رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جيشنا قوة رشيدة.. تبنى وتحمى ولا تعتدى

على امتداد البصر، وفي منطقة شاسعة من أرض السويس، اصطفت الفرقة المدرعة الرابعة، أحد تشكيلات الجيش الثالث الميداني، وقد اختفت معالم الأرض من تحت أقدام رجالها أبطال القوات المسلحة ومعداتهم واسلحتهم، وتماهى لونها الرملي مع ألوان هذه المعدات.. وقف رجالنا الأبطال، أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة، وأمام كبار قياداتها، باستعدادهم العالي، وانضباطهم الذاتي، وروحهم المعنوية التي تكاد تصل عنان السماء، وهم يصطفون في عزة وشموخ، متأهبين ومستعدين لتلبية نداء الوطن، متى تطلبت الضرورة ذلك.. فكل سجلات التاريخ، وأدبيات الزمان تحكي، أن الضعف دعوة صريحة للعدوان، وأن القوة المستندة للحق والعدل، هي الضمان الوحيد لتحقيق السلام.. وقد أثبتت حرب السادس من أكتوبر عام 1973، أن حقوق الشعوب لا يمكن أن تسقط بالتقادم أبدًا، فكان انتصارنا مدويًا، ثم شرعنا في تحقيق السلام، الذي اعتبرناه خيارنا الاستراتيجي، إيمانًا منا بأحقية الشعوب في العيش بأمن وأمان، لكن هذا المنحى الذي سلكناه، لم يقف، ولن يقف، عائقًا أمام تعظيم قدراتنا وترسيخ عقيدة انتباهنا.
ما جرى اليوم على أرض الفرقة المدرعة الرابعة، يدعو للفخر، ونحن نتحدث عن تشكيل من بين عدة تشكيلات للجيشين الثاني والثالث، بخلاف ما هو موجود في المنطقة المركزية والغربية والشرقية والجنوبية، وكلها تشكيلاتـ والحمد للهـ على مستوى راقٍ ورائع على كل المستويات.. إلا أن الرئيس السيسي يؤكد دومًا أنه، مهما امتلكنا من قوة، فلابد أن تكون رشيدة وحكيمة، تبني وتصون، تحمي ولا تعتدي.. ومن المهم أن نتسلح بالعلم والمعرفة، واستيعاب النظريات الحديثة، حتى نكون قادرين على استيعاب التقدم الذي يحدث في مجالات التفوق والتطور، الذي تشهده المعدات والأسلحة الحديثة، متسلحين في نفس الوقت وبالتزامن مع القوةـ بالإيمان، الذي يعني الخُلق والنزاهة والشرف وعدم الخيانة والتآمر.. فهذا هو السبيل الحقيقي لامتلاك قوة لا تُقهر، لأنها ستكون قوة مدعومة بأسباب الدنيا وبأسباب السماء، فدعم الله، سبحانه وتعالى، هو الذي يجعلك تتعامل مع كل الأمور بشرف، دون غدر وخيانة وخسة.
رسالة قوية، حملتها كلمة الرئيس السيسي في هذه المناسبة، والتي لم تكن موجهة فقط لأبنائه من الجنود والضباط، بقدر ما هي رسالة عامة لكل من يهمه الأمر، وعكستها عروض الأسلحة التي خاض بها الجيش المصري معركته في حرب أكتوبر، وحقق من خلالها انتصاره المذهل، رغم تواضع إمكاناتها، بالقياس إلى ما لدى مصر الآن، فكان هذا الانتصار عبورًا من حالة اليأس إلى الأمل، من الإحباط إلى الفخر، ومن الهزيمة إلى النصر.. تضحيات قدمتها مصر والقوات المسلحةـ نتذكرها كل عامـ لتحقيق ما سبق.. وبعد خمسين عامًا، كان من المهم استخلاص الدروس والعبر، ونستمر على هذه الوتيرة، ونحن نتحدث اليوم عن الأمن القومي وضرورة الحفاظ عليه، وهو الدور الأصيل والكبير للقوات المسلحة، حماية الحدود المصرية وتأمين الأمن القومي المصري ومصالح مصر.
من تلك الرسائل أيضًا، أن مصر لم تكن، عبر تاريخها القديم والحديث، تتجاوز حدودها، بل إن كل أهدافها، الحفاظ على ترابها وأرضها، دون أن تُمسّْ، وهذا معناه أن الجيش المصري، وبقوته ومكانته وقدرته وكفاءته، له هدف واحد، حماية مصر وأمنها القومي، دون تجاوز.. وفي ظل الظروف الحالية في المنطقةـ والكلام للجميعـ من المهم جدًا استخدام القوة والقدرة التي تمتلكها، بتعقل ورشد وحكمة، وألا تطغى، أو يتملكك الطغيان، أو تسيطر عليك الأوهام جراء هذه القوة، "إن ما نمتلكه هو للدفاع عن أنفسنا وحماية بلدنا، وأن نتعامل مع الظروف، بعقل ورشد، وبصبر أيضًا.. وإياك والغضب، أو أن يدفعك الحماس إلى التجاوز.. إياك وأوهام القوة، وانتبه إلى أن تدفعك هذه الأوهام إلى اتخاذ قرار أو الإقدام على إجراء، قد يجعلكـ فيما بعدـ تقول بأنك لم تدرس هذا الأمر جيدًا.. كنت مدفوعًا بغضبي، وبحماس زائد عن الحد".
تُرى، هل وجّه الرئيس السيسي كلامه هذا للعسكريين والمدنيين من أجل مصر، أم أنها نصائح وكلمات تحذير إلى كل من اغترَّ بأوهام القوة، وسيطرت عليه غطرسة البطش؟.
الحقيقة، كانت نصائح تربوية للمصريين، تحذيرية للذين يسعون في الأرض فسادًا، بدليل، أنه عكف مباشرة إلى الحديث عن التطورات الحادثة في قطاع غزة الآن، حينما أكد أن مصر تقوم بدور إيجابي لاحتواء التصعيد، ومحاولة تهدئة الأمور، والوصول إلى إنهاء هذا الصراع ووقف إطلاق النار بشكل أو بآخر.. و"في نفس الوقت، نسعى جاهدين إلى التعاون مع الأشقاء والأصدقاء والشركاء، حتى نحقق هدفين: احتواء التصعيد، وأيضًا مساندة المدنيين في قطاع غزة، بالمساعدات، الذين هم في حاجة ماسة إليها، في ظل انقطاع المياه والكهرباء وانعدام الطاقة، وكذلك توفير الأدوية للقطاع الطبي والغذاء وكافة المواد الإغاثية المطلوبة.. نقوم بجهد كبير جدًا من أجل التخفيف عن أهلنا في قطاع غزة".
ومثلما كنا في كل مناسبة، بذلنا الجهد لتقليل المعاناة على أهل القطاع.. فقد وقعت في العشرين عامًا الماضية، خمس جولات من الصراع بين إسرائيل والفصائل في قطاع غزة، وكان دور مصر إيجابيًاـ في كل مرةـ لاحتواء التصعيد وتهدئته وتخفيف آثاره.. و"في كل مرة، كنا نؤكد على حل القضية الفلسطينية من خلال الحل الدبلوماسي وحل الدولتين، الذي يعطي الأمل للفلسطينيين، ويُوجِد لهم دولة على الأراضي التي احتُلَت عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.. وفي نفس الوقت، أن يكون حلًا يراعي الأمن، لكل من الشعب الفلسطيني والشعب الإسرائيلي".
●● وبعد..
فقد ادعى بعض الدوائر، أنه لا يوجد أي داعٍ لعقد صفقات أسلحة حديثة للجيش المصري، باعتبار أنه توجد اتفاقية سلام مع إسرائيل.. وتناست هذه الأطراف أن تسأل نفس الأسئلة للأطراف الإقليمية الأخرى، التي تطور ترساناتها العسكرية بوتيرة متصاعدة، مع فشل كل الترتيبات الأمنية واتفاقات نزع أسلحة الدمار الشامل، التي تمت محاولة التوصل إليها في المنطقة.. يُضاف إلى ذلك، إغفال هؤلاء المنتقدين الأخطار المُحدقة بالأمن القومي المصري من الغرب والجنوب والشمال والصراع على حقول الغاز.. إن التطورات الإقليمية الحالية، وتبني بعض اللاعبين الإقليميين سياسات توسعية قائمة على التدخل العسكري في الدول المجاورة، والصراع على مصادر الطاقة، واستخدام ميليشيات مسلحة لإسقاط بعض الدول؛ يضع صانع القرار في مصر أمام ضرورة تعظيم القوة العسكرية لحماية الأمن القومي المصري، والحفاظ على عجلة التنمية.
إن الدعوة للتخلي عن الإنفاق العسكري بدعوى توجيهه إلى أنشطة تنموية، تنم عن فكر سياسي ساذج أو مغرض، أو بحسب وصف الأكاديمي، هيدلي بول، "فكر فاسد لا يصلح للتعامل مع حقيقة العلاقات الدولية وآلياتها".. وعلى ذلك، فالتوقف عن بناء القدرات العسكرية المصرية لن يؤدي إلى زيادة التنمية، بل إلى دعوة آخرين للسيطرة على مقدرات الدولة الاقتصادية.. إن مصر تحتاج إلى فترة من الاستقرار، تكون فيه قادرة على تحييد الأخطار الإقليمية للتركيز على عملية البناء الداخلي والتنمية، ونرى أن هذا الاستقرار لن يتأتى إلا بقدرات عسكرية كبيرة تعمل كرادعٍ لأي محاوله تهدف إلى تعطيل عملية التنمية.
ولعل أهمية بناء القدرات العسكرية أمر لا يحتاج إلى التوضيح في حسابات صانع القرار في مصر، إلا أنه من الضروري، في هذه المرحلة، تحويل هذه الرؤية الواضحة، إلى سياسات إعلامية تخاطب الرأي العام بصورة علمية، وألا يُترك لدوائر إعلامية تحاول إقناعه بأن القدرات العسكرية للجيش المصري تتعارض مع التنمية، وتتحقق على حساب أوضاعه الاقتصادية.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.