رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مواهب للبيع

جنبًا إلى جنب مع الإعلانات عن بيع المكانس الكهربائية، وأدوات المطبخ، أصبح من المألوف أن تجد إعلانًا عن مواهب للبيع، موهبة الكتابة الأدبية، أو العلمية، أو الصحفية، أو حتى السينمائية، كل هذا موجود، ولكل شىء سعره. فإذا أردت أن تصبح أديبًا فلا تزعج نفسك بالسؤال: هل أنا موهوب؟ تقدم واشتر بفلوسك ما يعن لك من روايات وقصص أو أبحاث علمية. 

ولتقرأ معى على سبيل المثال هذا الإعلان على وسائل التواصل- أنقله إليك بنصه تقريبًا- عن خدمة «الكاتب المساعد» الذى يبدأ بمخاطبتك: «إذا كانت لديك خبرات عديدة وقصص نجاح وأفكار قيمة وتتمنى جمعها فى كتاب ينشر باسمك لكنك لا تدرى من أين تبدأ، أو أن وقتك ضيق، فإننا سوف نساعدك بأفضل الأسعار ليكون لديك هذا الكتاب بفضل خدمة تحرير وإعادة صياغة المحتوى، وخدمة الكاتب المساعد»، إلى آخره.

هكذا يمكنك أن تكون كاتبًا حتى لو لم يتسع وقتك لتكون كاتبًا، المهم أن تدفع المبلغ المطلوب. أما إذا أضناك شوق لأن تصبح صحفيًا مرموقًا فإن هناك إعلانًا بهذا الشأن: «نحن نقدم لك خدمة كتابة المقالات بأسعار تناسب الجميع، والتسليم خلال يوم واحد، وتكلفة المقال ٢٥٠ جنيهًا فقط، وإذا حجزت أكثر من خمس مقالات تصبح التكلفة ١٥٠ جنيهًا فقط. اتصل بنا قبل انتهاء العرض لتحقق حلمك». 

هناك إعلانات أخرى عن كتابة السيناريو والتمثيليات جاء فيها أنها: «بأفضل جودة وأنسب سعر». فى مجال العلوم ستقرأ إعلانات عن كتابة المقالات الطبية، ومحاضرات الطلاب باللغتين العربية والإنجليزية، «وللاستعلام اكتب لنا على الخاص». وإعلانات عن تحضير رسائل الدكتوراه والماجستير فى أى وكل مجال. 

هكذا شيئًا فشيئًا نجد أن لدينا من يبيعون لك الموهبة التى تفتقدها، والتألق الاجتماعى، ولقب صحفى، أو أديب، أو سيناريست، إذا كنت مشغولًا بشىء آخر ولديك فلوس تكفى لشراء الموهبة. ولن أستغرب إذا ظهرت قريبًا لوحات بأخبار أسعار المواهب، أو أن نقرأ: «أسعار الموهبة اليوم بالمصنعية»! وأسفل ذلك العنوان: «تراجعت اليوم أسعار الموهبة الأدبية بنحو عشرين جنيهًا، بينما استقر سعر الموهبة الصحفية كما كان أمس». 

ومن كل ذلك الذى لم يكن أحد ليتخيله تنشأ فئة واسعة الانتشار تطفو على سطح الحياة الثقافية والعلمية، وقد تنفذ إلى مراكز التأثير بكل ما تحمله من كذب وخداع، وتزيح جانبًا من الموهوبين الحقيقيين الذين أرقهم الشوق إلى التعبير وأنهكهم البحث عن مغزى الأدب ودور العلم والفن. أصبحنا نقرأ بكثرة عن مواهب للبيع، مثلما نقرأ عن مكانس كهربائية للبيع، لكن الموهبة التى هى جماع القلب والذاكرة والرؤى الشخصية والموضوعية والأحلام والأحزان، هذه الموهبة لا يمكن شراؤها، كما لا يمكن شراء لون العين، أو عدد خفقات القلب، أو طريقة النظر إلى السماء. ولا يشترى موهبة إلا شخص مفلس، لم تشغله الموهبة قط لحظة، لكن معه فلوس، وكل ما يريده أن يكون متألقًا، وأن يظهر اسمه فى الصحف وأن يسعد حين تقول عنه زوجته لصديقاتها: «أصل أنا جوزى مؤلف.. كان الله فى عونه».