرب متعددة الجبهات، كما أن الوجود يجعل الولايات المتحدة قادرة على المشاركة فى الهجوم، أو تحذير لبنان وإيران معًا من مغبة استخدام قوة هائلة. والسبب الثالث هو الورطة التى يعانى منها «حزب الله» فى لبنان، بسبب تدهور الوضع الاقتصادى، ما يجعل من المشكوك فيه أن يتورط التنظيم فى حرب مع إسرائيل تجعله عرضة للانتقاد من اللبنانيين.

وفى هذا الإطار، تشعر الحكومة اللبنانية، التى يسيطر عليها «حزب الله» إلى حد بعيد، بالقلق إزاء إمكانية نشوب حرب فى الشمال تؤدى إلى تدمير البنى التحتية للدولة التى تعانى من وضع اقتصادى صعب للغاية، كما صرح رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتى بأنه لا مصلحة للبنان فى دخول المغامرة وفتح جبهة إضافية فى مواجهة إسرائيل.

اتفاق ضمنى على التصعيد المحدود وضبط النفس لتجنب المواجهة الشاملة

فى الوقت ذاته، كلما ازداد احتمال دخول القوات الإسرائيلية إلى قطاع غزة تصاعدت حساسية الوضع على الحدود مع لبنان، فبعد أن بدأ لبنان بمجرد مناوشات قليلة فى الأيام الأولى للحرب انتقل «حزب الله» حاليًا إلى مخطط الهجمات «المحدودة» لكن بشكل شبه يومى، كما استعد الجيش الإسرائيلى من جانبه للمواجهة عن طريق زيادة عدد الصواريخ يوميًا. 

وفى ظروف عادية، كانت إسرائيل ستبادر إلى شن حرب شاملة على لبنان، ردًا على هجمات «حزب الله»، التى تشمل قذائف مدفعية ومضادة للدبابات وصواريخ، لكن حتى الآن ترد إسرائيل بقصف مدفعى وهجمات جوية على طول الحدود، وتطارد الخلايا التى تحاول التسلل، وهو ما يعنى أنها غير معنية بفتح جبهة فى الشمال.

فى المقابل، وحتى الآن، لم يتحدث «حزب الله» علنًا عن محاولاته التسلل إلى إسرائيل، لأنه يريد المحافظة على «لعبة المعادلة» والبقاء تحت عتبة الحرب الشاملة.

ويمكن الافتراض أن السبب الذى يدفع بإسرائيل إلى ضبط النفس هو رغبتها فى التركيز على الحرب فى قطاع غزة، بينما يحاول «حزب الله» ردع إسرائيل عن القيام بتوغل برّى واسع النطاق فى شمالى غزة، ويحاول إلهاء الجيش الإسرائيلى وتشتيته من الجبهة الشمالية حتى تخف الضربات على القطاع.

وإسرائيل من جانبها ترى أنها مستعدة لتلقى الضربات والاكتفاء بتبادلها، مع القيام بردود على طريقة «البينج بونج»، من دون استخدام كامل قوتها العسكرية فى الشمال، كى تستطيع التركيز على غزة.

ولكن، حتى لو كان الطرفان غير معنيين بفتح جبهة كبيرة فإن الوضع لا يزال حساسًا للغاية، لأن هناك احتمالًا كبيرًا لحدوث خطأ فى الحسابات يؤدى إلى اندلاع حرب متعددة الجبهات بين إسرائيل من جهة و«حماس» و«حزب الله» والميليشيات الإيرانية فى المنطقة من جهة أخرى، ما يدفع نحو حرب إقليمية، ويضع الكرة فى ملعب إيران، التى ستقرر وقتها ما إذا كانت مستعدة للمخاطرة والدخول فى مواجهة عسكرية غير مباشرة أم لا.