رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكتاب الخارجى الغالى.. بناقص منه

قبل أسابيع من بداية العام الدراسى الجديد، كانت مواقع التواصل الاجتماعى تضج بأسعار كتب المدارس الخارجية، ولم يكن أى من الناشطين على صفحات «فيسبوك» وزميلاتها من مواقع وتطبيقات، يتردد فى الإدلاء بدلوه فى الموضوع، مئات المنشورات التى تصور أغلفة الكتب الخارجية مع سعر كل كتاب، كتاب كذا بـ٤٠٠ جنيه، كتاب كذا بـ٣٠٠، وكذا بـ٥٠٠ وهكذا، صور و«بوستات» وتعليقات تشعرك بأننا أمام حالة لا حل لها، بل وتنذر بمأساة لا مفر منها فى العام الدراسى الجديد.

ولأننى أب كأى أب، ولدىّ هذا العام ابنة تدخل الثانوية العامة، وابن فى الصف الثانى الإعدادى، تابعت كل ما ينشره الأصدقاء «الافتراضيون»، وبعضهم أصدقاء فى الواقع، وصدقت كل ما قرأته، وشاهدت صوره، وحاولت الاستعداد للموقعة التى لا مفر منها بكل الطرق الممكنة.

استمر الحال حتى ما قبل بداية الدراسة بأيام، وعندما ذهبت إلى مدرسة ابنى لدفع الرسوم الدراسية، وهى للعلم مدرسة تابعة لإحدى الكنائس، ألحقناه بها لأنها واحدة من المدارس القليلة العاملة فى مصر التى تعتمد اللغة الفرنسية كلغة أولى، ولظنٍ منى بأنها لن تضع فى حساباتها الربح من بيع الكتب المدرسية، وهو ظنٌ لم يكن فى موضعه للأسف الشديد، فهناك فوجئت بالرقم المطلوب مقابل أربعة كتب يقال إنها «مستوردة»، وحتى لا أطيل فى شرح لا لزوم له، كان الرقم المطلوب بالضبط هو ألفى جنيه مصرى بالتمام والكمال «تحت العجز والزيادة».. أربعة كتب فقط لا غير ثمنها ألفا جنيه، لأ وكمان تحت العجز والزيادة، يعنى من الممكن أن تتم زيادة الرقم المطلوب عند الاستلام، أو قبله أو بعده، ودون أى حسابات فلن يقل ثمن أى كتاب عن خمسمائة جنيه!!

ورغم أننى اعتدت، فى السنوات السابقة، على الدفع دون مناقشة، أو مراجعة، حتى لا يقع ابنى فى أى حرج أمام زملائه، لكننى قررت عدم الدفع هذا العام، والامتثال لرأى أمه التى طالما نبهتنى إلى وجود فروق «معتبرة» فى أسعار الكتب لو قمنا بشرائها من الخارج.. وكنت فى السنوات السابقة أمر على تنبيهاتها مرور الكرام، ظنًا منى «فى غير محله أيضًا» أن الخارج يعنى تاجرًا، لا بد له من مكسب، ما يعنى زيادة أخرى على الرقم المطلوب، أو أن الكتاب سوف يكون «مضروبًا»، نسخة غير أصلية يعنى، وبالتالى فاحتمالات زيادة نسبة الخطأ فيها سوف تكون أكبر، هى واحتمالات رداءة الورق المستخدم، أو ما شابه من عيوب ينبغى وضعها فى الحسبان، إلى جانب كسلى بالطبع عن البحث عن أماكن طباعة هذه النوعية من الكتب، وما يلزمه من مشاوير لا أملك لها وقتًا ولا طاقة.. المهم قررت الامتثال للأمر، وتجريب البحث عن هذه الكتب التى اخترت شراءها من الخارج «خارج المدرسة»، وهنا كانت المفاجأة التى لم أتوقعها على الإطلاق.. فى مكتبة «الأنجلو» المتخصصة فى بيع الكتب الأجنبية «المستوردة»، كان أغلى كتاب من المجموعة المطلوبة لا يزيد سعره على ١٨٠ جنيهًا فقط لا غير، يعنى لو قلنا الكتاب بمائتى جنيه، طباعة أصلية بعلم وإذن الناشر الأصلى، فالكتب الأربعة «المطلوب فيها ألفا جنيه» لن تكمل الألف، يعنى أقل من نصف المبلغ المطلوب.. كيف؟! لا أعرف.

طبعًا لم يخلُ الأمر من بعض المنغصات، «ما هو مافيش حاجة بتيجى بالساهل، كما هو معلوم فى مصر بالضرورة»، منها مثلًا أن «مكتبة الأنجلو»، التى كنت أدخلها للمرة الأولى للأسف، متخصصة فى الكتب الإنجليزية فقط، دراسات وأبحاث وروايات وقواميس، غصت فيها، ورحت أتجول فى أركانها بانبهار قروى ساذج، وخرجت منها بحمولة لا بأس بها.. المهم، كان لا بد، بالتالى، من البحث عن مكتبة أخرى تبيع الكتب الفرنسية، وهنا كانت بداية رحلة أخرى، لكنها والحمد لله لم تطل، ولم تكن بالصعوبة المتوقعة، ووجدت المكتبة المطلوبة على بعد أمتار، وهناك تكرر الأمر، وبصورة أكثر لطفًا، «وكم لله من لطفٍ خفى»، فكان سعر الكتاب يتراوح من ١٢٠ إلى ١٥٠ جنيهًا.. هكذا انخفض الإجمالى مرة أخرى، وجلست أراجع ما قرأته على صفحات التواصل الاجتماعى، لا يشغلنى غير سؤال واحد وحيد.. ما سر هذه الأسعار التى يتحدث عنها هؤلاء الافتراضيون؟! هل هى أسعار حقيقية، أم أنه «شغل لجان إلكترونية تهدف لبث الفزع والقلق بين الناس»؟!

الحقيقة أننى أصدق ما قرأت من أسعار كتبها الأصدقاء مصحوبة بصور أغلفة الكتب، والحقيقة أيضًا أننى بجولة بسيطة على بعض المكتبات تأكدت من صدقها، ومن الفجوة الضخمة بين سعر الكتاب المحلى ومثيله المستورد، فما السر؟!

هنا بدأت نظرية الاحتمالات تشاغل رأسى، فربما كان الناشر المصرى هو مصدر تلك الزيادة، متحججًا بأسعار الورق وتكاليف التجهيز والطباعة وأجور المؤلفين.. لكن هذا الاحتمال حسبما رأيت بعينى ليس مؤكدًا، ولا أصل له، فالمؤكد أن الناشر الأجنبى «اللى لا مننا ولا من ديننا»، والذى يباع كتابه فى مصر «أصلى غير مضروب ولا مزور» يحصل على أرباحه كاملة مكملة، والمؤكد أن الموزع المصرى «ذا التاريخ الطويل والموثوق به» يحصل على نصيبه غير منقوص من هامش الربح.. ما يعنى أن تكاليف الطباعة ليست بالصورة التى يصدرها لنا ناشرو الكتب المدرسية الخارجية المصرية، والخارجية هذه المرة مقصود بها الكتب غير الرسمية أو غير المعتمدة من الوزارة، تلك النوعية التى تقدم شرحًا مبسطًا للطلاب، وتساعدهم على التحصيل والفهم، مع نماذج للاختبارات الشهرية والسنوية وأجوبتها، وهى كتب معروفة الأسماء، والمؤلفون والناشرون، ويتهافت عليها أولياء الأمور، مثلهم مثل المدرسين الذين يجمعون مئات الطلاب فى قاعات المراكز الخاصة، ويغالون فى أجورهم، وهم واثقون من اضطرار أولياء الأمور للجوء إليهم.. وهو ما أراه استغلالًا لظرف لا يليق أن يقوم به «معلم»، ربما كان راتبه لا يكفى بالفعل، لكننى أظن أن هذه ليست هى الطريقة الصحيحة التى تمكنه من الحصول على مبتغاه، أو ما يليق به من أجر أو عائد.. فهذا ما يفعله التاجر المستغل، لا المعلم الذى «كاد أن يكون رسولًا».

هنا كان لا بد لى من قرار، وكان لا بد لى من الجلوس مع أبنائى والتفاهم معهم، والتأكيد عليهم أنه لا حاجة بنا إلى مستغلٍ أو جشع.. لن نشترى كتبًا «خارجية» يتربح من ورائها «تاجر دين»، ولن نشترى كتبًا «خارجية أخرى» يطبعها تاجر جشع، ولن ندفع لدروس يقدمها جشعون يجمعون عشرات الطلاب فى غرف مغلقة تضيق بهم.. فلا فائدة ترتجى من لص، وليكن ما يكون.