رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

على باب الله!

الحكي والبوح والفضفضة كلها مسميات لواحدة من الخصال "العجيبة" التي يتفرّد بها الكثيرون من أبناء شعبنا، خاصة البسطاء من أهلنا على كل شعوب الأرض، واحدة من العادات التي نحتار في وصفها، وتزداد حيرتنا والتباسنا إذا ما أردنا أن نضعها ضمن ما يناسبها من أقرانها، إذ أين سيكون مستقرها؟ هل هي عادة حسنة فتأخذ بين العادات الحميدة مكانها، أم أنها صفة ذميمة، فنلقي بها فوق كومة الصفات السيئ ذكرها؟ علي أية حال، وسواء كانت العادة ذميمة أو حميدة، فهي صفة متأصلة وموجودة، وليست مستحدثة أو وليدة، ونحن مجبرون على التعامل معها، وفق ما يقتضيه الموقف الذي وضعتنا الظروف فيه. في إحدي عربات المترو، وأثناء تصفحي للجريدة، بادرني أحدهم بالقول: طب الزيادة دي والعلاوة هياخدوها الموظفين، الناس اللي علي باب الله اللي زيي هيستفيدوا منها بإيه؟ فكرت أولًا في التجاهل، ولكن نظرة خاطفة، علي وجه ذلك الرجل، الذي كنت قد عقدت العزم على تلقينه درسًا قاسيًا في الأخلاق، لكي لا يتطفل بعد ذلك علي من لا يعرفهم من الناس، ويحترم خصوصية الغير، نظرة واحدة على وجهه، كانت كافية وكفيلة بتغيير قراري وتعديل جلستي ونيتي ومساري، كان الرجل "ستينيًا" ذا وجه بشوش طيب، وملامح مصرية خالصة! قلت له بهدوووء، إنت بتشتغل إيه يا عمنا غير إنك على باب الله، لأن كلنا على باب الله؟، قال: بشتغل كهربائي أجهزة، بصلح مراوح وخلاطات، و"بلف" مواتير الغسالات!  قلت: يا عم يا عم، يعني راجل صنايعي آهه وزي الفل، وماشاء الله عليك كسيب، والصيف السنة دي كان جاي فارد عضلاته، وداخل علينا بصدره، وأكيد مراوح نص الناس اللي في منطقتك باظت، وتلاقيك لفيت مواتير وصلحت مراوح تكفي مصاريفك لـ٣ سنين قدام، زعلان ليه بقي؟  
ابتسم الرجل وقال: الحمد لله، "رضا"، أنا بتكلم عن العلاوة اللي استفادوا منها بس الموظفين، قلت: وإنت كمان يا حاج هتستفيد، ما هو لما الموظف مرتبه هيزيد، اللي كان عنده غسالة فيها عُطل ومأجل تصليحها لأن ماعندوش فلوس هيقدر يجيبهالك تصلحهاله، واللي مش هيصلحها هيبيعهالك ويشتري واحدة جديدة، وإنت هتبيعها بعد كده وهيطلع لك فيها مكسب، إخواننا اللي في محلات الجزارة، والفكهانية، والبقالين، والخضرية، وباقي المحلات التانية، هيبيعوا أكتر ويشتروا، والدنيا هترجع تفك تاني والركود هيخف، الموظف اللي كان محتاج يعمل شغل نقاشة أو نجارة في شقته، أو حتى يصلح حنفيته، اللي محتاج يشتري بنطلون لابنه، أو يفصل فستان لبنته ومأجل الموضوع علشان إيده مش طايلة، لما مرتبه يزيد هيقدر يعمل حاجة في حاجة، يعني كله كده هيستفيد، الترزي هيشتغل، والسباك هيصلح، والنقاش والنجار، مش بس الفكهاني والجزار، وقيس على كده باقي المهن والحرف التانية، المحلات اللي كان عندها ركود، حركة البيع فيها هتزيد لما المرتبات تزيد، ما هو إحنا يا كبيرنا وعمنا بنكمل بعض كلنا، وبيُرزق بعضنا من بعضنا، وربك اللي رازقنا ومدبّر أمرنا، يعني كله من الزيادة هيستفيد، وآهو إيد بتسلم إيد!
حفظ الله بلدنا وأعانكم وأعاننا.