رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مقدمات نكسة 1967

كانت إسرائيل تستعد للحرب وتحشد لها وتفتعل لها أسبابًا، وكان العرب مغيبين فى فكرة القومية العربية والزعامة الشخصية، ولم ينتبهوا إلى ما يحدث والفخ المنصوب لهم 
تسارعت الأحداث على النحو التالي:
- فى نوفمبر 1966، وقعت مصر وسوريا اتفاقية للدفاع المشترك بعد أن زادت التهديدات الإسرائيلية المعلنة لسوريا. 
- وفى 30 مايو 1967، وصل الملك حسين إلى القاهرة بملابسة العسكرية وقام بتوقيع اتفاقية دفاع مشترك مع مصر. 
على إثر هذه الاتفاقية سافر الفريق عبدالمنعم رياض إلى العاصمة الأردنية عمان، ومعه كتيبتان من كتائب قوات الصاعقة المصرية، وفرقة عمليات، ومعدات دفاع جوى. 
وفى ربيع 1967 أبلغ الاتحاد السوفيتى والمخابرات السوريا الرئيس جمال الرئيس جمال عبدالناصر بوجود حشود عسكرية على الحدود السوريا، وعلى الرغم من أن مبعوثى الرئيس جمال عبدالناصر للتأكد من وجود هذه الحشود قد نفوا وجودها، إلا أن صوتهم ضاع فى خضم الضجيج الذى كانت قد أحدثته السياسات التى استهدفت إعلان نذر الحرب، ووجد هذا الجو الحماسى قبولًا وترحيبًا من الرئيس جمال عبدالناصر، الذى سرعان ما أصدر أوامره بالتعبئة العامة وحشد القوات المصرية فى سيناء فى 14 مايو 1967، بهدف تخفيف الضغط على الجبهة الشمالية فى سوريا. 
وفى 17 مايو خطا الرئيس جمال عبدالناصر خطوته التالية الشهيرة بأن أمر بإغلاق مضايق تيران فى وجه الملاحة الإسرائيلية. فى ذلك الوقت كان المشير عبدالحكيم عامر هو النائب الأول لرئيس الجمهورية، ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، فضلًا عن أنه كان قائدًا عامًا للقوات المسلحة المصرية آنذاك. 
قبل اندلاع حرب 1967 بعدة أشهر، زار القاهرة المارشال جريتشكو، قائد قوات حلف وارسو. وبعد لقائه بالخبراء العسكريين السوفييت، دعاه الرئيس جمال عبدالناصر لمقابلته، وسأله عبدالناصر عن انطباعه عن حالة الجيش المصرى، حاول المارشال جريتشكو أن يرفع من شأن المستشارين العسكريين السوفييت الذين يعملون فى مصر منذ فترة، فقال جريتشكو: إن جيشكم قادر على تنفيذ أى مهمة على مسرح العمليات. 
وربما تكون تلك الكلمات التى قالها قائد حلف وارسو، هى التى دفعت عبدالناصر إلى القيام بمظاهرة استعراض القوة، على أية حال هو وثق فى تنامى القدرات القتالية للقوات المسلحة، وقرر أن يستخدم هذا الزخم، ولكن رغم ذلك لم يكن عبدالناصر راغبا فى نشوب الحرب. لقد بالغ عبدالنصر فى تقدير قوته وإمكانيات قواته المسلحة. لأنه فى يوم 22 ديسمبر 1967، أى بعد ستة شهور من بداية الحرب، نشرت صحيفة هآرتز الإسرائيلية مقابلة مع إسحق رابين، رئيس الأركان الإسرائيلى وقتها وذكر للصحيفة أنه يوجد فرق بين حشد القوات بهدف الحرب، وبين تلك الحركة التى من الممكن أن تنتهى بالحرب، ولكن دون أن يكون هدفها الحرب. وهو ما كان يدور فى ذهن عبدالناصر، لأنه عندما أعطى أوامره للقوات المسلحة بالتوجه إلى سيناء، كانت أرتال الدبابات والعربات المحملة بالجنود تمر أمام نوافذ السفارة الأمريكية فى القاهرة، وكان من الواضح أن ناصر يريد أن يوجه رسالة لإسرائيل من خلال الأمريكيين. 
وبالفعل لم يكن عبدالناصر يريد الحرب!
وهو ما أكدته الدكتورة هدى عبدالناصر فى مقالها بصحيفة المصرى اليوم، فى 11 سبتمبر 2012: 
- “الواقع أن الأزمة اشتعلت بحشود إسرائيلية على الحدود مع سوريا، وقد جاءت معلومات عنها لمصر من مصادر متعددة، من السوريين الذين حددوا هذه الحشود ب 18 لواء، ثم أبلغ السوفييت أنور السادات - الذى كان فى وفد برلمانى فى موسكو - بأن غزو سوريا وشيك! كان بيننا وبين سوريا اتفاقية للدفاع المشترك منذ سبتمبر 1966، ثم كان بيننا إيمان بالنضال وبالمصير المشترك، ولذلك فقد كان محتمًا علينا أن نتحرك لمواجهة الخطر على سوريا، ولقد نتج عن تحركنا العسكرى آثارا عملية، طلبنا سحب قوة الطوارئ الدولية من سيناء، ثم أعدنا تطبيق حقوق السيادة المصرية على خليج العقبة، فأغلقنا الخليج بالنسبة للسفن الإسرائيلية فى 23 مايو 1967. وتوالت علينا بعد ذلك التحذيرات الدولية، فطلب والت روستو، مستشار الرئيس الأمريكى جونسون، أشرف غربال، سفيرنا فى واشنطن، فى ساعة متأخرة من الليل، وقال له: توجد معلومات عند إسرائيل أنكم ستهجمون، وذلك يعرضكم لوضع خطير! وناشدنا ضبط النفس. فى اليوم التالى طلب السفير الروسى مقابلة جمال عبدالناصر، وأبلغه رسالة من كوسيجن، رئيس وزراء الاتحاد السوفيتى، يطلب فيها ضبط النفس، ويقول: إن أى عمل من ناحيتنا يعرض العالم لأخطار كبيرة! المجتمع الدولى كله كان يعارض البدء بالحرب، وكان حديث ديجول واضحًا، فى أن فرنسا سوف تبنى موقفها على أساس من يبدأ إطلاق الرصاصة الأولى! لقد تعرضنا لخدعة دبلوماسية. إنها عملية تضليل سياسى خطيرة، وذلك كان من جانب الولايات المتحدة، التى بالإضافة إلى ما سبق- أرسلت إلى القاهرة مبعوثًا للرئيس الأمريكى، طلب أن يسافر أحد نواب الرئيس إلى الولايات المتحدة، فتقرر أن يذهب زكريا محيى الدين، وتم تحديد الموعد فى 6 يونيو، وبدأ العدوان فى 5 يونيو! فى اجتماع اللجنة التنفيذية العليا فى 22 مايو، قبل غلق خليج العقبة، كان من الواضح أن عملنا دفاعى، وأننا لن نقوم بالهجوم إلا إذا حصل عدوان على سوريا، وأن نكون على وضع الاستعداد. فى هذا الاجتماع لم يتكلم أحد على الهجوم على إسرائيل، وكان واضحا من تحليلاتنا أن أى عمل هجومى على إسرائيل سيعرضنا لمخاطر كثيرة، أهمها هجوم أمريكى علينا، نظرا لتصريحاتها بأنها تضمن حدود الدول فى هذه المنطقة، وتقصد بالطبع إسرائيل! وعلى هذا الأساس كانت عمليتنا فى القيادة المشتركة عملية دفاعية، وكان حشدنا هو عملية ردع، حتى لا تقوم إسرائيل بالعدوان على سوريا. 
كان من الواضح أن سوريا هى سبب هذا الحشد الذى قام به عبدالناصر لمناصرة السوريين والوقوف بجانبهم لمنع إسرائيل من الاعتداء عليهم. ولكن عناد عبدالناصر جعله يتمادى فى الأمر، وكان واقعًا تحت تأثير الحماس تردد صداه عاليًا فى كل أنجاء البلاد العربية، وارتفع معه عبدالناصر والعسكريون المصريون إلى عنان السماء. 
وهو ما جعل عبدالناصر يرفض كل محاولات السلام قبل اندلاع الحرب. 
ففى أول يونيو 1967 أوفد الرئيس الأمريكى جونسون سرًا ممثلًا عنه إلى مصر، حيث طلب من عبدالناصر أن يرسل المشير عامر إلى الولايات المتحدة لعقد لقاء سرى معه، واعتقد ناصر أن المناورة التى قام بها من الممكن أن تنتهى بدون حرب، وأعطى موافقته مباشرة على الطلب الأمريكى، على أن يقوم بالزيارة نائب الرئيس زكريا محيى الدين، وليس المشير عامر، وأكد ممثل الرئيس جونسون مرة أخرى لناصر عند مغادرته، أن إسرائيل لن تقوم بأعمال عسكرية ما دامت الاتصالات الديبلوماسية مستمرة. ولكن الحرب بدأت قبل أن تتم زيارة زكريا محيى الدين.

حمدى البطران


مقدمات نكسة 1967
كانت إسرائيل تستعد للحرب وتحشد لها وتفتعل لها أسباب، وكان العرب مغيبون فى فكرة القومية العربية والزعامة الشخصية، ولم ينتبهوا الى ما يحدث والفخ المنصوب لهم 
تسارعت الأحداث على النحو التالي:
- فى نوفمبر 1966، وقعت مصر وسوريا اتفاقية للدفاع المشترك بعد أن زادت التهديدات الإسرائيلية المعلنة لسوريا. 
- وفى 30 مايو 1967، وصل الملك حسين إلى القاهرة بملابسة العسكرية وقام بتوقيع اتفاقية دفاع مشترك مع مصر. 
على إثر هذه الاتفاقية سافر الفريق عبدالمنعم رياض إلى العاصمة الأردنية عمان، ومعه كتيبتان من كتائب قوات الصاعقة المصرية، وفرقة عمليات، ومعدات دفاع جوى. 
وفى ربيع 1967 أبلغ الاتحاد السوفيتى والمخابرات السوريا الرئيس جمال الرئيس جمال عبدالناصر بوجود حشود عسكرية على الحدود السوريا، وعلى الرغم من أن مبعوثى الرئيس جمال عبدالناصر للتأكد من وجود هذه الحشود قد نفوا وجودها، إلا أن صوتهم ضاع فى خضم الضجيج الذى كانت قد أحدثته السياسات التى استهدفت إعلان نذر الحرب، ووجد هذا الجو الحماسى قبولًا وترحيبًا من الرئيس جمال عبدالناصر، الذى سرعان ما أصدر أوامره بالتعبئة العامة وحشد القوات المصرية فى سيناء فى 14 مايو 1967، بهدف تخفيف الضغط على الجبهة الشمالية فى سوريا. 
وفى 17 مايو خطا الرئيس جمال عبدالناصر خطوته التالية الشهيرة بأن أمر بإغلاق مضايق تيران فى وجه الملاحة الإسرائيلية. فى ذلك الوقت كان المشير عبدالحكيم عامر هو النائب الأول لرئيس الجمهورية، ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، فضلًا عن أنه كان قائدًا عامًا للقوات المسلحة المصرية آنذاك. 
قبل اندلاع حرب 1967 بعدة أشهر، زار القاهرة المارشال جريتشكو، قائد قوات حلف وارسو. وبعد لقائه بالخبراء العسكريين السوفييت، دعاه الرئيس جمال عبدالناصر لمقابلته، وسأله عبدالناصر عن انطباعه عن حالة الجيش المصرى، حاول المارشال جريتشكو أن يرفع من شأن المستشارين العسكريين السوفييت الذين يعملون فى مصر منذ فترة، فقال جريتشكو: إن جيشكم قادر على تنفيذ أى مهمة على مسرح العمليات. 
وربما تكون تلك الكلمات آلتى قالها قائد حلف وارسو، هى التى دفعت عبدالناصر إلى القيام بمظاهرة استعراض القوة، على أيه حال هو وثق فى تنامى القدرات القتالية للقوات المسلحة، وقرر أن يستخدم هذا الزخم، ولكن رغم ذلك لم يكن عبدالناصر راغبًا فى نشوب الحرب. لقد بالغ عبدالنصر فى تقدير قوته وإمكانيات قواته المسلحة. لأنه فى يوم 22 ديسمبر 1967، أى بعد ستة شهور من بداية الحرب، نشرت صحيفة «هآرتز الإسرائيلية» مقابلة مع إسحق رابين، رئيس الأركان الإسرائيلى وقتها وذكر للصحيفة أنه يوجد فرق بين حشد القوات بهدف الحرب، وبين تلك الحركة التى من الممكن أن تنتهى بالحرب، ولكن دون أن يكون هدفها الحرب. وهو ما كان يدور فى ذهن عبدالناصر، لأنه عندما أعطى أوامره للقوات المسلحة بالتوجه إلى سيناء، كانت أرتال الدبابات والعربات المحملة بالجنود تمر أمام نوافذ السفارة الأمريكية فى القاهرة، وكان من الواضح أن ناصر يريد أن يوجه رسالة لإسرائيل من خلال الأمريكيين.

وبالفعل لم يكن عبدالناصر يريد الحرب!
وهو ما أكدته الدكتورة هدى عبدالناصر فى مقالها بصحيفة المصرى اليوم، فى 11 سبتمبر 2012: 
- «الواقع أن الأزمة اشتعلت بحشود إسرائيلية على الحدود مع سوريا، وقد جاءت معلومات عنها لمصر من مصادر متعددة، من السوريين الذين حددوا هذه الحشود ب 18 لواء، ثم أبلغ السوفييت أنور السادات - الذى كان فى وفد برلمانى فى موسكو - بأن غزو سوريا وشيك! كان بيننا وبين سوريا اتفاقية للدفاع المشترك منذ سبتمبر 1966، ثم كان بيننا إيمان بالنضال وبالمصير المشترك، ولذلك فقد كان محتمًا علينا أن نتحرك لمواجهة الخطر على سوريا، ولقد نتج عن تحركنا العسكرى آثار عملية، طلبنا سحب قوة الطوارئ الدولية من سيناء، ثم أعدنا تطبيق حقوق السيادة المصرية على خليج العقبة، فأغلقنا الخليج بالنسبة للسفن الإسرائيلية فى 23 مايو 1967. وتوالت علينا بعد ذلك التحذيرات الدولية، فطلب والت روستو، مستشار الرئيس الأمريكى جونسون، أشرف غربال، سفيرنا فى واشنطن، فى ساعة متأخرة من الليل، وقال له: توجد معلومات عند إسرائيل أنكم ستهجمون، وذلك يعرضكم لوضع خطير! وناشدنا ضبط النفس. فى اليوم التالى طلب السفير الروسى مقابلة جمال عبدالناصر، وأبلغه رسالة من كوسيجن، رئيس وزراء الاتحاد السوفيتى، يطلب فيها ضبط النفس، ويقول: إن أى عمل من ناحيتنا يعرض العالم لأخطار كبيرة! المجتمع الدولى كله كان يعارض البدء بالحرب، وكان حديث ديجول واضح، فى أن فرنسا سوف تبنى موقفها على أساس من يبدأ إطلاق الرصاصة الأولى! لقد تعرضنا لخدعة دبلوماسية. إنها عملية تضليل سياسى خطيرة، وذلك كان من جانب الولايات المتحدة، التى بالإضافة إلى ما سبق - أرسلت إلى القاهرة مبعوثا للرئيس الأمريكى، طلب أن يسافر أحد نواب الرئيس إلى الولايات المتحدة، فتقرر أن يذهب زكريا محيى الدين، وتم تحديد الموعد فى 6 يونيو، وبدأ العدوان فى 5 يونيو! فى اجتماع اللجنة التنفيذية العليا فى 22 مايو، قبل غلق خليج العقبة، كان من الواضح أن عملنا دفاعى، وأننا لن نقوم بالهجوم إلا إذا حصل عدوان على سوريا، وأن نكون على وضع الاستعداد. فى هذا الاجتماع لم يتكلم أحد على الهجوم على إسرائيل، وكان واضحًا من تحليلاتنا أن أى عمل هجومى على إسرائيل سيعرضنا لمخاطر كثيرة، أهمها هجوم أمريكى علينا، نظرًا لتصريحاتها بأنها تضمن حدود الدول فى هذه المنطقة، وتقصد بالطبع إسرائيل! وعلى هذا الأساس كانت عمليتنا فى القيادة المشتركة عملية دفاعية، وكان حشدنا هو عملية ردع، حتى لا تقوم إسرائيل بالعدوان على سوريا. 
كان من الواضح أن سوريا هى سبب هذا الحشد الذى قام به عبدالناصر لمناصرة السوريين والوقوف بجانبهم لمنع إسرائيل من الاعتداء عليهم. ولكن عناد عبدالناصر جعله يتمادى فى الأمر، وكان واقعًا تحت تأثير الحماس تردد صداه عاليًا فى كل أنجاء البلاد العربية، وارتفع معه عبدالناصر والعسكريين المصريين إلى عنان السماء. 
وهو ما جعل عبدالناصر يرفض كل محاولات السلام قبل اندلاع الحرب. 
ففى أول يونيو 1967 أوفد الرئيس الأمريكى جونسون سرًا ممثلًا عنه إلى مصر، حيث طلب من عبدالناصر أن يرسل المشير عامر إلى الولايات المتحدة لعقد لقاء سرى معه، واعتقد ناصر أن المناورة التى قام بها من الممكن أن تنتهى بدون حرب، وأعطى موافقته مباشرة على الطلب الأمريكى، على أن يقوم بالزيارة نائب الرئيس زكريا محيى الدين، وليس المشير عامر، وأكد ممثل الرئيس جونسون مرة أخرى لناصر عند مغادرته، أن إسرائيل لن تقوم بأعمال عسكرية ما دامت الاتصالات الديبلوماسية مستمرة. ولكن الحرب بدأت قبل أن تتم زيارة زكريا محيى الدين.