رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نوبل للسلام.. تسييس جديد

ردود الأفعال التى قوبل بها حصول الإيرانية نرجس محمدى على جائزة نوبل للسلام، تؤكد، مجددًا، تسييس الجائزة، خاصة أنها تأتى فى الذكرى العشرين لذهاب الجائزة نفسها إلى الإيرانية شيرين عبادى، التى تعيش الآن فى العاصمة البريطانية لندن، بينما تقضى «محمدى» عقوبة بالسجن لمدة تزيد على ٣٠ سنة فى إيران. واللافت، هو أن الأولى هى نائبة رئيس «مركز المدافعين عن حقوق الإنسان»، الذى أسسته وتترأسه الثانية.

عن شيرين عبادى، نقلت وكالة «رويترز»، أنها تأمل فى أن يؤدى منح جائزة هذا العام لنرجس محمدى إلى «تحقيق الديمقراطية والمساواة للمرأة الإيرانية». غير أن الحاصة على نوبل للسلام سنة ٢٠٠٣، أكدت أن انتهاكات حقوق المرأة فى «الجمهورية الإسلامية» لا يمكن إيقافها، بعكس تيرانا حسن، المديرة التنفيذية لمنظمة «هيومن رايتس ووتش»، التى رأت أن الجائزة «رسالة أخرى لجميع المدافعين عن حقوق الإنسان المحتجزين ظلمًا»، بأن عملهم «الشجاع» مرئى ومحسوس، وبأن «التغيير قادم»، فى حين قالت منظمة العفو الدولية، التى تعتبر نرجس «سجينة رأى»، إنها «ليس لديها أى أمل تقريبًا فى الحرية»!

تعرف، طبعًا، قصة إنشاء جائزة نوبل، التى يمكن تلخيصها فى أن ألفريد نوبل، الذى اخترع «الديناميت»، وحقق من ورائه ثروة طائلة، حين مات شقيقه «لودفيج»، التبس الأمر على جريدة فرنسية، فنشرت خبر وفاة ألفريد تحت عنوان «تاجر الموت ميت». وعليه، أراد أن يذكره الناس بالخير بعد موته، فأوصى بتخصيص ٩٤٪ من ثروته لإنشاء جائزة باسمه، غير أن جورج برنارد شو، أحد أشهر الكتاب المسرحيين، والساخرين، غفر لألفريد نوبل اختراعه الديناميت، ولم يغفر له اختراعه تلك الجائزة. ومعروف أن «برنارد شو» رفض تلك الجائزة ووصفها بأنها طوق نجاة يُلقى به إلى رجل وصل فعلًا إلى بر الأمان.

فضائح جائزة نوبل للسلام لم تبدأ منذ أكتوبر ١٩٧٣، كما ذكر زميلنا حسين دعسة، فى مقاله المنشور على موقع «الدستور»، أمس الأول، بل منذ حصل عليها الرئيس الأمريكى تيودور روزفلت، سنة ١٩٠٦، عن توسطه فى إنهاء الحرب الروسية- اليابانية، سنة ١٩٠٥، التى انتهت بوقوع شبه الجزيرة الكورية تحت سيطرة اليابان. وهى السيطرة التى تحولت فيما بعد إلى احتلال وحشى لم ينته إلا بهزيمة اليابان فى الحرب العالمية الثانية، واتفاق الولايات المتحدة وروسيا على تقسيم، أو تقاسم، شبه الجزيرة إلى دولة شمالية وأخرى جنوبية.

من الطرائف والغرائب، أيضًا، أن نوبل للسلام ذهبت، سنة ٢٠١٩، إلى رئيس الوزراء الإثيوبى الحالى بعد أقل من ١٨ شهرًا على توليه منصبه، كما ذهبت، سنة ٢٠٠٩، إلى الرئيس الأمريكى الأسبق، باراك أوباما، قبل مرور سنة على توليه منصبه، كما ذهبت أيضًا للرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر، سنة ٢٠٠٢، أى بعد ٢١ سنة من تركه السلطة، و... و... ولأسباب يمكنك استنتاجها، ذهبت إلى عشرات غير المستحقين الآخرين، أبرزهم شيمون بيريز، إسحاق رابين، ميخائيل جورباتشوف، والنعجة اليمنية توكل كرمان.

المهم، هو أن الرئيس الفرنسى، إيمانويل ماكرون، أشاد بشجاعة نرجس محمدى، ووصف حصولها على الجائزة بأنه «اختيار قوى لكل مناضل من أجل الحرية واجه فى كل مرة الواقع، والحقيقة، وقسوة هذا النظام، بما فى ذلك المعاناة لعدة سنوات فى السجن والأحكام الرهيبة». كما أشاد المستشار الألمانى، أولاف شولتس، بحصول نرجس على الجائزة وقال: «اُعتقلت ١٣ مرة، وحُكم عليها بالسجن ٣١ عامًا، كل احترامى للفائزة بجائزة نوبل للسلام لهذا العام، وشجاعتها وكفاحها من أجل حقوق المرأة الإيرانية». وقال شارل ميشال، رئيس المجلس الأوروبى، إن «كفاحها من أجل حقوق الإنسان» يلهمهم جميعًا. 

.. وتبقى الإشارة إلى أن تقى رحمانى، زوج نرجس محمدى، الذى يوصف بـ«الناشط السياسى»، مقيم فى العاصمة الفرنسية باريس مع طفليهما، منذ سنوات، وقال لهيئة الإذاعة البريطانية، بى بى سى، إن زوجته «تمثل كل أولئك الذين حصلوا على هذه الجائزة»، مؤكدًا أنه «سعيد للغاية»!