رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مجزرة المستشفى

 في كل الحروب، هناك قواعد إنسانية، تراعيها الدول المتحاربة، فيما بينها. فلا تقوم أبدًا بضرب المستشفيات ولا قتل النساء ولا الأطفال. ولأن إسرائيل دائمًا تخرج على القواعد الإنسانية، فتفعل كل تلك الموبقات، بدون أن يهتز لها جفن. 
كسر المحتل الإسرائيلي كل الأعراف والمواثيق والقوانين الإنسانية، وقتل المرضى والمواطنين الآمنين من المرضى والنساء والأطفال في كل مكان بقطاع غزة.
فقد أقدمت طائرات المحتَل الإسرائيلي بعد السابعة مساءً السابع عشر من أكتوبر 2023 على الإغارة وبشكل عنيف جدًا على حي الزيتون والشجاعية بغزة، ثم عاودت الطائرات الحربية مرة أخرى، بغارة قوية جدًا لكنها استهدفت هذه المرة ساحة مستشفى المعمداني، وهو ما يعرف بمستشفى الأهلي العربي، ويقع في منطقة سكنية في حي الزيتون بقطاع غزة، وتحيط به كنيسة القديس برفيريوس ومسجد الشمعة ومقبرة الشيخ شعبان. يتبع المستشفى - وهو من أقدم مستشفيات غزة - الكنيسة الأسقفية الأنجليكانية في القدس. 
تم تأسيس مستشفى المعمداني في عام 1882، على يد البعثة التبشيرية التي كانت تابعة لبريطانيا وقت احتلالها لفلسطين. وتعتبر الكنيسة المعمدانية واحدة من ثلاث كنائس للمسيحيين بغزة، وهي كنيسة القديس برفيريوس والكنيسة اللاتينية. 
تعرض مستشفى المعمداني خلال تاريخه لضربات كثيرة. أثناء الحرب العالمية الأولى تعرض للتدمير والقصف، لكن أعيد بناؤه ثانية في عام 1919، وأطلق عليه اسم المستشفى الأهلي العربي.
عند انتهاء حقبة الانتداب البريطاني على فلسطين، وضعت غزة تحت الإدارة المصرية عام 1948، قررت البعثة التبشيرية الإنجيلية التابعة لإنجلترا إقفال أبواب المستشفى، لكن البعثة المعمدانية تكفلت به وبإدارته. 
وفي أواخر الأربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، نشب خلاف حول ملكية المستشفى عقب إلغاء الإدارة المصرية قانون الوقف الأهلي في غزة، ما عرض ممتلكاته وأراضيه لخلاف على الملكية. غير أن المشرفين على المستشفى استمروا في تقديم الخدمات للمرضى. وفي مرحلة الاحتلال الإسرائيلي للقطاع عام 1967، تم تشييد طابق ثانٍ ليضم مكتبًا ومختبرًا وثلاث غرف خصصت لأغراض علاجية متنوعة. كما قدمت إدارة المستشفى خدمات تدريب للطلاب المحليين واعتمدتهم فنيين بالمختبرات، بالإضافة إلى تأسيس أول وحدة علاج طبيعي بالقطاع. والذي كان قد استقبلَ طوال فترة القصف الإسرائيلي لغزة، منذ السابع من أكتوبر العام الحالي، والذي لا يزال مستمرًا حتى اليوم، مئات النازحين المدنيين بالإضافة إلى مئات آخرين من المرضى والجرحى وغيرهم. كانت الضربة الجوية الإسرائيليّة قوية جدًا، وأظهر مقطع فيديو انتشرَ على وسائل التواصل الاجتماعي وبثته قنوات عربية ودوليّة، حجم الغارة التي طالت المستشفى. وما أعقبها من انفجار ضخم هزّ كامل المناطق المحيطة بموقع الضربة، فضلًا عن ألسنة اللهب التي لم تهدأ طوال الليل. 
كان من الواضح أنّ الضربة قوية جدًا وأنها استهدفت وبشكل متعمّد مستشفى المعمداني وسط مدينة غزة المعروفة إحداثياته أساسًا لدى قوات الاحتلال الإسرائيلي. سارعت سيارات الإسعاف لموقع المذبحة التي ارتكبتها إسرائيل وحاولت التعامل مع الضحايا على قيدِ الحياة تاركةً الجثث ملقاة في جميعِ الأماكن لعدم قدرة الإسعاف الفلسطيني على التعامل مع كلّ هذا العدد من ضحايا الإرهاب الصهيوني. 
أشارت التقديرات الأولية إلى مقتل ما بين 200 إلى 300 مدنيٍّ فلسطيني في القصف الإسرائيلي الذي تعمَّد استهداف مستشفى المعمداني الممتلئ عن آخره بالمدنيين النازحين وبضحايا الغارات الإسرائيليّة. 
تصاعدَ عدد الضحايا بشكل كبير بسبب الموقع المستهدَف وعدد المدنيين ممن كانوا داخله، حيث أعلنت وزارة الصحة في غزة في مؤتمر صحفي في المستشفى من بين جثامين الشهداء عن «استشهاد أكثر من 500 فلسطيني في قصفِ الاحتلال لمستشفى الأهلي المعمداني»، وما عقّد الأمور أكثر هو انقطاع الكهرباء بشكل كامل عن مستشفى الشفاء بسببِ الحصار الإسرائيلي وهو المشفى الذي وصل له العشرات من ضحايا المجزرة الإسرائيليّة.
فور وقوع هذا الاعتداء، أعلنت كافة الدول العربية عن الحداد الوطني على أرواح الضحايا الفلسطينيين في غزة. 
كان من نتائج هذا الاعتداء البشع، إلغاء عقدُ القمّة الرباعية في العاصمة الأردنية عمان في اليوم التالي للمجزرة 18 أكتوبر 2023. والتي سيحضرها عبدالله بن الحسين ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبو مازن والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، كما كان سيحضرها الرئيس الأمريكي جو بايدن، والتي كانت مخصصة لبحث تطورات الحاصلة نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية في قطاع غزة، كانت المبادرة في الإلغاء من جانب ملك الأردن. 
كما كان نتيجة لذلك تصاعد الغضب الجماهيري في كافة الدول العربية، فقد اجتاحت مظاهرات الغضب الشعبي كل أنحاء العواصم العربية، حيث خرجت الملايين في شوارع كل العواصم العربية تندد بتلك الأعمال البشعة من جانب العدو الإسرائيلي. وترفض أيضًا، تلك الجماهير الغاضبة ما ينويه العدو من إجبار الفلسطينيين على النزوح من غزة جنوبًا إلى مصر، وهو ما يعد بمثابة تهجير آخر للفلسطينيين من بلادهم، بعد تهجيرهم عام 1948، فيما يعرف بعام النكبة. 
كما رفض الفلسطينيون أنفسهم أي تحرك نحو التهجير وتمسكوا ببلادهم التي يقيمون فيها.