رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يد واحدة

الحياة معقدة بشكل عام، والصراعات تجعلها أكثر تعقيدًا.. تتوالى الأحداث المؤلمة فى غزة ومعها الضغوط على مصر.. هناك فى إسرائيل من يريد أن تدفع مصر ثمن أخطائه، وهذا لن يحدث أبدًا.. المصريون يقفون صفًا واحدًا خلف الرئيس السيسى والجيش المصرى، والعكس تمامًا فى إسرائيل.. شعبية رئيس وزراء إسرائيل تتراجع، والسبب أنه الرجل الذى يريد أن يحمّل الآخرين ثمن أخطائه. إن هذه ليست وجهة نظرى، ولكنها وجهة نظر «يوسى فيرتر» كما كتبها فى صحيفة هآرتس الإسرائيلية بعنوان «نتنياهو يلقى اللوم على الجميع ما عدا نفسه»! هذه هى الحقيقة ببساطة على لسان الكاتب، الذى يقول أيضًا: «حتى مساء اليوم العاشر من الحرب، حرص نتنياهو على عدم التلفظ بكلمة واحدة تشير إلى مسئوليته عن الفشل والكارثة الحاصلة.. ويضيف الكاتب الإسرائيلى: لقد أعلن كل من رئيس الشاباك (جهاز أمن الدولة) ورئيس أركان الجيش مسئوليتهما عن الفشل، بينما يواصل نتنياهو التهرب والتنصل، معتقدًا أن ازدواجيته ستوفر له الحماية اللازمة من غضب الشعب.. ويقول الكاتب: إن نتنياهو أخبر الكنيست بأنه بدأ التحقيق فى التقصير الذى حدث يوم ٧ أكتوبر، لكن الحقيقة أنه يمثل رأس هرم من عدم الكفاءة، وبالتالى لا يمكنه التحقيق فى أى شىء.. يتساءل كاتب المقال عن مغزى الإحاطات التى قادها مدير مكتب نتنياهو ضد وزير الدفاع هناك بخصوص هجمات حماس، ويخلص إلى أنها تعنى أن نتنياهو مخلوق سياسى (ذو روح مظلمة)، و(تفكير ملتوٍ)، وأن (مهاراته الرهيبة فى إدارة الأزمات سيئة السمعة)، والثانى أنه يجهز ليلقى على القيادة العسكرية فى إسرائيل اللوم والمسئولية عن التقصير الذى حدث.. ويتنبأ الكاتب بأن نتنياهو وحكومته يخططان من خلال الحرب على غزة لإطالة أمد بقائهما فى مقاعدهما بأى ثمن».

انتهى الاقتباس من الصحيفة الإسرائيلية.. وما يهمنا فيه أمر واحد يؤثر علينا، وهو أن نتنياهو يريد أن يتحمل الآخرون نتيجة سياسته، ليس فقط فى إسرائيل- فهذا لا يعنينا- ولكن فى المنطقة كلها.. فهو يريد أن تدفع مصر والأردن فاتورة سياسات الليكود التوسعية والمتطرفة التى أدت لانفجار الوضع فى غزة، وأن تحل له مشكلة فشله فى إدارة الوضع كله على حساب أمنها واستقرارها أولًا، وعلى حساب القضية الفلسطينية كلها ثانيًا.. من المفارقات أن استطلاعات الرأى فى إسرائيل تشير لتدنى شعبية نتنياهو بدرجة كبيرة، وارتفاع فى شعبية منافسه «بينيت».. وعلى العكس فى مصر يتوحد المصريون جميعًا خلف الرئيس السيسى؛ لدرجة أننى شاهدت بعض الإعلاميين الهاربين للخارج يعلنون عن اصطفافهم خلف الرئيس السيسى.. وبغض النظر عن الهدف الحقيقى، فإن هذا مؤشر واضح أن المصريين يقودهم الرئيس ولن يسمحوا لا بتصفية القضية، ولا بتهديد أمن مصر؛ رغم الضغوط الرهيبة التى يمارسها الغرب على مصر، ويجب على الغرب أن يفهم أن القيادة المصرية تعالج الأمور بأقصى قدر من العقلانية والرشادة، وأن الغضب الشعبى المصرى لو انفجر فيمكنه أن يقود منطقة الشرق الأوسط إلى وضع أكثر التهابًا من الآن بكثير، ولن يكون هذا سوى دليل على مزيد من الفشل الإسرائيلى والغربى، الذى يريد أن يطفئ نار غزة بصب بنزين الغضب المصرى عليها! لينفجر الوضع فى وجه الجميع.. يجب أن يعلم الإسرائيليون وأدواتهم من المسئولين الغربيين أن المصرى يتحمل أى ضغط ممكن فى العالم إلا فيما يتعلق بثلاثة أمور: أولها، أرض مصر وسيناء على وجه التحديد، وثانيها المساس بمقدساته، وثالثها المساس بعرضه.. هذه أمور ثلاثة يمكن للمصريين أن يقدموا أرواحهم فداءً من أجلها، وتشهد على ذلك سوابق التاريخ من ثورة ١٩١٩، إلى حركة الفدائيين فى السويس، إلى معجزة ٦ أكتوبر ١٩٧٣.. وبالتالى فإنه على الإدارة الأمريكية المنسحقة أمام رئيس وزراء إسرائيل التى تسخر مسئوليها للعمل كسكرتارية لحكومة إسرائيل المتطرفة والعنصرية والفاشلة لإنقاذها من أزمتها.. على هذه الإدارة السخيفة وعديمة القيمة أن تمارس دورها المسئول الذى تدعيه لنفسها فى قيادة العالم، وأن تضغط على إسرائيل لتوقف الحرب الانتقامية على المدنيين فى غزة أولًا، وبذل الجهود لإعادة الرهائن الإسرائيليين بالطرق السلمية ثانيًا، ثم الدفع فى اتجاه حل دائم للصراع ثالثًا.. أما سياسة «رمى البلا» على مصر.. والتفكير فى أن حل القضية هو ترحيل شعب من أرضه لأرض شعب آخر.. فهو غباء سياسى نادر يصل لدرجة الجنون، وتطرف لن يقود إلا إلى مزيد من التطرف، وعلى الغرب أن يحذر غضب المصرى العادى المتوحد خلف قيادته من جهة، وأن يدرك أن سياسته ستؤدى لمزيد من التطرف الدينى الإسلامى من جهة ثانية، وكباحث متخصص، فإننى أتوقع انتعاشة قادمة لتنظيم القاعدة الذى كان قد انزوى يلفظ أنفاسه الأخيرة، وانتعاشة أخرى لتنظيم «داعش».. لأن هذه التنظيمات رغم وحشيتها وإدانتنا لها تلعب على الشعور بالمظلومية لدى المسلم العادى، وتظهر انسحاق الغرب لإرادة إسرائيل على أنه مؤامرة على الإسلام والمسلمين، فى حين أن الأمر لا يعدو كونه غباءً سياسيًا من إدارات أمريكية تافهة وسخيفة وعديمة القيمة والتأثير.. على الغرب أن يقرأ جيدًا رسائل الرئيس السيسى التى أرسلها بالأمس، وأن يحذر أن ينفلت غضب المصريين من عقاله.. لأنه وقتها لن يبقى ولن يذر.. لا تستفزوا العملاق الهادئ ولا تطلقوا غضبه.. وقد أعذر من أنذر.