رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ارفعوا أيديكم عن "مو".. "فلسطين قضية.. مش تريند"

لماذا يكره "الإخوان" محمد صلاح؟!

*يكرهون صلاح لأنه "مصري قلبًا وقالبًا"، ولأن هزيمتهم الأعنف كانت في مصر، ويحبون "الإخوانجي" لأنه منهم، يتنتمي إليهم، وأقسم على "السمع والطاعة" لقادتهم
* هل غيرت حركة "المثل الأعلى الإخوانجي" من الأمر شيئًا في وقتها؟! وهل جعلته هو نفسه يفكر بعد نهاية المباراة في التبرع لإعادة إعمار غزة، ولو بجزء من أرباحه؟!
* ما يدور الآن في فلسطين هو فصل من فصول حرب سوف تطول.. وهي حرب حقيقية تستخدم فيها الأسلحة كلها.. ليست "ترند" ولا معركة دعائية
* إن قبلت الحرب الدعائية "خليك قدها.. وإكسب مناصرين لا تصطنع عداوات.. واعلم أنك عندما تنقاد إلى تلك "الجماعة" الإرهابية سوف تخسر
* صلاح لا يستجيب لمزايدات ولا تحركه "عواطف" وعندما يتحرك فإنه يفعل الصواب وفي المسارات الصحيحة.. وفعلها من قبل كثيرًا إن كنتم لا تعلمون

"فلسطين قضية.. مش تريند".. هذه العبارة الكاشفة قرأتها صباح الثلاثاء في صورة رفعها أحد الأصدقاء على صفحته بموقع "انستجرام"، فجلست أتأملها، وكأنها رسالة تلخص بالضبط ما أود تفصيله، أو الحديث عنه هنا.. لكنني قبل الدخول في تفاصيل، أود أن أوضح أن السؤال في العنوان ليس استنكاريًا، ولا تعبيرًا عن دهشة أو استغراب، فما أعرفه عن كوادر هذا التنظيم يضمن لي أن أتوقع منهم أي تصرف غبي وسمج وخبيث ومستغِل، يتعمد تلبيس الحق بالباطل، كما يضمن لغالبية المصريين معرفة نواياهم وكشفها، وإن حاولوا بكل ما لديهم من مالٍ وجهد إخفاء هذه النوايا، أو تصويرها كرد فعل جماعي لا أصل له في الواقع، بينما هم في حقيقة الأمر من الغباء بحيث لا يفوتون فرصة للكشف عن وجوههم القذرة، وفضح كوادرهم، وتعرية من يحبونهم، ومن ينقادون لما يبثونه من أكاذيب وضلالات.. ومنها مثلًا كراهيتهم لمحمد صلاح، ذلك الشاب المجتهد، الموهوب، والمحبوب من عموم المصريين.. من يحبون كرة القدم، ومن لا يتابعونها، ولعلي لا أكون مغاليًا إذا قلت أنه ربما لم يتفق المصريون على محبة شخص كما نحب محمد صلاح، ليس فقط لبراعته في لعبة كرة القدم، أو لنجاحه في إدارة موهبته، ولكن لأنه يقدم نموذجًا حيًا، ومفعمًا بالحيوية للرغبة في النجاح والعمل وتحقيق الذات، بالفعل لا بالكلام، بالعمل والإصرار على الحلم، لا بالتآمر، والرغي والشكوى والتنطع على مواقع التواصل الاجتماعي.. وهو ما يجعل فصيل مثل تلك الجماعة المجرمة لا يطيقون اسمه.. يكرهونه، ويكرهون كل من يذكره بالخير، ولا يتركون مناسبة إلا ويحاولون بكل ما لديهم من جهد أن يظهروه في صورة المقصر، أو المهزوز، أو أي شيء آخر.. ولك أن تتابع ما حدث منذ أيام قليلة لكي تدرك عمق كراهية ذلك "التنظيم" المجرم لشخص صلاح، ولكل ما يمثله من مباديء وقيم.


بمجرد انفجار الأوضاع في قطاع "غزة" والأراضي الفلسطينية، انفجرت ماسورة "قاذورات إخوانجية" تستهدف نجم كرة القدم "المصري قلبًا وقالبًا" محمد صلاح، "تريقة وقلة أدب وانحطاط" لمجرد أنه لم يقم بتصرف انفعالي يستدر به تعاطفهم أو "يبتز به عواطف" الفلسطينين من أهالينا في غزة وغيرها من المدن الفلسطينية، أو عموم العرب والمسلمين في أي مكان، ولم يكن مدهشًا بالنسبة لي أن تمر أمام عيني منشورات "منحطة" من هذه النوعية على صفحات بعض مدعي الشعر والكتابة الأدبية وصناعة المسلسلات والأفلام السينمائية، فلم يعد خافيًا على أحد أن ساحة الفنون والآداب في مصر وعالمنا العربي يحتلها عدد كبير من المؤلفة قلوبهم، هؤلاء الذين يرمي لهم "التنظيم الإجرامي الدولي" بفتات الجوائز الأوروبية المشبوهة، والخليجية الموجهة، وما يشبهها من منح الكتابة المدفوعة مقدمًا، وتسهيلات النشر، والانتشار "الافتراضي" على مواقع التواصل الاجتماعي.. كما لا يعد خافيًا على أحد أنهم منذ أن سحقهم الشعب المصري في يونيو 2013، واختار إبعادهم عن كافة مسارات الحياة في مصر، ركزوا جهودهم في صناعة "الترندات" التي يغذونها من مخابئهم البعيدة في أركان الأرض، والترويج لهذه "الترندات" وتصويرها وكأنها الحقيقة الواقعة، واصطياد كل طامح في شهرة ولو كانت افتراضية زائفة، بينما حقيقة الأمر أنه لا يخرج عن "إعادة تدوير" لما يبثونه من مخلفات، لا يهتم بها أحد، ولا تغير من الواقع شيئًا.


ومع تكرار الأمر، لم يعد خافيًا، أيضًا، أنهم يبذلون ما يستطيعون من جهد لوضع صلاح في مقارنة مع نجمهم "الإخوانجي"، والذي لا تخرج مواقفه التي يتغنون و"يزيطون" بها عن "شو إعلامي لا يسمن ولا يغني من جوع"، ولا يفيد بأي شكل من الأشكال غير الصيغة الدعائية الرخيصة التي لا تؤدي إلى أي نتائج على أرض الواقع.. فلم نسمع مرة عن تبرعه للهلال الأحمر الفلسطيني، أو لغيره من الجهات "غير الإخوانجية".. ولم تكن له أي مساهمة تذكر في أي من مرات إعادة إعمار غزة، ولو بجزء ضئيل من أجره على ما يتقاضاه مقابل "هراء سمج" يسمونه تحليل رياضي.. يكرهون صلاح لأنه "مصري قلبًا وقالبًا"، ولأن هزيمتهم الأعنف كانت في مصر، ويحبون "الإخوانجي" لأنه منهم، يتنتمي إليهم، وأقسم على "السمع والطاعة" لقادتهم.. وحتى في هذه، لم يقدم أكثر من هراء لا يكسو عريانًا، ولا يقيم جدارًا تهدم بفعل العدوان.


تصور معي أنك مواطن بريطاني أو سويدي أو أي جنسية أخرى، وشاهدت لاعب كرة قدم يرفع علم فلسطين مثلًا بين الشوطين، أو يرفع قميصه بعد إحراز هدف ليكشف عن قميص آخر مكتوب عليه "تضامنًا مع غزة"، كما فعل ذلك "الإخوانجي" منذ سنوات، وكما كتب رسام كاريكاتير محدود الموهبة، على صفحته منذ أيام مطالبًا صلاح بتقليد "مثله الأعلى"، ماذا سترى في هذا الفعل أكثر من أنه تعاطف أو مساندة من هذا اللاعب لطرف في حرب ضد طرف آخر.. لا أتحدث هنا عن موقف العرب والمسلمين من الأمر، فغالبية ظني أن العرب والمسلمين ليسوا بحاجة إلى تذكير بالقضية الفلسيطنية، ولن يغيروا من قناعاتهم أو تصوراتهم، لكن الكلام هنا عن بقية دول العالم، عن جماهير ذهبت إلى المدرجات بحثًا عن ساعات من الترفيه ومشاهدة مباراة في كرة القدم، أو حتى تابعتها على شاشة التليفزيون.. هل غيرت حركة "المثل الأعلى الإخوانجي" من الأمر شيئًا في وقتها؟! هل جعلته، هو نفسه، يفكر بعد نهاية المباراة في التبرع لإعادة إعمار غزة، ولو بجزء من أرباحه؟! وإن فعلها صلاح، هل سيراجع الرئيس الأمريكي جو بايدن قراره بمساندة الطرف الآخر من الحرب؟! هل ستخرج الجماهير البريطانية من الاستاد للهتاف بسقوط الاحتلال، أو حتى المطالبة بوقف الحرب؟!


"فلسطين قضية.. مش ترند".. هذه هي الحقيقة التي يدركها أهل غزة ورفح ورام الله، وهذا هو الواقع الذي يعيشه أهلنا في الخليل وعسقلان ويافا وبئر سبع.. فلسطين قضيتنا العربية التي تبحث عن حلول واقعية، حقيقية، وملموسة على الأرض، لا يفيدها "ترند"، ولا اصطناع أعداء، ولا "تريقة وقلة أدب".


عندما تغني أنغام أو منير أو عمرو دياب سيسمع لهم "طوب الأرض"، وتطرب لهم طيور السماء، لكن أيًا منهم إن تحدث في السياسة، فلن يتعامل معه أحد باعتباره هنري كيسنجر، ولا غاندي، ولا هيكل، ولن يغير كلامه من تصورات أحد.. وعندما يفتي محمد رمضان في الاقتصاد فلن تتأثر البورصات العالمية، ولا حتى بورصة البيض في بنها، حتى صديقه وحبيبه لن يشترى أسهما تدعمها كلماته.. لن تقف الحرب في أوكرانيا لأن شين بين أو جورج كولوني يراها غير عادلة، ولن يتنازل الرئيس الروسي فلاديميير بوتين عن موقفه من أجل خاطر سكارليت جوهانسون، ولا جنيفر لوبيز.


خلاصة الأمر حسبما أتصور، إن ما يدور الآن في فلسطين هو فصل من فصول حرب سوف تطول، وهي حرب حقيقية، تستخدم فيها الأسلحة كلها، ليست "ترند" ولا معركة دعائية فقط..


ولعله من المناسب هنا أن أوجه خطابي إلى إخواننا في غزة، وفي عموم المدن والقرى الفلسطينية.. وأقول لهم أنه يمكنكم السير في مسار الحرب الدعائية.. وتصوير أطفال يبكون من الإصابات، كما يمكن للطرف الآخر أن يفعل ذلك، ولكن إن قبلت الحرب الدعائية "خليك قدها، واعمل دعاية تغلب دعايتهم"، إكسب مناصرين، لا تصطنع عداوات، واعلم أنك عندما تنقاد إلى تلك "الجماعة" ستخسر.


ربما أستثني من هؤلاء "المخطوفين ذهنيًا" من غير "الإخوان" ومن لف لفهم، أولئك الذين يتعرضون لموجات متلاحقة من "التغريدات" و"البوستات" الموجهة، بكثافة ملحوظة، فييلتبس الأمر عليهم، خصوصًا "العاطفيون" منهم، ومنهم أستاذ جامعي، وناقد أدبي كبير أثق في عقله، لكن العاطفة وكثافة المزايدة على صلاح جعلته يذهب مع نظرية المؤامرة إلى حد غير مسبوق، فكتب ما معناه إن إطلاق اسم "مو" على صلاح مقصود ومتعمد "حتي لا يعلو اسم محمد في الغرب الأوروبي"!!


ولمثل هذا الرجل وأمثاله ممن أثق في عقولهم، وأتعاطف مع ميلهم تحت ضغط "السوشيال ميديا"، أقول إن خيالك يا سيدي ذهب بعيدًا، وصلاح ليس هو أول من يطلق عليه لقب التدليل "مو"، هناك كثيرون غيره، وخصوصًا في الأراضي البريطانية، ومنهم من أعرفهم شخصيًا، أما صلاح فهو لن يستجيب لمزايدات، ولن تحركه "عواطف"، وعندما يتحرك فإنه يفعل الصواب، ويتحرك في المسارات الصحيحة، وقد فعلها من قبل كثيرًا لكنكم لا تعلمون، ومنها مثلًا ما حدث في مايو 2021، عندما كتب موجها حديثه إلى قادة العالم ورئيس الوزراء البريطاني قائلًا ما نص ترجمته العربية: إنني أدعو جميع قادة العالم، بما فيهم رئيس وزراء البلد الذي كان كالوطن بالنسبة لي طوال الأربع سنوات الماضية، لفعل كل ما باستطاعتهم للتأكد من وقف العنف وقتل الأبرياء فورًا.. كفى يعني كفى"، مع توجيه مباشر لتغريدته إلى رئيس الوزراء البريطاني وقتها بوريس جونسون، وهو ما حدث بالفعل، وتحرك بعدها جونسون وغيره من قادة العالم لوقف العنف في الأراضي الفلسطينية.


وربما لا يذكر كثيرون ما حدث من صلاح عندما توجه فريق "بازل" الذي كان صلاح يلعب له في 2013 لملاقاة فريق "مكابي" بدوري أبطال أوروبا، فتعمد دخول الملعب بعد انتهاء المصافحة التقليدية بين اللاعبين، ولم تلامس يده يد أحد من الفريق "الخصم"، وغيرها الكثير من المواقف والأفعال التي تعرف جيدًا مواقع خطواتها.


من الآخر.. أوقفوا المزايدة على "مو"، فصلاح ابننا، يعرف ما له وما عليه، صنع مجده بيديه، وبعرق جبينه، وعمله، لم تصنعه لجان إلكترونية، ولا "ترندات خائبة".. يعرف جيدًا أنه ليس ناشطًا سياسيًا، ولا مفكرًا اقتصاديًا، مجرد مواطن مصري موهوب في لعبة كرة القدم، محبوب من أهله "حكومة وشعبًا"، ومن عموم العرب والمسلمين، وليس مطلوبًا منه أن يتحمل مواقف ياسر عرفات، ولا أن يتكلم باسم محمود عباس أبو مازن، أو يدفع فاتورة ما يجنيه خالد مشعل أو اسماعيل هنية.. ولن يفعل إلا ما يمكن أن يفيد أهله وناسه في مصر وفلسطين والمغرب والسودان.. بالفعل لا بالكلام ولا بـ"الشو"، وإن كرهه "الإخوان المجرمون".