رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عبرت المساعدات.. وفرضت مصر إرادتها

 تعلقت أعين الفلسطينيين في غزة على معبر رفح، أملًا في وصول المساعدات الإنسانية، بعد أيام طويلة من حصار تفرضه إسرائيل، التي ما زالت تستعد لهجوم بري وتواصل قصفها للقطاع، في أعقاب هجوم حماس المباغت الذي بدأ في السابع من أكتوبر الجاري، في ظل انتظار قوافل المساعدات الإنسانية التي انتظرت دخول هذا الجيب الصغير الذي يعيش فيه 2.4 مليون فلسطيني، وازداد الأمل، عندما قام سلاح المهندسين في قواتنا المسلحة بإجراء بعض الإصلاحات لبوابة المعبر، الذي يقع أقصى جنوب قطاع غزة. وقام الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيرش، المعبر لإعلان تدفق المساعدات من الجانب المصري لرفح إلى قطاع غزة، على خلفية اتصال هاتفي بين الرئيس عبدالفتاح السيسي، والرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي ركز على الوضع الإنساني في قطاع غزة، الذي أوضح فيه الرئيس السيسي أهمية البدء الفوري لدخول المساعدات، وبشكل مستدام، مع قيام الجهات المعنية في الدولتين بالتنسيق مع المنظمات الإنسانية الدولية، تحت إشراف الأمم المتحدة، لتأمين وصول هذه المساعدات، وأعرب خلاله الرئيس بايدن، عن الشكر والتقدير لجهود القيادة المصرية نحو تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.
وعبر معبر رفح البري، فرضت مصر إرادتها في إدخال مستلزمات طبية وأدوية وأغذية وخلافه، إلى قطاع غزة، الذي يتعرض لعدوان إسرائيلي متواصل منذ خمسة عشر يومًا، أدى إلى نزوح نحو مليون مواطن، وتدمير البنية التحتية بشكل كامل، وانهيار في المنظومة الصحية، فيما يتجاوز، حتى كتابة هذا المقال، 77 شاحنة، بعد أن وجه الرئيس عبدالفتاح السيسي، منذ اللحظة الأولى لاندلاع الاشتباكات، بتكثيف اتصالات مصر مع جميع الأطراف ذات الصلة، وكانت ـ أي مصر ـ على اتصال مباشر مع الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، وكذلك الأطراف الإقليمية والدولية منذ السبت الموافق السابع من أكتوبر الحالي، حتى الآن، سواء على مستوى الرئيس السيسي أو وزارة الخارجية والجهات المعنية.
وحذرت مصر، في بيان صادر عن وزارة الخارجية، من مخاطر وخيمة للتصعيد الجاري بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، في أعقاب سلسلة من اعتداءاتها ضد المدن الفلسطيني، إذ دعت مصر إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، وتجنب تعريض المدنيين للمزيد من المخاطر، محذرةً من تداعيات خطيرة نتيجة تصاعد حدة العنف، الأمر الذي من شأنه أن يؤثر سلبًا على مستقبل جهود التهدئة.. وأكد وزير الخارجية، سامح شكري، ضرورة إنفاذ المساعدات الإنسانية إلى القطاع في أقرب وقت، مشددًا على أن توفير المواد الإغاثية ضرورة لا غنى عنها، في ظل الأوضاع المؤسفة الراهنة، ومشيرًا إلى إن هناك خطة تحرك جاهزة للبدء في إنفاذ المساعدات إلى القطاع، فور إزالة الجانب الإسرائيلي العوائق أمام عمل المعبر.
ولأن الجميع يعلم قيمة الدور المحوري الذي تضطلع به مصر، خصوصًا في مثل تلك الظروف، فقد تلقى الرئيس عبدالفتاح السيسي اتصالًا هاتفيًا من أنطونيو جوتيريش، سكرتير عام الأمم المتحدة، الذي أعرب عن حرصه على مواصلة التشاور مع الرئيس السيسي بشأن مستجدات التصعيد في قطاع غزة والمواجهات العسكرية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، في ضوء التطورات المتسارعة التي تمثل تهديدًا للاستقرار الإقليمي، وقد استعرض الجانبان الاتصالات والتحركات الدائرة على المستويين الدولي والإقليمي، للحث على استعادة التهدئة وخفض التوتر، مؤكدين أهمية تجنب توسيع دائرة الصراع، وإتاحة المجال للجهود الدبلوماسية، لحماية المدنيين ومنع تفاقم الأوضاع الإنسانية المتدهورة، وفي هذا السياق تقدم السكرتير العام بالشكر للرئيس على الجهود التي تقوم بها مصر، ودورها المُقدَّر على صعيد بذل المساعي لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية لقطاع غزة.
وانطلاقًا من قوة الإرادة المصرية، ومعرفة القيادة السياسية بأهمية أنت تضع خصمك في مواجهة الأزمة، أعلنت مصر أنها ترفض مرور رعايا أمريكيين من معبر رفح، من غزة إلى مصر، إلا باتفاق يلتزم بوصول المساعدات إلى أهالي غزة، ورفضت أن يكون معبر رفح مخصصًا لعبور الرعايا الأجانب فقط، مؤكدًة أن الموقف المصري واحد، وهو اشتراط وصول المساعدات إلى قطاع غزة، وقد أكد شهود عيان، أن رعايا أمريكيين وقفوا وقتًا طويلًا أمام المعبر، في انتظار العبور للجانب المصري، إلا أن مصر لم توافق ليعود الرعايا الأمريكيين، ونجحت الجهود المصرية في فتح معبر رفح لدخول المساعدات الإنسانية المصرية والدولية للشعب الفلسطيني، حيث بدأت السبت الماضي، دخول أولى قوافل الإغاثة إلى قطاع غزة، وذلك بالتأثير على الموقف الدولي والأمم المتحدة، حيث عبرت نحو عشرين شاحنة من خلال البوابة الرئيسية لمعبر رفح، حيث الأولوية للشاحنات المحملة بالمستلزمات الطبية والغذائية، وسط فرحة عارمة من قبل عمال الإغاثة، وسائقي الشاحنات.
لقد قامت الدولة المصرية، خلال وقت وجيز، بتجهيز وإعادة إصلاح الطريق عند معبر رفح من الجانب الفلسطيني، تمهيدًا لإدخال المساعدات لقطاع غزة، بعد جهود حثيثة بذلتها القيادة المصرية برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وبالتنسيق الكامل مع الأطراف المعنية.. ونحقق الوعد الذي قطعه الرئيس السيسي على نفسه، بأن الدولة المصرية جاهزة لنجدة أشقائنا في الزمن الذي تتطلبه (مسافة السكة).. مصر فرضت إرادتها سياسيًا وإنسانيًا لإدخال المساعدات قطاع غزة.. والبقية تأتي.
إن دخول المساعدات الإنسانية المصرية والدولية إلى قطاع غزة، يؤكد نجاح جهود الدبلوماسية المصرية في فرض إرادتها، ويأتي انتصارًا للإنسانية في المقام الأول، وهنا، يحب أت نتقدم بالتحية أيضًا لأعضاء التحالف الوطني للعمل الأهلي والتنموي والمؤسسات الشريكة، على الجهود الكبيرة التي جرى بذلها خلال الأيام الماضية من أجل تجهيز الشاحنات، بالإضافة إلى أن تلك المؤسسات رابطت على المعبر لأيام بثابت قوي، انتظارا لفتح المعبر، ولهذا مقال آخر.
لقد دعت مصر جميع الدول والمنظمات الإقليمية والدولية الراغبة في تقديم مساعدات إنسانية وإغاثية إلى الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، تخفيفًا عنه واستجابةً لمعاناته نتيجة القصف الإسرائيلي العنيف والمتواصل، إلى إيصال تلك المساعدات إلى مطار العريش الدولي، الذي تمَّ تحديده من جانب السلطات المصرية لاستقبال المساعدات الإنسانية الدولية من الأطراف والمنظمات الدولية المختلفة، وأكدت أن المسئولية الإنسانية والقيم الأخلاقية العالمية، تحتم على أصحاب الضمائر الحية في كل بقاع العالم، أن تبادر بتقديم الدعم الإنساني للشعب الفلسطيني الذي يعاني من مخاطر جمة في الوقت الراهن.
وبخلاف ما تم تداوله من معلومات غير دقيقة لا تمت للواقع بصلة، أكدت مصر أن معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة مفتوح للعمل، ولم يتم إغلاقه في أي مرحلة منذ بدء الأزمة الراهنة، إلا أن تعرض مرافقه الأساسية على الجانب الفلسطيني للتدمير نتيجة القصف الإسرائيلي المتكرر، حالت دون انتظام عمله بشكل طبيعى، وهو ما دعا مصر لمطالبة إسرائيل بتجنب استهداف الجانب الفلسطيني من المعبر، كي تنجح جهود الترميم والإصلاح بشكل يؤهله للعمل كمعبر وشريان للحياة لدعم الأشقاء الفلسطينيين في القطاع.
مصر لا تتحدث بقدر ما تفعل، ودائمًا يسبق عملها قولها، وذلك شرف الدولة المصرية، وأمانة القيادة السياسية، التي تعرف حق الأشقاء، وتُسرع لنجدتهم.. على قدر، مسافة السكة.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.