رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"سيدات عظيمات".. زوجات شهداء أكتوبر: رجالنا أقسموا على تحرير الأرض ولو كان الثمن أرواحهم

سيدات عظيمات زوجات
"سيدات عظيمات" زوجات شهداء أكتوبر

فى الذكرى الـ٥٠ لنصر أكتوبر المجيد، التقت «الدستور» عددًا من زوجات الأبطال الذين شاركوا فى العبور، وثأروا لكرامة الوطن، واستعادوا الأرض الطاهرة، وحطموا أسطورة الجيش الذى لا يُقهر، للحديث عن كواليس السنوات التى سبقت الحرب، وأيام الحرب، وملابسات استشهاد كل بطل. 

اللواء أحمد حمدى

تفيدة الأيوبى: كان حنونًا ومشجعًا وقبل استشهاده ودّعنا كأنه كان يشعر بقرب النهاية

قالت تفيدة الأيوبى، زوجة اللواء أحمد حمدى، إن زوجها الشهيد كان نعم الزوج والأب، وإنه فى بداية زواجهما، سافر فى بعثة إلى روسيا إلى كلية أركان الحرب لمدة ٤ سنوات، ولم تكن تراه سوى أيام معدودات كل ٦ أشهر، ثم أنهى الشهيد بعثته، وعاد إلى مصر.

وأضافت أنها لم تكن تتخيل أن هناك إنسانًا بالطيبة والحنان والاحتواء، مثلما رأت مع زوجها الشهيد، مشيرة إلى أن الشهيد كان يحترمها، ويقدرها للغاية، ويشجعها دائمًا، ويمجد كل أمر تفعله، فقد كان إنسانًا عظيمًا.

وتابعت: «مقر خدمة الشهيد كان فى مدينة الإسماعيلية، وذهبت معه إلى معسكر الجلاء وبقيت هناك لمدة ٤ سنوات اعتبرتها من أجمل أيام عمرى، حتى بدأت حرب ١٩٦٧ وحينها كنت فى الفيلا بالمعسكر، وفوجئت بمكالمة هاتفية منه يخبرنى فيها باندلاع الحرب، ويطلب منى أن أصطحب أبناءنا، وأن أغادر المعسكر فى الحال، وبالفعل عدت إلى القاهرة عند أسرتى».

واستطردت: «كان فى حالة نفسية سيئة جدًا عقب النكسة، رغم أنه نفذ الكثير من المهمات البطولية خلال الحرب، وكان آخر ضابط انسحب، وقبل انسحابه فجّر جميع خطوط مياه سيناء حتى لا يستفيد منها العدو، إلا أنه رأى زملاءه فى حالة مزرية، فقد تم احتلالنا بالفعل.

وتابعت: «بعد أن عاد إلى القاهرة على الفور بدأ المشاركة مع باقى القادة فى تجهيز خطة الحرب، لأنه كان يشعر بحتمية وضرورة الثأر واستعادة الأراضى من العدو، ورد هيبتنا الكاملة وتحرير بلادنا، وفى هذه الأثناء، كان دائم الحضور على الجبهة، ولم نكن نراه إلا مرات نادرة ورغم أن الحياة كانت صعبة فى ظل غيابه، لكننا كنا ندعمه ونسانده».

وعن ذكرياتها أثناء حرب أكتوبر، قالت: «لم أكن أعرف موعد الحرب، لكن زوجى فى إحدى المرات، كان يجلس بجوارى، ويشاهد أحد خطابات الرئيس السادات على التليفزيون، وفجأة قال الشهيد وهو سعيد للغاية أيوه كده أيوه كده، وذهب مسرعًا لغرفة مكتبه، بمنتهى الحماس، وأنا لم أكن أعرف ما يعنيه ذلك، لكن يبدو أنه فهم من كلام الرئيس السادات أن الحرب اقتربت».

وأضافت: «موعد الحرب لم يكن معلومًا، لكنى شعرت بأن زوجى مقبل على شىء مهم للغاية لكنه يرفض الإفصاح عنه، لأنه ضم أولادنا فى حضنه وقبّلهم بقوة، وأصر على مرافقة ابننا عبدالحميد إلى المدرسة لأول مرة رغم أن أتوبيس المدرسة كان يقله يوميًا. وبعد أن عاد ابنى من المدرسة قال لى إن والده قبله، وقال له خلى بالك من ماما وإخواتك يا عبدالحميد».

وعبّرت عن إحساسها خلال هذه الفترة قائلة: «كل هذه الأمور كانت تعصر قلبى، لكن لم يكن بيدى شىء، وأذكر أنه فى آخر مكالمة بيننا قبل الحرب وكنا فى رمضان وقتها قال لى خلى بالك من نفسك، وانتبهى للأولاد، وبعد هذه المكالمة بعدة أيام اندلعت الحرب، وكانت بمثابة صدمة قوية بالنسبة لى، رغم أننى كنت أعرف أن هناك أمرًا ما سيحدث».

وتابعت: «مساء يوم ١٣ أكتوبر هاتفنى اللواء جلال سرى، رحمة الله عليه، وساعدنى على التواصل مع زوجى، وبالفعل باركت له على النصر، وتحدث إلى أبنائنا، وهنأوه بالنصر، وقد استشهد أثناء مشاركته جنوده فى إعادة إنشاء كوبرى لتمر عليه قوات فى مهمة ضرورية لدعم وتطوير الحرب، وخلال المهمة ظهرت مجموعة من البراطيم- وهو تعبير دارج يعنى الجزء الطافى فى البحر أو النهر، يُصنع من مواد خفيفة قابلة للطفو، يستخدم كمعدية متجهة بفعل تيار الماء إلى الجزء الذى تم إنشاؤه من الكوبرى- معرّضة هذا الجزء إلى الخطر، وبسرعة بديهة قفز الشهيد إلى ناقلة برمائية، كانت تقف على الشاطئ قرب الكوبرى، وقادها بنفسه، وسحب بها البراطيم بعيدًا عن منطقة العمل، ثم عاد إلى جنوده لاستكمال العمل رغم القصف الجوى المستمر، وقبل الانتهاء من إنشاء الكوبرى، أصيب بشظية، وهو واقف بين جنوده، وكانت هذه إصابته الوحيدة، وكان هو المصاب الوحيد بين الحاضرين واستشهد فى الحال».

وأكدت زوجة البطل أنها لم تعرف نبأ استشهاده إلا بعد ١٠ أيام، وتحديدًا صباح أول أيام عيد الفطر، عندما زارتها أسرتها على غير المعتاد، لأنها اعتادت أن تذهب إليهم، وليس العكس فشعرت أن أمرًا جللًا حدث، وحينها أخبروها باستشهاد البطل وهو الخبر الذى قالت عنه «لا أستطيع وصف كيف كان وقع الخبر علىّ وكم آلمنى»، موضحة أن أسرتها كانت تعرف بنبأ استشهاد زوجها قبل أن يخبروها بيومين لكنهم لم يخبروها.

واستطردت قائلة إن اللواء أحمد حمدى استشهد فى الحرب تاركًا لها ثلاثة أبناء الأولى أمنية ١٢ عامًا، وقتها، والثانى عبدالحميد ٩ سنوات، والثالثة نجلاء ٤ سنوات، موضحة أن نجلاء الصغرى ولا تتذكر هذه الأيام جيدًا، لكن أمنية وعبدالحميد يتذكران والدهما جيدًا، وكيف كان يعاملهما معاملة راقية.

وقالت: «كان دائمًا ما يسرد لهم قصص بطولات الحرب، ويزرع فى قلوبهم الوطنية وحب الوطن وهو ما تعلمته منه، وسعيت جاهدة للحفاظ عليه، والحمد لله تخرجت أمنية فى كلية الصيدلة بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف، وتخرج عبدالحميد فى الأكاديمية العربية للنقل البحرى، كما تخرجت نجلاء فى كلية الألسن بدرجة جيد جدًا». 

أما عن ذكرياتها أثناء الحرب، فأوضحت أن الحرب لم تأخذ وقتًا طويلًا، وكل ما كان يشغل بالها حينها هو الوصول لأخبار عن اللواء أحمد حمدى، فذكرياتها خلال هذه الفترة مؤلمة للغاية ولا تستطيع الحديث عنها قائلة «حمدًا لله، فقد نصر الله البطل بنصر أكتوبر والشهادة معًا وهو أهم شىء له ولى.

وتابعت: «جرى تكريم اسم الشهيد بعد ذلك عدة تكريمات، حيث كان أول تكريم له هو تخريج دفعة من طلبة الكلية الحربية باسمه، ومنحه سيف الشرف، كما اختاره الرئيس السادات ليكون من ضمن الأبطال الذين جرى تخليد ذكراهم للأجيال المقبلة وأطلق اسمه على نفق شهير هو نفق الشهيد أحمد حمدى، كما قرر الرئيس السيسى تسمية الفرع الثانى للنفق باسمه أيضًا، إضافة إلى أن نقابة المهندسين قررت جعل يوم المهندس يوافق يوم استشهاد البطل، فضلًا عن أنه حصل على نجمة سيناء من الطبقة الأولى».

وأشادت زوجة البطل بدوره فى الحرب المجيدة قائلة: «كان سببًا رئيسيًا فى نصر أكتوبر ١٩٧٣ لأنه من أنشأ وصمم ونفذ المعابر الرئيسية التى عبرت منها القوات إلى الضفة الأخرى من القناة، فقد كان قائد لواء المهندسين المخصص لتنفيذ الأعمال الهندسية بالجيش الثانى الميدانى وتم تحت إشرافه تصنيع وحدات لواء الكبارى واستكمال معدات وبراطيم العبور وكان له الدور الرئيسى فى تطوير الكبارى الروسية الصنع لتلائم ظروف قناة السويس، وطوّر تركيب الكبارى ليصبح تركيبها فى ٦ ساعات بدلًا من ٧٤ ساعة، إضافة إلى أنه صمّم وصنع كوبرى علويًا يتم تركيبه على أسس ومواسير حديدية يتم سحبها وتركيبها لاستخدامها فى حالة فشل قوات الصاعقة فى غلق فتحات النابلم فى القناة».

وأوضحت أن الشهيد كان يحمل رتبة أركان حرب عميد مهندس وقت الحرب، لكنه كُرِم بعد ذلك بترقيته إلى رتبة لواء، لأنه كان على درجة ترقية، مستطردة: «رغم ذلك، أرى أنه يستحق رتبة فريق لأنه تمت ترقيته لرتبة لواء وهو فى الحرب من الفريق سعد الدين الشاذلى، لكنه استشهد وعندما حدثت الثغرة جرى وقف جميع الترقيات الاستثنائية رغم عدم حضور البطل لها، حيث استشهد قبل الثغرة».

رائد طيار إسماعيل إمام

فاطمة: البطل أسقط 7 طائرات للعدو.. واحتجت علاجًا نفسيًا لأستكمل حياتى بدونه

قالت «فاطمة»، زوجة الشهيد رائد طيار أركان حرب إسماعيل محمد حسن إمام، إن زوجها كان يتمتع بروح الفكاهة والدعابة، كما كان يُشهد له بالجرأة والشجاعة وحب مساعدة الآخرين والرغبة الشديدة فى قضاء حوائج الناس.

وأوضحت، خلال حديثها، لـ«الدستور»، أن البطل الشهيد كان من مواليد فاقوس بمحافظة بالشرقية، ودرس فى البداية فى كلية التجارة الخارجية، لكنه تراجع عن ذلك والتحق بالكلية الجوية، التى تخرج فيها عام ١٩٦٧ دفعة ١٩ طيران، مشيرة إلى أنه شارك فى حربى الاستنزاف وأكتوبر، وعُرفت عنه البسالة والمهارة العالية فى المناورات الجوية، كما كان أول من أسقط طائرة إسرائيلية فى عام ١٩٦٩.

وأكدت أن الشهيد نفذ وشارك فى العديد من المناورات الجوية التى تدرس الآن فى الكلية الجوية، من بينها الضربة الجوية الأولى فى حرب أكتوبر، واستطاع إسقاط ٧ طائرات للعدو الإسرائيلى بمفرده، من بينها طائرات «فانتوم» و«ميراج» و«ميج ٢١» و«سكاى هوك»، لذا حصل البطل الشهيد على وسام «نجمة سيناء» من الطبقة الأولى.

ولفتت إلى أن جميع من عرفوا البطل كانوا يحبونه لسماته الشخصية الرائعة، حتى إنه فى إحدى الطلعات الجوية الخاصة سقط بالباراشوت فى قرية هرية رزنة وأصيب، فذهب إليه جميع زملائه مسرعين لمساعدته، كما ذهب جميع شباب البلدة إلى المستشفى الذى كان يتلقى العلاج به للتبرع بدمائهم له.

وقالت زوجة الشهيد إن البطل كان شهمًا وحنونًا للغاية، ويعشق لعبة الهوكى، ويدخل فى مسابقات رياضية للعبة خلال المرحلة الثانوية.

وعن علاقتها بالشهيد، قالت «فاطمة» إنها كانت علاقة قوية للغاية، وقامت على قصة حب دامت ٧ سنوات قبل الزواج، وقرابة الثلاث سنوات بعد الزواج، كما أنها تجمعها معه صلة قرابة قوية، مضيفة أنها عاشت مع البطل بعد الزواج فى مدينة المنصورة، حيث كانت خدمته فى قاعدة المنصورة الجوية، لذا كانت تراه يوميًا، وأنجبت منه «داليا» و«محمد».

وعن فترة ما قبل حرب أكتوبر ١٩٧٣، أكدت «فاطمة» أنها لم تكن ترى البطل فى ذلك الوقت إلا قليلًا، لأنه كان دائمًا فى عمله، لكنه كان يتواصل معها هاتفيًا بشكل يومى، موضحة أنها كانت تشعر بأنه يمهد لشىء كبير فى عمله، لكن البطل لم يكن يتحدث عن أى شىء بخصوص ذلك العمل. 

وعن آخر لقاء بينهما، قالت زوجة الشهيد إسماعيل إمام، إن البطل أتى إليهم للزيارة قبيل الحرب مباشرة، واجتمعت كل العائلة لرؤيته؛ لأنه كان فى زيارة لساعات معدودة فقط، وأوضحت أنه خلال هذا اللقاء سقطت من رقبتها السلسلة المدون عليها اسم الشهيد، التى كانت دائمًا ما ترتديها، وحينها شعرت بالتشاؤم الشديد، كما أنه فى فجر اليوم التالى وأثناء استعداده للذهاب لعمله، وكان ابنهما يبلغ من العمر ٤ أشهر ونصف الشهر فقط، قال لها البطل وهو يشير لابنهما بالسبابة: «الولد ده أنا مش هربيه».

وأضافت: «حينها شعرت بانقباض القلب أكثر وأكثر، لكننى كنت أشعر بأنه لن يصيبه شىء، فهو أحد أمهر الطيارين، وهو طيار محنك من الدرجة الأولى، كما أننى كنت دائمًا ما أشعر بالخوف والقلق عليه وقتها، وكنت دائمًا ما أشاهد أحلامًا حول أننى فقدت دبلة زواجى وأبحث عنها، لكننى رغم ذلك كنت أشعر بالراحة والهدوء عندما أسمع صوته».

وتابعت: «أخى كان يعمل وقتها فى لاسلكى مطار المنصورة، حيث كان يعمل الشهيد، وكانت تربطهما علاقة قوية، وكانا لا يذهبان إلى المنصورة أو القاهرة إلا سويًا، وفى أحد أيام الحرب فوجئت بعودة أخى إلى المنصورة دون الشهيد، فذهبت إليه مسرعة لمعرفة أخبار زوجى، وفهم لماذا عاد بدونه، لكنى فوجئت عندما ذهبت إليه بأنه نائم على سريره ويضع رأسه بين مخدتين ويدعى النوم حتى لا يرانى، وقال الجميع إنه نائم ومرهق، لكننى شعرت بأن شيئًا ما حدث يخص زوجى وهم لا يريدون إخبارى به، خاصة أن الشهيد كان قد شارك فى معركة المنصورة الجوية يوم ١٤ أكتوبر، التى حدثت قبل عودة أخى بأيام قليلة».

ونوهت إلى أنها بعد ذلك سمعت بعض الشائعات التى تفيد بإصابة زوجها، وأنه فى أحد المستشفيات بالقاهرة، مضيفة: «ذهبت لأحد الجيران، وكان برتبة مقدم فى الجيش، وأخبرته بما سمعت، وجاء معى إلى القاهرة، وبحثنا فى مستشفى القوات الجوية عنه لكننا لم نجده، فبحثنا فى جميع المستشفيات الخاصة بالقوات المسلحة لمدة أسبوع كامل، ولم نجده أيضًا، وبدأت وقتها فى التواصل مع زملائه للسؤال عنه، لكنهم جميعًا كانوا يخبروننى بأنه ذهب فى مهمة إلى أحد المطارات، ولم يخبرها أحد من العائلة أو الأصدقاء بأى شىء عنه خوفًا عليها من الصدمة».

وأشارت زوجة الشهيد إسماعيل إمام إلى أنها بعدما يئست من البحث عن زوجها عادت إلى المنصورة، وهاتفت إحدى قريباتها، وكانت عائلتها على صلة بضابط كبير يحمل رتبة لواء فى الجيش، وطلبت منها السؤال عن زوجها، ثم عادت إلى القاهرة مرة أخرى لاستكمال البحث عنه، آملة فى العثور عليه.

واستطردت: «اللواء أخبر قريبتى باستشهاد زوجى، لكنها لم تستطع إخبارى أيضًا، وبعد ذلك عدت إلى المنصورة، وفى نفس يوم العودة وأثناء خلودى إلى النوم ليلًا، سمعت البكاء والعويل خارج الغرفة، فخرجت مسرعة لمعرفة ماذا يجرى، فوجدت أخت زوجى تبكى بحرقة، وحينها أخبرونى باستشهاد البطل».

وعن مشاعرها فى تلك اللحظة، قالت «فاطمة»: «شعرت بهبوط حاد، وأغمى على، وكان أطفالى حينها يبلغون من العمر سنة ونصف و٦ أشهر ونصف، ومن هول الصدمة ظللت أعالج نفسيًا لمدة ٥ سنوات حتى أستطيع الاهتمام بأطفالى واستعادة التركيز فى حياتى».

ونوهت زوجة الشهيد إلى أن البطل استشهد يوم ١٧ أكتوبر ١٩٧٣ بالقرب من مطار الصالحية، وذلك عندما تلقى تعليمات من قيادته بالاشتباك مع طائرتين معاديتين من طراز «ميراج»، فطار بطائرته من قاعدته الجوية واشتبك مع طائرات العدو، واستطاع أن يسقط منها طائرة فى البداية، وظل يناور العدو إلى أن قارب وقود طائرته على النفاد، ثم أبلغ أقرب المطارات إليه، وهو مطار أنشاص بذلك، وطلب الإذن بالهبوط، لكن يبدو أن عطلًا فنيًا فى شبكة الاتصالات اللاسلكية بالمطار أسفر عن عدم إتمام عملية الهبوط بسلام، فسقطت طائرته واستشهد.

وأنهت زوجة الشهيد حديثها، لـ«الدستور»، بالتأكيد على أن الشهيد البطل رائد طيار أركان حرب إسماعيل محمد حسن إمام قدم روحه فداء لحرية وطنه، مضيفة: «نحن كلنا فخورون به، وفى كل ذكرى لحرب أكتوبر نشعر بشىء من الحزن على فقدانه، مخلوطًا بالفخر، لأنه بطل شارك فى تحرير مصر، مع غيره من الأبطال والشهداء، ولا ننسى فى هذه الذكرى أن نرسل التحية والسلام لهم، وللرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى أتمنى لقاءه بشكل شخصى».

العميد رجاء مصطفى 

هدية: هاتفنى وهو فى قلب المعركة وقال لى «أنا بين جبلين ادخلى صلى وادعيلى»

قالت السيدة «هدية» أرملة الشهيد العميد أركان حرب رجاء مصطفى سليمان، إن زوجها الراحل كان يتمتع بالشخصية الطيبة المحبة لعملها، كما أنه كان يحصل على الكثير من الترقيات، إذ بدأ قائدًا للكتائب ثم رئيسًا لـ«عمليات دهشور»، وكان من أوائل كلية أركان حرب وأصغر قائد لواء تقلد هذا المنصب خلال العقد الرابع من عمره.

وأضافت أن العميد رجاء كان شخصية مهذبة للغاية ومتفانيًا فى عمله وحبه لأسرته، وتوفى وترك لها أربعة أطفال كان أكبرهم ١٤ عامًا، والآن أصبح ابنهما «علاء» ثالث أبنائهما لواء فى الشرطة.

وذكرت أن العميد درس فى كلية التجارة وفى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، فى أثناء عمله ضابطًا لكى يتمكن من العمل فى مجال آخر بعد خروجه من الجيش، مشيرًا إلى أنه كان يعود من كلية أركان حرب، ويغير ملابسه العسكرية ويرتدى ملابس مدنية ويأخذ مسطرة وقلمًا وممحاة، ويذهب إلى كلية السياسة والاقتصاد ليؤدى امتحاناته بها، ولم يكن يخبر أحدًا من زملائه أنه ضابط جيش.

وأشارت إلى أن الراحل عاصر ٤ حروب آخرها حرب أكتوبر ١٩٧٣، والتى كانت لها ذكريات خاصة فى الأسرة، إذ لم تكن تعلم فى البداية أن زوجها سيذهب فى الحرب، وذات مرة عاد من العمل وخلد إلى النوم وفور استيقاظه جاءت له سيارة الجيش، فقال لها: «لا إله إلا الله» ثم غادر المنزل ولم يقل لها شيئًا آخر.

وأكدت أن الشهيد ظل يتواصل معها هاتفيًا من حين لآخر ولمدة شهر، ليطمئنها عليه ويطمئن عليهم، وكان يقول لها إنه بخير لكنه يعمل على مشروع ولا يستطيع الرجوع فى إجازة، مشيرة إلى أنها لم تستغرب هذا الأمر؛ لأن زوجها كان على علاقة طيبة مع المشير محمد عبدالحليم أبوغزالة والعديد من زملائه الآخرين، ودائمًا ما كانوا يخططون وينفذون مشروعات خاصة بالعمل، سواء فى المقرات الرسمية أو فى المنزل.

وكشفت عن أنه منذ اندلاع حرب ١٩٧٣، لم تستطع التواصل مع الشهيد نهائيًا، بل كانت تتواصل مع زملائه للاطمئنان عليه؛ لأن مهمته كانت حماية الثغرة، فهو كان قائد اللواء ٥١ التابع للفرقة ٢١ مدرعات ولا يستطيع التواصل معها، مضيفة أنه فى يوم ١٤ فى الشهر، تواصل معها العميد هاتفيًا فى مكالمة قصيرة للغاية، وقال لها «أنا بين جبلين، ادخلى صلى وادعيلى»، فقالت له «أجبلك الولاد تسلم عليهم»، فرد قائلًا: «لأ مفيش وقت ادخلى صلى وادعيلى». وكشفت عن أنها علمت بعد ذلك أن الفريق سعد الدين الشاذلى، رئيس أركان حرب القوات المسلحة، حينها، قد اجتمع معه وطلب منه ترك مهمته فى حماية الثغرة وكلفه بمهمة أخرى، هى التوغل إلى قلب سيناء وإجراء عملية استطلاع لمعرفة حجم القوات الإسرائيلية والمسافة التى تفصل بينها وبين القوات المصرية.

وقالت إن الراحل نفذ المهمة الموكلة إليه وتحرك فى البداية بالدبابات، وظل يوجهها يمينًا ويسارًا، وحين وصل إلى مكان معين أحس بوجود دبابات أخرى تقترب، فاستقر فى مكانه، وفوجئ بأنها دبابات للعدو وحاصرته، فقال لهم «أنا قائد لواء»، لكن العدو أنهى حياته ومات شهيدًا.

وتابعت أنه بعد انتهاء الحرب بعدة أشهر لم يعد زوجها إلى المنزل، ولم يصلها أى معلومة عنه، رغم سؤالها الدائم عنه فى كل مكان ولدى جميع زملائه وأصدقائه، وبعد ٣ أشهر من ذلك أبلغوها بأن زوجها قد استشهد فى مهمة فى قلب سيناء.

وتحدثت عن ذكرياتها مع أولادها فى أثناء غياب زوجها فى الحرب، قائلة: «كنت أخبرهم بأن والدهم فى مشروع، وبعد انتهاء الحرب وعلمى باستشهاده أخبرتهم بأنه ذهب إلى الله»، مضيفة أنها بدأت بعد ذلك فى أداء دور الأب والأم فى نفس الوقت، واضطرت للتعامل بحزم وشدة معهم حتى تستطيع تربيتهم تربية صحيحة.

وأنهت حديثها بمطالبتها بأن يسمى الشارع الذى تقطن به على اسم زوجها الشهيد، خاصة أنه الشهيد الوحيد فى هذا الشارع، وبالتالى فهى لن تجور على حق أحد.