رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف وصلت إلى براءة أشرف مروان؟

من منا لم تراوده أفكاره لتبرئة رجل الأعمال المصري وصهر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بكل الطرق، من منا لم يبذل جهدا لإظهار الحقيقة التي زيفها المؤلف الصهيوني يوري بار جوزيف في كتابه "الملاك" الذي صدر بالعبرية عام 2010، وباللغة الإنجليزية في 2016، والذي حولته فيما بعد منصة نتفليكس المثيرة للجدل لفيلم سينمائي يحمل نفس الأسم في 2018.

والحقيقة أن بار جوزيف أخذ الخيط الذي نسج منه ادعاءاته من كتاب للمؤلف الإسرائيلي أهارون برجمان يحمل عنوان "تاريخ إسرائيل" الذي صدر عام 2002 وأشار إلى جاسوس أعطاه لقب الصهر وأدعى فيه أن هذا الجاسوس تطوع بنفسه في الموساد الإسرائيلي، ولم يفسر فيه السر في ذلك، الأمر الذي استغله بار جوزيف في كتابه الكاذب "الملاك".

ظل برجمان يشعر بالذنب - لأنه هو من جعل بار جوزيف يبني روايته الزائفة التي روجتها إسرائيل بشكل واسع ومن بعدها نتفليكس-، للدرجة التي جعلته يصدر كتابا جديدا في عام 2016 تحت عنوان " The Spy Who Fell to Earth: My Relationship with the Secret Agent Who Rocked the Middle East " يفسر السر الذي جعل مروان يذهب للموساد، وهو الخداع الاستراتيجي الذي قاد إلى نصر 6 أكتوبر 1973، لأن مروان كان جاسوسا مصريا خالصا.

في ذلك الوقت الذي صدر فيه كتاب برجمان "الجاسوس الذي سقط على الأرض.. علاقتى بالعميل السرى الذي هز الشرق الأوسط" عام 2016، كنت أعمل محررة في قسم الشئون الخارجية بجريدة البوابة تحت قيادة دكتور محمد الباز، ذهبت إليه وكنت متخوفة وأنا أعرض كتابة موضوع للصفحة الأخيرة عن كتاب برجمان الجديد حول أشرف مروان، لكن وكعادته التي تنبع من حسه الصحفي رفيع المستوى ومن إيمانه الراسخ ببراءة أشرف مروان، تناقش معي في الكتاب الذي حصلنا على نسخة "بي دي إف" منه، وعلى الفور شجعني على كتابة مختصر للكتاب وبالفعل نُشر في يوليو 2016 تحت عنوان "براءة أشرف مروان".

"براءة أشرف مروان" لم تكن لتنشر على لسان أول من بذر بذرة عمالته للموساد، لولا إيمان دكتور محمد الباز وعقيدته التي لم أجدها في رئيس تحرير أبدا منذ بدأت عملي بالصحافة، وهنا أقولها كشهادة لأنني تعرضت في بداية عملي الصحفي للعمل مع رئيس تحرير طلب مني أن أكتب موضوعا يتماشى مع الرواية الإسرائيلية للدرجة التي تعجب من هذا الرجل هل هو مصري، عموما هو ليس صحفيا وليس اسما يمكن أن تذكره وليس له بصمة في أي جانب من جوانب الإعلام والصحافة التي لم يكن يملك أيا من مقوماتها الأمينة والمتفحصة.

مر عامان، ثم قامت نتفليكس بعرض فيلم الملاك في 2018 المأخوذ عن كتاب يوري بار جوزيف الذي زيف فيه حقيقة أشرف مروان، وروجت له بشكل كبير منحازة في ذلك للرواية الإسرائيلية بالطبع فإسرائيل تعتبر الابنة الصغرى لأمريكا التي تدعمها في جرائمها ورواياتها وتصريحاتها المفبركة وأعمالها الكريهة.

شهد ذلك الوقت حماسة مصرية وطنية حقيقية للرد على نتفليكس وعلى فيلمها الموجه، وخلالها كان دكتور محمد الباز رئيس مجلسي إدارة وتحرير جريدة الدستور وكنت أعمل في قسم الخارجي بها، واجتمع بأقسام الجريدة للرد على فيلم نتفليكس، وكان برجمان قد نشر تصريحات لمجلة "تايم" الأمريكية الشهيرة صبيحة عرض فيلم الملاك قال فيها إن "مروان كان الجوهرة في تاج خطة الخداع المصرية في عام 1973..  مروان الذي كنت أعرفه جيدًا كان بطلًا وجاسوسا مصريا ضلل الموساد من خلال تزويدهم لسنوات بمعلومات خاطئة"، وشجعني دكتور محمد لترجمة تلك التصريحات ونُشرت في الدستور تحت عنوان "حق الملاك".

وجدت في دكتور محمد الباز دعما غير محدود وهو طبيعته في الحقيقة لكل مادة صحفية جادة ودقيقة، هذا ما أشعرني ببعض الشجاعة للبحث عن أهارون برجمان ذاته، لماذا أقوم فقط بترجمة تصريحاته التي تنفي رواية إسرائيل الزائفة وتثبت حقيقة أشرف مروان الوطنية، بالفعل وصلت لحساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، ووافق على إضافتي، عرفت من خلال متابعة حساباته أن هناك عملا بريطانيا يقوم بالتجهيز له مع المخرج توماس ميدمور وهو فيلم وثائقي من إنتاج شركة Salon Pictures ومقرها في لندن، ومستوحى من كتاب برجمان "الجاسوس الذى سقط على الأرض: علاقتى مع العميل السرى الذى هز الشرق الأوسط"، والذي يكشف تضليل مروان لإسرائيل خلال فترة الحرب، والذي برأ فيه برجمان أشرف مروان من تهمة العمالة لإسرائيل، وتواصلت مع المخرج البريطاني توماس ميدمور الذي طلب مني المشاركة في الفيلم الوثائقي الذي عرض عام 2019 بعد ذلك ولكنني لم أستطع المشاركة والسفر إلى لندن وقتها.

ذهبت إلى دكتور محمد الباز وشرحت له ما جرى وأنا لا أعرف هل ما فعلت صحيحا أم لا، بكل الإيمان والثبات وجدته يحدثني بحزم، "تواصلتي مع مخرج الفيلم الوثائقي ولم تتواصلي مع برجمان وهو السبب الأول في تشويه صورة مروان والذي يستميت الآن في الدفاع عنه وتبرئته وضرب الرواية الإسرائيلية التي روج لها بار جوزيف، ابدأي فورا بالتواصل مع برجمان".

وجدتني أحدث نفسي ما كل هذا الإيمان يا دكتور محمد ما كل هذه الوطنية، رغم ما يمكن أن نتعرض له من التواصل مع برجمان لم يوقفه ذلك، المهم هو إثبات براءة مروان على لسان برجمان ذاته، تناقش دكتور محمد معي حول الأسئلة التي سأطرحها على برجمان وبالفعل جهزنا الأسئلة وتواصلت مع برجمان لأنه كان لا بد من الوصول إليه، والتحاور معه فلديه الكثير من الأسرار التي ستكشف الحقيقة لو أن صحيفة مصرية قامت بمحاورته.

قمنا بعمل الحوار على الرغم من أن الحديث مع برجمان قد يحمل بعض المخاطر، ويبدو التحاور مع مؤرخ يهودى أمرًا منتقدًا، لكن الحقيقة تستحق أن نبذل من أجلها كل الجهد، حتى لو تعرضنا لهجوم قد يكون عصبيًا وانفعاليًا، لذا وضعنا نصب أعيننا، قبل أى شىء آخر، مهمة المساهمة فى تبرئة أشرف مروان مما لحق به من اتهامات، وها هو من اتهمه فى البداية يتراجع، وينحاز إليه، فما الذى يجعلنا لا نقترب ممن لديه الأسرار، وتلك كانت عقيدة دكتور محمد الباز وهو الوصول إلى الحقيقة من منبعها.

ونشر الحوار عام 2018، وهو الأول مع برجمان لصحيفة مصرية أثبت فيه أنه كان بطلًا مصريًّا خالصًا، وأكد أنه كان عميلًا مزدوجًا، وولاؤه لمصر، وكان ضمن جزء من خطة التمويه والخداع، التى تضم ٤٠ مصريًا، وتمكن بنجاح من خداع الإسرائيليين وتعميتهم بمعلومات مضللة، ليكون من بين أسباب حرب أكتوبر العظيمة.

وكان برجمان متحمسًا ومنحازًا لوجهة نظره وشهادته عن حقيقة أشرف مروان، بوصفه مصريًا وطنيًا، ضلل إسرائيل، وكان أداة من الأدوات الرئيسية فى تحقيق نصر أكتوبر وعبور القناة، وفى نفس الوقت كانت إجاباته مباشرة ومحددة خلال الحوار الذي نشر تحت عنوان "المؤرخ اليهودى أهارون برجمان: أشرف مروان كان مصريا خالصا ونجح فى تضليل الموساد" في جريدة الدستور بقيادة دكتور محمد الباز، وكانت التبرئة شهادة حقيقة ليست ترجمة ولا تصريحات أرشيفية بل كانت تصريحات مباشرة من برجمان للمصريين، تلك الشهادة الغالية لم تكن لنحصل عليها إلا بسبب إيمان ووطنية محمد الباز