رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الانحياز الفاضح.. خبراء يكشفون كيف سخّرت منصات «السوشيال» نفسها سلاحًا فى يد إسرائيل لإخفاء جرائمها ضد الفلسطينيين

غزة
غزة

- خوارزميات لاصطياد المنشورات المنتقدة للاحتلال.. وفريق ضخم بـ«فيسبوك» لمنع صور الانتهاكات

- عمر العراقى: ليست محايدة.. البرماوى: منع كلمات مثل «حرب وفلسطين وإبادة واحتلال»

أسقطت المأساة فى غزة القناع عن أوجه من يتشدقون بالحريات وحقوق الإنسان، فقد رأى الجميع الانحياز الفاضح والتدليس العلنى الذى تنتهجه وسائل الإعلام الغربية فى تناول الأحداث، والذى صحبه جرم أكبر ترتكبه منصات التواصل الاجتماعى، التى نصّب القائمون عليها أنفسهم حراسًا للدفاع عن الاحتلال وإخفاء الجرائم التى ترتكب فى حق الفلسطينيين. ولأن قصف مستشفى المعمدانى فى غزة، كان الجريمة الأكثر رعبًا فى سجل الاحتلال، سعت وسائل التواصل الاجتماعى، خاصة «فيسبوك ويوتيوب»، لنسف الحقيقة وحجب الكثير من الصور التى تُظهر حجم المأساة، وإبراز رواية الاحتلال للأحداث. وخلال الأيام العشرة الأخيرة، رصد ملايين المستخدمين للمنصات، كيف تتم ممارسة سياسات تمييزية ضد أى محتوى داعم لفلسطين وقضيتها، بحذف المنشورات وحسابات المستخدمين التى تعبر عن تضامنها مع القضية، أو تنتقد جرائم الاحتلال. وأرجع خبراء ذلك إلى ضغوط سياسية واقتصادية تنفذها جهات مؤيدة للاحتلال، ما دفع القائمين على تلك المنصات إلى استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعى والتعلم الآلى، التى طورتها لرصد أى محتوى ينتقد الاحتلال، ومحوه، وكذلك رصد أى تضامن مع القضية الفلسطينية وعرقلة الوصول إليه. فى السطور التالية، استمعت «الدستور» إلى آراء عدد من الخبراء فى مجالات «التواصل الاجتماعى»، حول ذلك التنكيل المتعمد بأى رأى معارض، وكيف تعمل تلك الخوارزميات على قمع المنشورات المعارضة للاحتلال، وتقييد حسابات أصحابها.

قال عمرو العراقى، نائب رئيس محور «التواصل المجتمعى» فى مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، إنه فى هذا العصر باتت منصات التواصل الاجتماعى لا تعمل وفقًا لتفضيلات أو اتجاهات الأصدقاء الذين نحاط بهم، بل تعتمد على الخوارزميات لتقديم المحتوى والمعلومات، وهى خوارزميات تحكم ما نراه وما لا نراه على هذه المنصات وفقًا لما تعتبره مناسبًا لنا.

وأضاف: «مع ذلك، يُلاحظ أن الخوارزميات ليست محايدة، بل تنعكس فيها انحيازات المجتمع الغربى، من خلال تصنيفها مفاهيم مثل المقاومة على أنها أعمال إرهابية، فى حين تُصوّر الاحتلال بأنه عملية دفاع عن النفس، هذا يعنى أن الخوارزميات تعتمد على اتجاهات مؤسساتية غربية فى تحديد ما يعتبر مناسبًا ضمن قواعد المجتمع الافتراضى».

وتابع «هناك شواهد كثيرة، حيث حاول البعض اللجوء إلى الحيل لخداع الخوارزميات، عبر إضافة علامات الترقيم بين حروف الكلمة الواحدة، أو إضافة المسافات الزائدة فى غير محلها مثل «ق*تل/ غ زة/ فلس؟ طين»، لكن الخوارزميات تعرف كل هذه الحيل البسيطة، حيث تسبق عملية معالجة النصوص عملية تهيئة النص، التى تشمل حذف الرموز والمسافات واسترجاع الكلمة لأصلها فى اللغة، مع حذف الحروف المضافة إليها».

وتابع: «كلما اتخذت الحيلة نمطًا أصعب، استهلكت الخوارزميات الكثير من الوقت لاكتشاف الأمر، مثلًا تم استبدال أحد أحرف الكلمة المراد تشفيرها برمز من لغة تانية، مثل «غZة»، وسوف ينتج عنه تشويه فى الكلمة بعد حذف الحروف باللغة اللاتينية مثلًا».

وأشار إلى أن الكتابة بالرسم العربى تظهر الحروف من دون نقاط مثل «فلسطين ستنتصر»، وهى الحيلة الأصعب لأن الخوارزميات قد تمرنت على الأحرف المنقوطة، وقد يحتاج فهمها للأحرف دون نقطة لوقت إضافى للتعلم، متابعًا: «هذه حيلة أخرى تعد الأفضل بالنسبة لى، وهى تشفير الرسالة بالتعديل فى هيكل الجملة، كأن تأتى الرسالة المراد إيصالها فى الكلمة الأولى من كل فقرة أو بالكلمات التى تأتى فى بداية الجمل».

من جانبه أشار خالد البرماوى، الكاتب الصحفى المتخصص فى الإعلام الرقمى، إلى أن المنصات الإلكترونية وعلى رأسها «فيسبوك»، يمتلكها مؤيدون لإسرائيل، وهى تنتهج طريقتين فى منع وصول منشورات المواطنين الداعمة للقضية الفلسطينية باستخدام الخوارزميات، موضحًا أن الخطة الأولى تعتمد على تحديد عدد كبير من الكلمات، مثل «حرب وفلسطين وإبادة واحتلال»، وغيرها من الكلمات، لمنعها من الوصول بحجة أنها لا تتناسب مع سياسات المنصة الإلكترونية.

وأضاف «البرماوى» أن الخطة الثانية تعتمد على السماح بنشر «البوست»، ولكن مع تقليص عدد مشاهديه إلى أن يصل الأمر لمشاهدته من القائم بنشره فقط، موضحًا أن هذا ما لاحظه الكثيرون خلال الفترة الأخيرة، إذ وجدوا أن منشورات أصدقائهم لم تعد تظهر مثلما كانت.

وتابع «أكثر منصة تمارس فيها سياسات منع المنشورات الداعمة لفلسطين، هى منصة «فيسبوك»، وهو ما ظهر جليًا فى حادث قصف مستشفى المعمدانى، لدرجة أنها تمنع الصور التى تظهر جرائم الاحتلال، كما أن هناك فريقًا ضخمًا يعمل بهذه المنصات، ومهمته فقط رصد أى من الكلمات التى حدد حجبها والتى تشير إلى جرائم إسرائيل، بل يعمل على متابعة الكلمات البديلة التى يلجأ البعض إلى استخدامها هروبًا من هذا الحظر ليحظرها هى الأخرى».

أما عن منصة «x»، فأشار إلى أنها على عكس سابقتها مفتوحة أمام جميع المنشورات، سواء كانت حقيقية أم مزيفة، ما جعل البعض يدعو إلى تطبيق رقابة على المحتوى الذى تقدمه، مشيرًا إلى أنه فى الوقت نفسه تعتبر هذه المنصة أكثر منصة يمكن نشر منشورات داعمة للقضية من خلالها بحرية.

وتساءل المواطن حسن بودرة حول سياسة موقع «فيسبوك» بشأن التعامل مع المنشورات الداعمة للقضية الفلسطينية، وقال: «عندما يصبح الشعب الفلسطينى مادةً للقتل الجماعى، تمسى كلمات الإدانة ترفًا لغويًا، وربما أقل من مستوى الصمت».

وأوضح «بودرة»: «فوجئ العالم وفُجِعَ، أمس الأول، وهو يرى ملء عينيه كيف استهدفت إسرائيل مستشفى الأهلى المعمدانى فى غزة، وقتلت فى لحظة واحدة مئات الفلسطينين»، واصفًا المشهد بأنه «يندى له جبين الإنسانية».

وتابع: «هذه الصور لمجزرة المستشفى تستفز ضمائر أولئك الذين اختاروا تعطيل الضمائر عن رؤية الجرائم، التى ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلى فى غزة»، فى إشارة إلى القائمين على سياسة فيسبوك بعد أن حظر محتوى الصورة التى نشرها.

وأصر محمد السعيد، على نشر واحد من بين الفيديوهات الصادمة الخاصة بجريمة الاحتلال الإسرائيلى فى مستشفى المعمدانى، وقال: «أكثر من ٨٠٠ شهيد فى جزء من مجزرة مستشفى المعمدانى بغزة.. الفيديو مؤلم وصعب وقاسٍ».

وأضاف «السعيد»: «طبعًا فيسبوك عمل على تغطية الفيديو وحذفه.. لكن مش هتمشونا على مزاجكم».

وفى ٢٠١٦، أصدرت شركة «فيسبوك» بيانًا عام ٢٠١٦ عبر إحدى المنصات الإخبارية، نفى خلاله المتحدث باسم الشركة تلك الاتهامات، مؤكدًا التزامها بحماية حقوق جميع المجتمعات وتمكينهم من التعبير بحرية، كما أوضح أن إزالة بعض المحتوى جاءت امتثالًا للقوانين المحلية، وأن التعامل مع طلبات الدول يتم وفق إجراءات موحدة.

ونفى وجود أى اتفاقية بين الشركة وإسرائيل، مشيرًا إلى أن لقاءات مسئولى الشركة مع دولة الاحتلال تأتى فى إطار الحوار العالمى حول الأمن الإلكترونى، مؤكدًا التزام «فيسبوك» بمعاييرها فى منع أى دعوة للعنف أو الإرهاب من أى طرف، مع عدم وجود أى تحيز ضد أى جهة.