رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حكاية وطن.. الحوار الوطنى بمراحله ومخرجاته ركن أساسى من أركان الإصلاح السياسى

حكاية وطن
حكاية وطن

أرادت الدولــة نقــل الإصــلاح السياســي نقلــة نوعيــة كبيــرة وبلورتـه بشـكل أشـمل مـن خـلال توجيـه الدعـوة للحـوار الوطنـي فـي أبريـل 2022 وانطلاقـه بشـكل فعلـي بعـد المرحلـة التحضيريـة فـي مايـو 2023 بيـن القـوى السياسـية والاجتماعيـة كافـة حـول أولويـات وقضايـا العمـل الوطنـي؛ للوصـول إلـى نظـام سياسـي أكثـر احتوائيـة، وأكثـر تمثيليـة، وأكثـر تشـاركية؛ نظـام تعـددي يتمتـع أطرافـه بحقـوق كاملـة متسـاوية فـي التعبيـر والوصـول للمواطنيـن والمشـاركة فـي المؤسسـات التمثيليـة؛ بصـورة تمكـن الأطـراف المكونـة للمجتمـع السياسـي مـن التعبيـر والمشـاركة بحرية، دون أن تسـتفيد مـن ذلـك قـوى التطـرف والإرهـاب التـي لفظهـا المجتمـع إلـى غيـر رجعـة.

فتحـدث الرئيـس عبـدالفتـاح السيسـي عـن إصـلاح سياسـي وحـوار وطنـي يتسـع لقــوى سياســية عــدة، ويشــمل أولويــات وقضايــا العمــل الوطنــي.

 وأشار تقرير "حكاية وطن.. بين الرؤية والإنجاز"، إلى أنه بالنظــر إلــى طبيعـة الترتيبـات السياسـية التـي سـادت خـلال السـنوات الماضيـة، فـإن حـوارًا بهـذا الشـمول والاتسـاع هـو -فـي حـد ذاتـه- إصـلاح سياسـي ويمثـل فتـح حـوار تشارك فيـه قـوى سياسـية عـدة ويغطـي قضايـا العمـل الوطنـي الرئيسـة فتحًـا للمجـال العـام، وهـو المضمـون الأهـم لدعـوة الإصـلاح السياسـي التـي أطلقهـا الرئيـس. 

ويعــد الحــوار الوطنــي علــى هــذا النحــو طريقــة لإدارة الشــأن العــام، بحيــث يكــون الحـوار المتواصـل بيـن الحكومـة وأصحـاب المصالـح الحقيقييـن هـو الطريـق لتعزيـز طاقـة النظـام السياسـي علـى دمـج واحتـواء المصالـح المختلفـة، وتوظيـف الحـوار بطريقــة تتجــاوز الحــدود الضيقــة للانتخابــات والتنافــس الانتخابــي، وتتجــاوز عــدم  فاعليـة الحيـاة الحزبيـة بشـكل حقيقـي رغـم تعدديتهـا وثرائهـا سياسـيًا وفكريًـا.

وأكـد الحـوار الوطنـي الإيمـان العميـق لـدى القيـادة السياسـية بأنـه لا مجـال لإقصـاء أي توجـه أو رأي طالمـا أن مختلـف هـذه التوجهـات والآراء إنمـا تنطلـق مـن أســس وطنيــة فــي المقــام الأول، وترمــي إلــى المصلحــة العليــا للدولــة، ويمكــن ترجمتهـا إلـى صيـغ تنفيذيـة؛ لكـون الحـوار هـو أسـاس تنفيـذي فـي المقـام الأول، ولذلـك كان التأكيـد علـى تنفيـذ كل مـا يصـدر عنـه حسـب الاختصـاص سـواء مـن جانـب الرئيـس أو الحكومـة أو البرلمـان، وهـو الأمـر ذاتـه المنطبـق فـي العديـد مـن الشـواهد الأخـرى ومنهـا المؤتمـر الاقتصـادي أكتوبـر 2022؛ إذ إن فلسـفة الدعـوة إلــى مثــل هــذه اللقــاءات والحــوارات الجامعــة تقــوم علــى الاســتغلال الأمثــل لمــا ينتـج عـن التقـاء قـادة الفكـر والـرأي والمعنييـن بالملفـات الحيويـة.

وأضاف تقرير "حكاية وطن.. بين الرؤية والإنجاز"، أنه يمكــن النظـر إلــى الأثر المتحقـق جـراء الدعـوة إلـى الحــوار الوطنـي وانتهـاء مرحلتـــه الأولــى التــي شــملت نحــو 90 جلســة شــارك فيهــا أكثــر مــن 2630 متحدثًا، وقدم  خلالهــا أكثــر مــن 1500 مقتــرح، انتهــاء برفــع توصياتهــا إلــى رئيــس الجمهوريــة فــي أغســطس 2023 مــن خــلال المؤشــرات التاليــة:

 

1- عـدد القـوى الموجـودة فـي المجـال العـام: 

يشـمل ذلـك الأحـزاب السياسـية والاتجاهــات الفكريــة والسياســية التــي أتيــح لهــا التعبيــر عــن نفســها عبــر مؤسســات المجــال العــام وعلــى منصاتــه؛ والتــي تشــمل وســائل الإعــلام العامـة، وليـس فقـط وسـائل التواصـل الاجتماعي، وكذلـك مؤسسـات التمثيل السياســي المختلفــة؛ إذ أفســح الحــوار الوطنــي المجــال لقــوى سياســية واجتماعيــة متعــددة للمشــاركة فــي جلســاته وفعالياتــه، بــل وأن تنشــأ مــن خـلال هـذه الجلسـات والفعاليـات قـوى جديـدة أخـرى تتخـذ مـن الحـوار الوطنـي منطلقــًا للعمــل السياســي والاجتماعــي فــي المرحلــة المقبلــة.

 

2- تقليـل تكلفـة الوجـود فـي المجـال العـام:

 إذ كان ينظر إلى أن الوجود فى المجـال العـام فـي مصـر خـلال سـنوات مضـت ذو تكلفـة باهظـة علـى أصحابـه، ويحتـاج إلـى توافـر درجـة عاليـة مـن الكفاحيـة والتصميـم. 

ولكـن أسـهم الحـوار الوطنـي فـي تقليـل التكلفـة التـي يتحملهـا الأفـراد والجماعـات للظهـور فـي المجـال العـام، فكلمـا كانــت عواقـب الوجــود فــي المجـال العــام أقـل، وكلمـا كانــت التكلفــة الماديــة والمعنويــة للوجــود فــي المجــال العــام أقــل؛ اتســم المجـال العـام بقـدر أكبـر مـن الانفتـاح.

 3- توســيع نطــاق القضايــا المطروحــة للتــداول والنقــاش: 

فقــد شــمل الحــوار الوطنــي علــى اختــلاف لجانــه وجلســاته مصفوفــة واســعة مــن القضايــا والملفات التى طرحــت للنقــاش والحــوار بيــن المجتمعيــن علــى اختلافهــم الفكـري والسياسـي والأيديولوجـي والاجتماعـي، وتراوحـت هـذه القضايـا مـن الأزمــة الاقتصاديــة التــي تواجههــا مصــر وصــون حقــوق الإنســان والحبــس الاحتياطــي؛ بغيــة الخــروج بخطــط وآليــات تســهم فــي معالجــة هــذه المشــكلات والقضايــا.

 

 4- مأسسـة المجـال العـام: 

فقـد أسـهم الحـوار الوطنـي فـي تدعيـم وزيـادة عـدد المؤسسـات التـي يمكـن مـن خلالهـا المشـاركة المنظمـة فـي المجـال العـام. 

فالأهـم فـي المجـال العـام ليـس المنصـات الإعلاميـة المختلفـة فقـط، وإنمـا المؤسسـات التـي يتـم مـن خلالهـا تمثيل التيـارات والأحـزاب والمصالـح بطريقة منظمة، والتى يمكن لأصحاب المصلحة والرأى والتدبر والتفـاوض وحل الخلافـات وصنـع السياسـات مـن خلالها.

 فكلما تـمت زيادة عدد هذه المؤسسـات، وتـم احتـرام اسـتقلالها الذاتـي؛ زادت درجـة مأسسـة المجـال العـام.

 

 5- فاعليـة المجـال العـام:

إذ كان الحـوار الوطنـي أساسـًا تنفيذيـًا في المقـام الأول وليـس مجـرد سـاحة للتبـادل الحـر للآراء، ولكنـه أداة رئيسـة لصنـع السياسـات العامـة. 

ولذلـك كانـت توصياتـه ليسـت مجـرد جمـل عامـة أو فضفاضـة، وإنمـا تضمنـت خططـًا ومقترحـات تفصيليـة وبدائـل مختلفـة للتطبيـق، الأمـر الـذي كان نتيجـة أساسـية للثـراء الفكـري والحـواري وثـراء الحالـة النقاشـية التي نتجت عــن اجتمــاع أصحــاب المصلحــة وأصحــاب الفكــر والــرأي مــن مختلــف الفئــات والطبقـات. 

ويتضـح ذلـك فـي طـرح عـدة بدائـل للنظـام الانتخابـي للمجالـس الشــعبية المحليــة، وعــدة بدائــل للنظــام الانتخابــي للمجالــس النيابيــة فــي ظــل الضوابــط الدســتورية، وخطــط تفصيليــة لعــدد مــن التوصيــات مثــل التوصيـة الخاصـة بإصـدار تشـريع لإنشـاء مفوضيـة مناهضـة التمييـز، وإصـدار قانـون موحـد للعمـل التعاونـي، وتعديـل قانـون أحـكام الولايـة علـى المـال.

 6- مواصلــة الإصــلاح: 

فعلــى الرغــم مــن ذلــك كلــه، لا يــزال طريــق الإصــلاح السياســي طويــلًا، بيــد أنــه مــن المؤكــد أن الحــوار الوطنــي بمراحلــه التاليــة ومخرجاته التى يتوقع أن يجرى التصديق عليها وتنفيذها يعد ركنًا أساسيًا مستمرًا من أركان هذا الإصلاح المنشود، انطلاقــًا مــن كــون الحــوار هــو أســاس للبنــاء، وبالنظــر إلــى أن مســيرة البنــاء والتنميــة لــم تتوقــف ولــن تتوقــف بالنظــر إلــى جســامة التحديــات والصعــاب التــي تواجههــا وتتطلــب العمــل الــدءوب والمســتمر؛ فالحــوار الوطنــي الجــاد الصــادق يمثــل مرحلــة مهمــة فــي مســار التحــول الديمقراطــي فــي مصــر، ويشــكل خطــوة جــادة مـن خطـوات فـي الطريـق نحـو الجمهوريـة الجديـدة؛ جمهوريـة تحتـرم الجميـع وتتـرك مسـاحة للاختـلاف والنقـاش حـول أهـم القضايـا والمشـكلات والتحديات وســبل التعامــل معهــا مــن أجــل تحقيــق مســتقبل أفضــل.

وتسـهم هـذه التطـورات بشـكل مباشـر فـي تعزيـز أسـس الديمقراطيـة ومبـادئ المواطنـة.

 إذ يسـهم الحـوار فـي خلـق مجـال سياسـي ديمقراطـي أكثـر فاعلية، مع حوكمـة عمليـة صنـع السياسـة العامـة وتشـجيع المواطنيـن للمشـاركة فـي الحياة السياسـية داخـل الدولـة المصريـة.

 وهـو مـا يتسـق مـع الفلسـفة التـي بنيـت علـى أساسـها دعـوة الرئيـس إلـى الحوار الوطنـي من زاويـة أن الوطن يتسـع للجميع، وأن الاختـلاف فـي الـرأي لا يفسـد للوطـن قضية. 

والمطلـوب هو تقييم واقعـي للقيود والمخاطــر التــي يفرضهــا الواقــع السياســي والثقافــي والاجتماعــي والاقتصــادي. 

علـى الجانـب الآخـر، مـن الضـروري التحلـي برؤيـة متفـق عليهـا، تتعلـق بالنمـوذج السياســي المنشــود، مــع تطويــر رؤيــة للنظــام السياســي المــراد الوصــول إليــه.