رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يوسف القعيد: أصحاب نصر أكتوبر هم ملح الأرض.. وفيلم «المواطن مصرى» مقتبس من رواية كتبتها استنادًا إلى حكاية سمعتها من أمى

الدكتور محمد الباز
الدكتور محمد الباز ويوسف القعيد

- التحقت بالجيش عام 1965 وخدمت فى المستشفى العسكرى فى غمرة وبقيت حتى إعلان النصر.. وكتبت روايتى الأولى «الحداد» عقب نكسة 1967

- اعترضت على اختيار عمر الشريف لبطولة «المواطن مصرى» بسبب زيارته إسرائيل عقب كامب ديفيد 

- دخلت عالم المثقفين عن طريق جمال الغيطانى الذى عرّفنى على جلسات نجيب محفوظ مع الأدباء فى مقهى ريش

وثّق الكاتب والروائى الكبير يوسف القعيد شهادته عن نصر أكتوبر ١٩٧٣ من خلال حواره لبرنامج «الشاهد»، مع الإعلامى الدكتور محمد الباز، على قناة «إكسترا نيوز».

وقال إنه التحق بالجيش سنة ١٩٦٥، وجرى استبقاؤه فى الخدمة لحين تحقيق النصر على العدو فى عام ١٩٧٣، مضيفًا أن ذكرى نصر أكتوبر من مناسبات تأسيس مصر الحديثة التى ننعم بظلها ومناخها العام، مؤكدًا أنه لولا أكتوبر لم نكن لنعيش الآن كما نحيا فى دولة الرئيس عبدالفتاح السيسى.

■ متى التحقت بالجيش؟

- التحقت بالجيش سنة ١٩٦٥.. أنا من محافظة البحيرة وتجنيدى كان فى الإسكندرية، ثم جرى ترحيلى إلى معسكر لتدريب المشاة، وفى هذا المعسكر جرى توزيعى على سلاح الخدمات الطبية.

حصلت على فرقتين، وبعدها وزعنى سلاح الخدمات الطبية على المستشفى العسكرى العام للعائلات فى غمرة بالقاهرة، وقضيت كل خدمتى هناك.

كان دور المستشفى العسكرى العام مهم جدًا فى وقت الحرب، فقد تحول إلى مستشفى ميدانى متقدم، استقبل الجرحى والمصابين لعلاجهم، لذلك رواياتى عن الحرب بها أحاديث كثيرة من داخل المستشفى سمعتها من أصحابها.

■ ما شهادتك عن الفترة ما بين ١٩٦٥ حتى حرب الاستنزاف؟

- فى بداية عام ١٩٧٣ تم إصدار قرار باستبقاء دفعتى فى الخدمة لحين تحقيق النصر الكامل على العدو الإسرائيلى وتحرير الأرض، لذلك استمرت خدمتى حتى أواخر عام ١٩٧٤.

كنت مسئولًا عن العمالة المدنية فى المستشفى العسكرى العام بغمرة، وفى تلك الفترة اختلطت بهذا الواقع وبالأطباء والممرضات. كانت رتبتى «جندى» إلى أن أصبحت رقيبًا حتى خرجت من الخدمة وأصبحت مستبقىً.

هذه الفترة مكنتنى من أن أكون جزءًا من الواقع الثقافى المصرى. كنت قريبًا من المثقفين أذهب إلى التحرير للجلوس مع نجيب محفوظ والكتاب والأدباء فى مقهى ريش، وفى هذه الأجواء كتبت روايتى الأولى «الحداد».

■ ماذا فعلت عند تنحى الرئيس الراحل جمال عبدالناصر؟

- لحظة إعلان الرئيس الراحل جمال عبدالناصر التنحى بعد هزيمة ١٩٦٧ كنت فى وحدتى بالمستشفى العسكرى العام بغمرة، وخرجت تظاهرات للمدنيين متجهة إلى ميدان التحرير لمطالبة عبدالناصر بالرجوع عن التنحى وشاهدت ذلك بنفسى.

يبدو أن الثورات والتظاهرات جزء مهم من حياتى، فعند اندلاع ثورة ١٩٥٢ كان عمرى وقتها ٨ سنوات، وفى قريتى كنا حريصين على اقتناء صور محمد نجيب. 

وأذكر أن الرئيس «نجيب» كان فى قطاره متجهًا من القاهرة إلى الإسكندرية ومر من أمام قريتنا والناس تزاحمت لتحيته بعد أن توقف القطار فى محطة التوفيقية، ومات بعضهم نتيجة الزحام والتدافع، ومجلس الثورة اعتبرهم من الشهداء.

وكانت هناك مكتبات تبيع أدوات كتابية فى القرية، وأضافت إلى أعمالها طباعة الصور وتوزيعها، وبدأت بصور «نجيب» ثم جمال عبدالناصر.

■ هل تظاهرات دعم عبدالناصر مفبركة ومدبّرة؟

- الكلام الذى قيل عن أن التظاهرات التى خرجت لمطالبة عبدالناصر بالتراجع عن قرار التنحى كانت مدبّرة بدأ فى عهد الرئيس أنور السادات.

عبدالناصر كان محبوبًا، وأذكر أن بعض الأغنياء من قريتى سافروا إلى القاهرة للمشاركة فى الجنازة وكانوا حريصين على التقاط صور تثبت مشاركتهم فى الجنازة.

■ متى رصدت أنه يوجد أمل ومن الممكن أن يتغير الواقع؟

- موقفى من الأمل كان مركبًا ومعقدًا، لأنه بعد رحيل الرئيس جمال عبدالناصر بدأت تجربة انتقاده وتوسعت فى الجرائد.

وأذكر أن محمود أبووافية، صهر الرئيس السادات، كان يتصدر موجة الهجوم على عبدالناصر، ومديرية التحرير التى أنشأها عبدالناصر، وجرى مد خط سكة حديد لها من إيتاى البارود وحتى القاهرة أُهملت بعد وفاته، رغم أنها كانت مزارًا، ومن يريد أن يرى إنجازاته كان يذهب للسد العالى أو مديرية التحرير.

بعد تجنيدى وجدت أن قواتنا المسلحة تعمل، وليس لدىّ تفاصيل ومعلومات، ولكنها تعمل على حدث كبير سيحدث، وكذلك الاهتمام بسيناء جعلها فى حالة يقظة وحضور.

فى المجال العام كانت مسألة مهمة جدًا تحرير هذا الجزء من الوطن، وهى مسئولية جيلنا، وأنه لو تركنا الحياة بدون تحريرها ستكون هناك كارثة.

وقتها كان ذكر كلمة إسرائيل أو الإسرائيليين خيانة، فكان لا بد أن تقول كلمة العدو الإسرائيلى.

■ كيف كنت تستقبل أخبار حرب الاستنزاف؟

- الطبيب النقيب هشام قنديل، مسئول الشئون المعنوية فى الوحدة، كان يجلس معنا بعد انتهائه من واجبه كطبيب، ويشرح لنا الموقف العام والمنجزات اليومية، والمهتمون بالشأن العام كانوا يحضرون اللقاء، وكان الطبيب يعتبر عمله رسالة شريفة، وهذا بداية اهتمامى بالشأن العام، وكنا نعرف ما يمكن معرفته ولا يؤثر على الروح المعنوية علينا أو على غيرنا. 

■ ما هو الاستبقاء؟ وهل زود منسوب الأمل لديك؟

- مدة الخدمة ٥ سنوات ونستعد للاستبقاء، والطبيب النقيب هشام قنديل أبلغنا باحتمالية أن يكون هناك استبقاء لبعضنا وبعدها جرى استبقاء المجموعة كلها.

الاستبقاء له قواعد غير التجنيد، وأى شخص ينهى خدمته من حقه المبيت بالخارج، وأخذ إجازات أكثر، وأن يأخذ مهام قيادية أكثر، ورغم أن تجنيدى كان فى المستشفى إلا أن التقاليد العسكرية كما هى، وكانت الوحدة صارمة، ورغم أن المدير لا بد أن يكون طبيبًا إلا أنه طبيب عسكرى، وكنا نقف انتباه له ونعظمه ولا نتحدث معه إلا بعد أخذ إذن.

بعد الاستبقاء رأيت أن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر، لأنه كنت أسمع من المثقفين أن الثأر مسألة مهمة، حتى من ليسوا من الصعيد لديهم حق الثأر خاصة للوطن، وعندما ذهبت لسيناء أدركت كم كانت تستحق منا ما قمنا به وكل ما قدمناه من جرحى وشهداء وقصص بعضها لم يُكشف إلى الآن. 

كنت أعتقد أن الدلتا رمز مصر، لكن بعد ١٩٦٧ تحولت سيناء لرمز وأمل مصر، وهذا ما ربطنا برموز فلسطين الثقافية الذين جاءوا لمصر أمثال محمود درويش، كما التقيت ياسر عرفات فى تونس.

■ هل رواية الحداد كانت ردة فعل على هزيمة ١٩٦٧؟ وما ظروف كتابتها؟

- نعم رواية «الحداد» كانت ردة فعل على هزيمة ١٩٦٧، والعنوان الأول للرواية كان «الحداد يمتد عامًا آخر»، وكان لا بد وقتها أن تقدم العمل للرقيب فى هيئة الاستعلامات، وذهبت إلى الرقيب وقتها، وكان طلعت خالد، بمخطوطة الرواية، وقرأ العنوان وقال لى: «يا راجل فال الله ولا فالك هنقعد لسه سنة كمان»، وطلب منى تغيير العنوان فأصبح اسمها «الحداد».

وطبعت الرواية على حسابى الخاص لأنه لم تتحمس لنشرها أى جهة، وفى هذا التوقيت نشر صديقى الراحل جمال الغيطانى مجموعته القصصية الأولى «أوراق شاب عاش منذ ألف عام».

رواية «الحداد» كانت بكائية ولم تتضمن تجاوز المصريين لهزيمة ١٩٦٧. كتبت أيضًا قصة طويلة اسمها «فى الأسبوع ٧ أيام» وكانت عن أن كل يوم يسلمنا ليوم وكل أسبوع يسلمنا لأسبوع وكل شهر يسلمنا لشهر وأنه لا يوجد أمل، وهذا كان أثناء الفترة الرمادية ما بين ١٩٦٧ والأمل الرهيب الذى تجلى فى ١٩٧٣.

بعد ذلك كتبت رواية «الحرب فى بر مصر»، وكان الحدث الرئيسى فيها رحلة جثمان الشهيد المصرى منذ خروجه من المستشفى العسكرى حتى الوصول إلى قريته.

■ كيف جاءتك فكرة رواية «الحرب فى بر مصر»؟

- والدتى، رحمها الله، مبروكة إسماعيل حسانين حمادة، كانت حكاءة عظيمة، وعندما كنت أنزل بلدنا كانت تلخص لى ما جرى فى الفترة التى مكثتها فى وحدتى والبالغة ٤٥ يومًا، حيث كانت تحكى لى بعض الأخبار والأحداث التى وقعت فى قريتنا أو القرى المجاورة.

والدتى حكت لى أنه فى قرية مجاورة دخلت سيارة فيها جثمان شهيد، وعند تسليم الجثمان لأهله اكتشف الأهالى أن الشهيد هو ابن الغفير بينما يحمل اسم ابن العمدة.

وقد كانت هذه حكاية متداولة، من الممكن أن تكون صحيحة ومن الممكن أن تكون من وحى الخيال، لأن الخيال الشعبى المصرى ينتج حكايات تتفوق على كل شىء، لدرجة أنه أحيانًا يخيل إلىّ أن أدهم الشرقاوى حكاية شعبية، رغم أننى عندما كنت أنام فى بلدنا كنت أحلم بأدهم الشرقاوى، لأنه من مواليد عزبة زبيدة مركز إيتاى البارود، محافظة البحيرة، وهى عزبة مجاورة لقريتى. 

كنت أحلم بأننى رأيت جثة أدهم الشرقاوى بعد قتله.. الحكايات الشعبية كانت تسيطر على عقلى ليتداخل الواقع مع الخيال.

لم أستطع الهروب من حكاية والدتى، ولم أستطع البحث وراءها، لأنه كان من الصعب أن أذهب للقرية والسؤال عن صحة الرواية التى حكتها لى والدتى، لأن إجازتى كانت أقصى شىء ٧٢ ساعة، كما كانت الإجازات فى مرحلة الحرب محدودة جدًا حيث كانت ٢٤ ساعة بعد فترة طويلة، كما كنا نأخذ الإجازات ونحن نشعر بالخجل من أن نترك أماكننا فى مثل هذا التوقيت الذى يسعى فيه البلد إلى استرداد ترابه.

■ كيف حولت حكاية والدتك إلى عمل روائى، يتمثل فى رواية «الحرب فى بر مصر» عام ١٩٧٣، يتماس مع الحرب؟

- اشتغلت على الرواية ولم أستطع الهروب من حكاية أمى بأنه يوجد شاب غنى ابن رجل غنى تم استدعاؤه للخدمة، فأرسل شابًا فقيرًا ابن رجل فقير بدلًا منه.

لم أستطع الهروب من هذه الحكاية رغم عظمة الحرب، ورغم بطولة الحرب وبطولة شهداء الحرب، التى كنت أعيشها لحظة بلحظة، حيث كان يأتى إلينا الجرحى فى المستشفى فى كل ساعة.

وقد سافرت مع بعض الشهداء الذين كانوا يدفنون فى قراهم بحسب عناوينهم، حيث خرجت مع أكثر من شهيد وذهبت معهم حتى دفنهم، وقد كانت هذه الرحلة الأساسية فى رواية «الحرب فى بر مصر» التى لم تكن واضحة بشكل قوى فى فيلم «المواطن مصرى» عام ١٩٩١ الذى كتب له السيناريو والحوار محسن زايد.

وقد حزنت كثيرًا بسبب اسم الفيلم، لأننى كنت أرى أن عنوان روايتى أفضل مائة مرة من «المواطن مصرى» اسم الفيلم، لكن كان هناك فيلم روسى وقتها وقد كان مشهورًا جدًا فى العالم كله اسمه «المواطن كين»، وكان عن مرحلة الكفاح ضد هتلر وجيوشه وتحرير شمال روسيا، فتم تسمية الفيلم «المواطن مصرى» تأثرًا باسم فيلم «المواطن كين»، والذى أصر على اسم «المواطن مصرى» هو المخرج صلاح أبوسيف.

إن رواية «الحرب فى بر مصر» على الرغم من منع طباعتها فى مصر إلا أنها صدرت فى دمشق ودخلت مصر سرًا، لأن المصريين أعظم ناس، الحاجة تكون ممنوعة لكن من الممكن أن تدخل وتنتشر بكثافة وتحظى باهتمام أكبر، لأن الممنوع مرغوب. 

كان يوجد اهتمام بالغ برواية «الحرب فى بر مصر» فى العراق، كما كان يوجد اهتمام كبير بها فى الجزائر والمغرب، كما نالت الرواية اهتمام الجاليات الموجودة فى فرنسا وبريطانيا وأمريكا. 

بعد أن صدرت رواية «الحرب فى بر مصر» فى دمشق لأول مرة، حيث كانت ممنوعة فى مصر، لأنها كانت تقدم صورة عن حرب أكتوبر لا يصح أن تكون موجودة طبقًا لعقلية الرقباء الضيقة، تم السماح بطباعتها فى مصر من نفس الرقابة لكن بعد تغيير الرقيب، حيث كان لا يمكن أن تذهب بكتاب للمطبعة إلا وكل صفحة مختومة بختم الرقابة على المصنفات الفنية.

عندما ذهبت برواية «الحرب فى بر مصر» للرقابة اعترضوا عليها، ومبررهم أن الرواية تصنع ظلالًا سلبية على حرب عظيمة حررت سيناء وأعادتها إلينا. ومن الممكن أن يكون الحق معهم وقتها لأنهم كانوا يرون زاوية أخرى غير التى يراها المبدع، وقد كان ذلك فى أعقاب الحرب مباشرة، ولكن بعد ذلك عندما قررت طباعتها فى مصر وافقوا عليها، وطبعها الناشر محمد فايق فى دار المستقبل العربى والتى كانت من أهم دور النشر وقتها.

■ هل كنت تنتصر فى رواية «الحرب فى بر مصر» إلى أن أبطال الحرب الحقيقيين هم ملح الأرض من الفقراء والمواطنين؟

- بالفعل، آخر سطرين فى رواية «الحرب فى بر مصر» كتبت فيهما أن البطل الذى اسمه «مصرى» قد مد يده ووضعها فى دم شهيد مصرى، وكتب مصرى، ولم يكتب شيئًا بعدها، وهذا ما يعنى أن الحرب مستمرة بيننا وبين العدو.

■ كيف جرى تحويل رواية «الحرب فى بر مصر» إلى فيلم «المواطن مصرى»؟

- عرفت المخرج صلاح أبوسيف من خلال نجيب محفوظ، حيث كانا يجلسان مع بعض فى مكان قريب من قهوة ريش، وقد كان نجيب محفوظ منظمًا جدًا يجلس مع المخرج صلاح أبوسيف ثم يأتى للجلوس معنا، وعندما عرفت أن نجيب محفوظ سيذهب للجلوس مع المخرج صلاح أبوسيف طلبت منه أن أذهب معه مرة للقاء صلاح أبوسيف، حيث كان صلاح أبوسيف مخرجًا فى غاية الأهمية. 

بالفعل التقيت صلاح أبوسيف ومعى رواية «يحدث فى مصر الآن» التى تحولت فيما بعد إلى فيلم «زيارة السيد الرئيس» عام ١٩٩٤، لكنه لم يتحمس لها، ثم قال لى إنه سمع عن روايتى المطبوعة فى سوريا، والممنوعة فى مصر، وطلب منى نسخة.

حزنت من أجل رواية «يحدث فى مصر الآن»، لكننى فرحت جدًا بأنه قد سمع عن رواية «الحرب فى بر مصر»، فطلبت منه عنوان منزله حتى أزوره وأسلّمه نسخة، وقد توجهت إلى منزله فى حى عابدين بالقاهرة فى اليوم التالى، وبعد أسبوع قال لى إنه سوف يحولها إلى فيلم، وكان المنتج حسين القلا مجنون سينما، وتم الضغط عليه حتى يعود للإنتاج مرة أخرى. 

عندما كلمنى المنتج حسين القلا، وقال لى إنهم سيذهبون إلى باريس من أجل فيلم «المواطن مصرى» لمقابلة عمر الشريف، وأنا فى ذلك الوقت لم أكن أعرف عمر الشريف شخصيًا، ووقتها كنت متحفظًا على اختياره للمشاركة فى بطولة الفيلم بسبب زيارته إسرائيل عقب اتفاقية كامب ديفيد ١٩٧٨.

وقتها كان قد توقف عن المشاركة فى الأفلام المصرية وسافر إلى باريس ثم هوليوود ليصبح نجمًا عالميًا، لكن المنتج نظر إلى عمر الشريف كبطل من الناحية التجارية، وكان المخرج صلاح أبوسيف سعيدًا لهذا الاختيار، ووقتها قال لى صلاح أبوسيف أنت مسئول عن روايتك فقط، ونحن مسئولون عن فيلمنا وبطله هو عمر الشريف.

بالنسبة لى بطلا فيلم «المواطن مصرى» هما عزت العلايلى وعبدالله محمود، وليس العمدة الذى قدمه عمر الشريف.

الفنان عمر الشريف قال لى فى منزل الفنانة صفية العمرى، بعد أن دعتنا للاحتفال بانتهاء تصوير الفيلم، إنه لو كان قرأ رواية «الحرب فى بر مصر» كاملة قبل البدء فى تصوير الفيلم لم يكن ليوافق عليه، لأنها تطرح وجهة نظر يرفضها، وهى أن حرب أكتوبر صنعها الفقراء، وجاء الأغنياء ليصنعوا منها مشروعًا استثماريًا.

الفنان عمر الشريف كان فنانًا رائعًا، ما زلت أذكر حتى الآن عند معرفته بأن الدور الذى سيقدمه فى فيلم «المواطن مصرى» لعمدة، ذهب إلى منطقة الحسين بنفسه، واختار القماش الذى عمل منه الجلاليب التى ارتداها فى الفيلم، والطاقية والصديرى واشترى البُلغة البيضاء التى ارتداها فى الفيلم.

وبالتالى فقد اهتم بتفاصيل لم يهتم بها أحد من أبطال الفيلم، اهتم عمر الشريف بهذه التفاصيل بشكل غير عادى، وكان يقيم فى أوتيل فى وسط البلد، وكانوا يحضرون له سيارة ليذهب بها إلى خان الخليلى ويختار ملابسه قطعة قطعة، لدرجة أنه قبل التصوير بيوم واحد أخذ الملابس معه إلى الفندق، وسأله المخرج صلاح أبوسيف عن السبب، فقال له أريد أن أعتاد عليها.

■ كتبت أولى رواياتك أثناء تجنيدك فكيف دخلت عالم الأدباء وقتها؟

- علاقتى بالواقع الثقافى المصرى بدأت بصداقة مع جمال الغيطانى، وكان وقتها مجندًا مثلى، وعرفت منه أن هناك ندوة يقدمها نجيب محفوظ فى مقهى «ريش» فى طلعت حرب، وكان «الغيطانى» وقتها يسكن فى الجمالية، وكان يعمل فى شركة الإنتاج التى أسسها الاتحاد الاشتراكى فى القاهرة، وأيمن عزالدين المؤرخ العمالى كان المسئول عنها ووفر له فرصة عمل فى قطاع النسيج.