رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف جددت ألحان "بليغ حمدى" موسيقى الأغانى الوطنية؟

بليغ حمدي
بليغ حمدي

تعتبر الأغاني الوطنية التي قدمها بليغ حمدي، أيقونات غنائية فرضت نفسها وعبرت عن حال الشعب وحفظها الجميع عن ظهر قلب، وارتبطت بحزن النكسة وفرحة النصر.

ففى نكسة 1967، هزت ألحان بليغ حمدي الشعب المصري والعربي، حيث قدم ألحانًا لأغاني مثل "عدى النهار" التى أصبحت فيما بعد رمزًا لمرحلة النكسة و"يا أم الصابرين" و"أحلف بسماها وبترابها"، والتي حملت تلك الجمل الموسيقية الحزينة التي تتجلى في الكثير من أحزان الشعب.

وقدم بليغ حمدي بالتعاون مع العندليب عبدالحليم حافظ، مجموعة متنوعة من الأغاني الوطنية بعد نكسة يونيو 1967م، كانت جميعها تهدف إلى الشد من أزر المصريين، وكان معظمها من تأليف الشاعر عبدالرحمن الأبنودي، وأولى هذه الأغنيات كانت "عدى النهار"، التي لحنها الموسيقار بليغ حمدي، كما قدما معًا، أغنية "فدائي" وكتب كلماتها الشاعر محمد حمزة، ولحّنها بليغ حمدى، وغناها عبدالحليم.

وبعدها بعام، شارك بأغنية «البندقية» لعبدالحليم حافظ، وكلمات محسن الخياط، ثم قدم عام 1970 أغنية «يا حبيبتي يا مصر» التي غنتها الفنانة شادية من كلمات الشاعر محمد حمزة.

أغاني النصر 

وكان لنصر أكتوبر وقع كبير على نفس بليغ حمدي، فقدم العديد من الأغنيات التي ارتبطت في أذهان المصريين وتوارثتها الأجيال وأصبحت من أيقونات الحرب وعبرت عن حالة النصر والفرحة التي اجتاحت مصر والوطن العربي.

وقدم بليغ حمدي أولى أغنيات الاحتفال بالنصر وهي  أغنية «بسم الله، الله أكبر بسم الله» التي تعد أسرع أغنية في تأليفها وتلحينها، واستلهم حمدي كلمات الأغنية من هتافات الناس فى الشارع الذى انفجر بالتكبير والتهليل بعد لحظات من إعلان بيان العبور.

وكتب كلماتها الشاعر عبدالرحيم منصور من صيحات الجنود بعد نجاحهم في عبور القناة وتحطيم خط بارليف، وقام بليغ حمدي بتلحينها داخل مبنى الإذاعة والتليفزيون، وغناها مجموعة من العاملين في مبنى الإذاعة بعد أن دربهم بليغ عليها.

وتُعد أغنية «بسم الله الله أكبر»، أسرع أغنية تخرج للنور، حيث صدرت بعد ساعات من إعلان نصر أكتوبر عام 1973 وكان للأغنية قصة تداولها معاصرو بليغ، ففور سماع بليغ حمدي ببيان الجيش تفاعل مع النصر العظيم، وقرر تقديم أغنية لجنودنا الأبطال وليشارك الشعب فرحته، فاصطحب الفنانة وردة وتوجه إلى مبنى الإذاعة والتليفزيون ومعهم الشاعر عبدالرحيم منصور، في يوم 6 أكتوبر، لكن الأمن المسئول في المبنى منعهم من الدخول.

فصرخ بليغ حمدي، قائلًا: «هاتوا وجدي الحكيم»، وكان مسئولًا بالإذاعة وقتها، فحضر وجدي الحكيم ليحاول أن يفهم بليغ حمدي أن الحرب بدأت ولن يستطيع ووردة دخول مبنى التليفزيون، ليصرخ بليغ في وجهه: «هأعمل محضر فيكم أنكم رافضين تخلوني أغني لبلدي».

ومع تصميم بليغ حمدي لتقديم الأغنية سمح له بابا شارو، مدير الإذاعة وقتها بالدخول، لكنه أبلغه أن البلد في حالة حرب ولا توجد ميزانية لعمل أغانٍ جديدة فقرر «بليغ» كتابة إقرار بتحمل مصاريف الأغاني من كلمات وفرقة موسيقية، واستدعى أحمد فؤاد حسن قائد الفرقة الماسية والذي رفض تقاضي أي مبلغ ورفض الشاعر عبدالرحيم منصور تقاضي أي مبالغ أيضًا.

وحضرت الفرقة بأكملها، وكان الشاعر عبدالرحيم منصور قد كتب أغنيتين وهما «بسم الله» و«أنا على الربابة»، وبدأ بليغ حمدي في تلحين الأغنية الأولي على سلالم ماسبيرو، وانتهي منها عند مغرب يوم الـ6 من أكتوبر، ولم يحضر الكورال لظروف حظر التجوال بسبب الحرب، فجمع بليغ حمدي جميع العاملين بمبنى الإذاعة والعمال وحفظهم اللحن وعند منتصف الليل كان بليغ قد سجل الأغنية والتي سمعها بابا شارو فجر يوم 7 أكتوبر.

وأذيعت أغنية «بسم الله.. الله أكبر» صباح يوم 7 أكتوبر كأول أغنية عن حرب أكتوبر. 

وأخذ المخرج محمد سالم نسخة من الأغنية وانطلق مسرعًا ليعرضها بالتليفزيون مع لقطات حية مصورة من عبور قواتنا المسلحة بالزوارق المطاطية خط بارليف.

 

فى اليوم الثانى لنصر أكتوبر المجيد تصدرت صفحة الأهرام الأولى افتتاحية الأديب الكبير الراحل توفيق الحكيم بعنوان «عبرنا الهزيمة»، ليلتقط بليغ حمدى المقال الذى قرأه بالمصادفة فى اليوم نفسه ويتوقف أمام السطور الأولى لافتتاحية الحكيم التى يقول فيها «لقد عبرنا الهزيمة بعبورنا إلى سيناء ومهما تكن نتيجة المعارك فإن الأهم هى الوثبة والمعنى بأن مصر دائمًا تحسبها الدنيا قد نامت لكن روحها لا تنام، وإذا هجعت قليلًا فإن لها هبة ولها زمجرة ثم قيام، وقد هبت مصر وزمجرت ليدرك العالم أنها فى لحظات تستطيع أن تصنع المستحيل فلا ينخدع أحد بهدوئها وسكونها، وكانت يدها التى بدرت منها حركة اليقظة هى رئيسها الوطنى وجيشها المقدام، وسوف تذكر مصر فى تاريخها هذه اللحظة بالشكر والفخر.. معًا عبرنا الهزيمة بالروح وشعرنا بأن شيئًا بداخلنا قد حدث وها نحن نتنفس هواء الحرية والانطلاق وهذا هو المعنى الحقيقى للانتصار».

وتفاعل بليغ حمدى مع هذه الافتتاحية وإلى جواره صديقه الإذاعى وجدى الحكيم «إيه رأيك يا وجدى لو عملنا الافتتاحية دى أغنية؟» ليبتسم وجدى ويقول: فكرة ممتازة وأهو عبدالرحيم منصور موجود وفى الحال تتحول الافتتاحية إلى أغنية تكتب فى لحظات ويجلس بليغ وعبدالرحيم، ويتم اللحن ثم اتجهوا إلى مكتب توفيق الحكيم بالأهرام للحصول على موافقته. 

ثم قدم بليغ حمدي احتفالًا بنصر أكتوبر في نفس العام أغنية «على الربابة» غناء الفنانة الكبيرة وردة، ومن كلمات  الشاعر عبدالرحيم منصور وألحان بليغ حمدى. 

العندليب يُغني "عاش اللي قال"  

ومثلما قاد العندليب الأسمر بصوته معارك ثورة يوليو، لم يتخل عبدالحليم حافظ أيضًا، عن قيادة المعركة الفنية فى حرب أكتوبر المجيدة وقدم 5 أغنيات وطنية حماسية بالتعاون مع بليغ حمدي كان لها أثر كبير في نفوس المصريين  منها أغنية «عاش اللى قال» كلمات محمد حمزة، وألحان بليغ حمدى وقومى يا مصر كلمات عبدالرحيم منصور وألحان بليغ حمدى  وسكت الكلام كلمات محسن الخياط وألحان بليغ حمدى، وصباح الخير يا سينا للأبنودى وبليغ حمدي.

لكن ربما تكون أغنية «عاش اللى قال» هى الأشهر من بين أغانى أكتوبر بكلمات استهوت وجدان العرب والمصريين واستوحى كلماتها الشاعر محمد حمزة من مقال للكاتب الكبير محمد حسنين هيكل بصحيفة الأهرام أثناء الأيام الأولى للحرب، وأشاد فيها بالرئيس الراحل أنور السادات وبقراره الجرىء والشجاع بالعبور والحرب. 

"السادات" يرفض ذكر اسمه 

وخلال التجهيز لبروفات الأغنية، علم الرئيس الراحل أنور السادات، أن اسمه سوف يرد فى الأغنية، بحيث يرد الكورال، على عبدالحليم بترديد اسم السادات، بقولهم عاش السادات ردًا على المقطع الأول من الغنوة، ولكن السادات رفض ذكر اسمه، وحذفه من الأغنية واتصل بعبدالحليم وقال له: «إذا أردتم ذكر اسمى، فعليكم أن تذكروا أسماء كل رؤساء العرب، الذين ساهموا فى حربنا مع الصهاينة، وساندونا، حتى حققنا المجد والنصر»، فاضطر العندليب، للمثول لرغبة الرئيس الراحل، وتم تسجيل الأغنية دون اسم السادات، لتبقى مخلدة لنصر أكتوبر، وما فعله السادات، حتى لو لم يذكر اسمه.

ثم قدم بليغ حمدي عددًا من الأغاني الوطنية في ذكرى حرب أكتوبر منها أغنية «ادخلوها سالمين» في عام 1983  للفنانة شادية، وهي من كلمات إبراهيم موسى، كما قدم مع سميرة سعيد الأغنية الوطنية "مصر الأم تملي تضم" عام 1984.