رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر ترفض بحسم مخطط تهجير الغزاوية لسيناء

من اللحظة الأولى للصدام الذي تشهده المنطقة في غزة بين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية، كانت عيون مصر مفتوحة عن آخرها، ترصد وتحلل وتحذر، ومن قبل خطاب الرئيس عبدالفتاح السيسي في الكلية الحربية، ذلك الخطاب الذي وصفه البعض بأنه كان مباشرا وصريحا، من قبل هذا الخطاب كان وجدان كل المصريين معلقا هناك في أرض سيناء منذ اللحظة الأولى التي بدأت فيها العمليات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في غزة.
نعرف دون لف أو دوران الخطة المحكمة التي يريد الطرف الإسرائيلي تنفيذها على الأرض.. ضغط وإزاحة وتهجير لخارج غزة ثم غلق ملف القضية الفلسطينية للأبد.
مصر للمرة الألف تكرر التحذير وفي المؤتمر المشترك الذي انعقد بين الرئيس عبدالفتاح السيسي والمستشار الألماني جاء لهم الرئيس بالحل.. إذا كانت هناك ضرورة لتهجير المدنيين من شمال غزة فلتكن الهجرة إلى صحراء النقب.
أفسرها أنا بالبلدي وأقول "شوفوا لكم أي مكان غير سيناء".. الحكاية لا تقتصر على الاستضافة فقط، ولكنها تمتد إلى نسف معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية من جذورها، وذلك إذا ما تحقق- لا قدر الله- مخطط التهجير لسيناء، سوف يحاول الفلسطيني المهاجر تنفيذ عمليات تجاه إسرائيل منطلقا من الأراضي المصرية، وهنا تنشب الحرب المباشرة المصرية الإسرائيلية تلك الحرب التي نرضاها ولا نسعى إليها.
وهنا نقرأ بالنص ما جاء في كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسي "أكدت رفض مصر، لتصفية القضية الفلسطينية بالأدوات العسكرية، أو أية محاولات لتهجير الفلسطينيين قسريًا من أرضهم، أو أن يأتي ذلك على حساب دول المنطقة وأكدت في هذا الصدد، أن مصر ستظل على موقفها، الداعم للحق الفلسطيني المشروع في أرضه، ونضال الشعب الفلسطيني".
هل هناك أوضح من ذلك النص، فلماذا يناور الطرف الإسرائيلي صبح مساء بورقة تهجير الفلسطينيين إلى جنوب غزة.. أقول لكم إن السيناريو الشيطاني يمشي خطوة خطوة، بدأت الحرب الإسرائيلية ضاغطة على غزة بالكامل وصاعقة في شمال غزة، هذه هي الخطوة الأولى وجاءت الخطوة الثانية من إسرائيل على شكل إنذار بضرورة إخلاء شمال غزة؛ كي يتحرك الخزان البشري الغزاوي نحو جنوب القطاع، بالتحديد على الخط الملامس للحدود المصرية، الحجة غاية في الرقة وهي الحفاظ على حياة المدنيين.
طبعا يتم رفض الإنذار من مختلف الاتجاهات مصريا وأردنيا، بل وحمساويًا أيضًا، لأن الكل يعرف أن إنذار الإخلاء الملغوم ظاهره الرحمة وباطنه العذاب، إخلاء لكي يتمدد الكيان الاسرائيلي في شمال غزة وإقامة تحصينات عازلة بين المستوطنات وبين الشعب الفلسطيني منطقة عازلة على حساب الأراضي الفلسطينية، هذه التحصينات هي أقل الخسائر، أما المخطط الشامل فهو لا يخفي عن ذهن تلميذ صغير.
لو انتهت إسرائيل من الترحيل نحو الجنوب، وهو الذي لن يتحقق- بإذن الله- وبإذن صمود الفلسطيني على أرضه،  أقول تخيلا لو تم الترحيل لن تنتهي الأزمة ولكن سوف تبدأ المرحلة الأصعب من مخطط الشيطان، وهي مرحلة اشتعال جنوب غزة من جديد بالطائرات والقذائف والضغط بالنيران، في هذه اللحظة السوداء لن يجد مئات الآلاف من الفلسطينيين أطفالا ونساء وشيوخا إلا كسر الحدود المصرية للنجاة بأرواحهم.
في هذه الحالة تكون مصر أمام خيارين، الأول هو مواجهة الفلسطيني النازح بالقوة ومنعه من عبور الحدود، وهو الأمر الذي لا يمكن حدوثه، لذلك سيكون الخيار الثاني هو الأسهل قبول الضيوف حفاظًا على أرواحهم، أكرر لابد أن تتخيل السيناريو وتعرف عمق المخاطر، الفلسطيني النازح لن يجلس في العراء في سيناء هو في حاجة إلى جدار وفراش، ومن بعدها تتجدد الاشتباكات مع إسرائيل في دوامة عنف لا تنتهي، هذا المخطط الذي يحاول فيه الجانب الإسرائيلي جر جيوش نظامية للمواجهة، لابد وأن يتم القضاء عليه في المهد.
مصر تعلم ذلك جيدًا وعلى لسان رئيس الجمهورية وأمام العالم كله جاءت الكلمة الواضحة تقول: "إن استمرار العمليات العسكرية الحالية، سيكون له تداعيات أمنية وإنسانية، يمكن أن تخرج عن السيطرة، بل تنذر بخطورة توسيع رقعة الصراع، في حالة عدم تضافر جهود كل الأطراف الدولية والإقليمية، للوقف الفوري للتصعيد الحالي".
ولأن التكرار قد ينجح في تعليم الشاطر، فإننا نكرر بأن مصر تعي جيدا ذلك المخطط، وسوف تجهضه ولن يمر مثلما مر في الخيال المريض عند صانعه.