رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مأساة درنة


لا شك أن مشروع النهر الصناعي العظيم هو أضخم مشروع لنقل المياه في العالم عرفه الإنسان حتى الآن، أسس له معمّر القذافي ووجه الليبيين إلى تبنيّه في 3 أكتوبر 1983، حيث انعقدت المؤتمرات الشعبية الأساسية لمناقشته وأقرت البدء في تنفيذه لإنقاذ الناس والبلاد من كارثة عطش محققة، حيث وضع العقيد معمّر القذافي حجر الأساس للبدء في تنفيذ مشروع النهر الصناعي العظيم بمنطقة السرير بمدينة جالو في 28 أغسطس 1984.
يمر النهر العظيم بمدينة درنة والمشهورة باسم لؤلؤة برقة وقد اشتهرت المدينة بموقعها وبأحراشها الجبلية، حيث تسقى بمياه عذبة تتدفق إليها عبر قنوات الساقية من نبعين غزيرين أحدهما يعرف باسم عين البلاد، والثاني باسم عين بومنصور وهذا تنحدر مياهه من ربوة عالية إلى مسيل الوادي يسمى الشلال أو شلال بومنصور.
ولقد تغنى شعراء الفصحى وغير الفصحى بجمال درنة وبخضرتها النامية وظلالها الوارفة وبمائها العذب وهوائها العليل كما أشادوا بكرم أهلها ورقة طباعهم. وتحدّث كتّاب وسياح عرب وأجانب عن أحيائها وآثارها وسماها بعضهم عروس ليبيا ودرة البحر المتوسط.
اقيمت علي النهر العظيم سدودا ركاميه لا تسمح بتخزين المياه خلفها وللاسف لم تتم صيانتها منذ عام ١٩٨٦ ولم يتم تجهيز مفيض بجوارها لاستيعاب الفيضانات.
وفي الأسبوع الماضي وتحديدا يوم الأحد تعرض الجبل الأخضر لهطول كميات غزيرة جدا من الأمطار، وصلت ذروتها إلى نسبة 400 مليمتر وهو رقم لم يسجل عبر تاريخ ليبيا صحبتها رياح عاتية سمي إعصار دانيال.. قام هذا الإعصار بجرف السدين بسهولة تامة وسار في طريقه ليدمر مدينة درنة بالكامل.. أدت هذه الكارثة إلى وفاة ما لا يقل عن عشرة آلاف من المواطنين وإصابة خمسة آلاف آخرين وبلغ عدد المفقودين ما يزيد على ٢٠ ألف مواطن ومثلهم من المشردين. حجم مهول من السيول والفيضانات التي أغرقت أحياء بكاملها محيت تمامًا من الخريطة، وجرفت المياه عائلات برمتها.
بالطبع نثمن دور القوات المسلحة المصرية في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الضحايا وسرعة عمل جسر جوي بطائرات إغاثة وقوافل طبية ورأينا حاملة الطائرات الميسترال تتحول إلى مستشفى ميداني في خدمة المناطق التي تعرضت للإعصار.
المأساه حدثت جراء ظاهرة طبيعية متوقعة وإهمال شديد في الصيانة وهو جرس إنذار شديد اللهجه لإثيوبيا .لو حدث انهيار لسد النهضة لا قدر الله سنري المشهد التالي:
- سوف تتدفق المياه وتزيد سرعتها تدريجيا حتى يصل معدل التدفق إلى 2 مليون متر مكعب في الثانية بعد 5 ساعات من بداية الانهيار.
- تصل المياه إلى سد الروصيروص السوداني على بعد 120 كبلومتر من الحدود مع إثيوبيا بعد 6 ساعات من بداية إنهيار السد الرئيسي.
- بعد 11 ساعة من بداية الانهيار تكون 99.5% من المياه المحتجزة في سد النهضة قد وصلت لسد الروصيروص.
- ينهار سد الروصيروص وتتدفق المياه المحتجزة فيه مع المياه القادمة من إثيوبيا.
- تتحول المنطقة بين سد النهضة وسد الروصيروص إلي بحيرة وسيكون عمق هذه البحيرة عند سد النهضة 101 متر، وعمقها 55 مترا عند سد الروصيروص، وأقصي عرض 30 كم، والسرعة 25 متر في الثانية عند سد النهضة وتقل إلى 10 أمتار في الثانية عند الروصيروص.
- ذروة وصول المياه للخرطوم تحدث بعد 134 ساعة "خمسة أيام و نصف" ويصل أقصي عمق إلى 21 مترا، وتتحول الخرطوم وكل المناطق المجاورة إلي بحيرة وأقصي عرض للمياه 176 كم، والسرعة 8 أمتار في الثانية.
- ينهار سد مروي وتتدفق المياه المحتجزة فيه مع المياه القادمة من إثيوبيا.
- تصل المياه لمدخل بحيرة ناصر بعد 549 ساعة "23 يوما تقريبا"، وعرض موجة المياه سوف يكون 27 كم، وسرعة المياه 14 مترا في الثانية بزيادة 6 أمتار في الثانية عن سرعتها عند الخرطوم بسبب زيادة الانحدار مجري النيل.
- حجم المياه التي تصل لبحيرة ناصر يقدر بـ 15 مليار متر مكعب.

زمن وصول المياه لبحيرة ناصر 23 يوما كما ذكرت وهي فترة كافية لإجراء اللازم بتفريغ حيز لاستيعاب المياه القادمة في بحيره ناصر واستخدام مفيض توشكا ومنخفض القطارة وربما مخرات سيول أخرى على البحر الأحمر إذا لزم الأمر.

الكارثة لو حدثت- لا قدر الله- لن تكون تدمير قرية صغيرة مثل درنة الليبية ولكنها ستكون تدمير دولة السودان.. حفظ الله مصر والسودان.