رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بشائر «بريكس».. اتفاقية تحالف المكتبات فرصة ذهبية لإنقاذ صناعة النشر فى مصر

بريكس
بريكس

لا تتوقف المكاسب التى يمكن أن تجنيها مصر من الانضمام إلى مجموعة «بريكس»، بداية من يناير المقبل، عند حدود الفرص الاقتصادية الواعدة التى يتيحها الانضمام إلى ذلك التكتل، إنما تمتد المكاسب إلى قطاعات أخرى تشملها أوجه التعاون بين الدول الأعضاء، ومنها «التعاون الثقافى»، الذى يؤمل أن يصير قبلة الحياة لمختلف القطاعات الثقافية وعلى رأسها صناعة الكتاب، بعد المآزق التى واجهتها مع ارتفاع الأسعار عقب التغيرات العالمية والتعثرات الاقتصادية عالميًا. 

يحظى «التعاون الثقافى» باهتمام واسع داخل التحالف، وقد اتخذت الدول الخمس- قبل توسع المجموعة- خطوات مهمة على صعيد تعزيز العلاقات فى مجالات ثقافية مختلفة، من بينها المكتبات والفنون.

وبتوسع المجموعة، التى صارت تشمل مصر والسعودية والإمارات والأرجنتين وإيران، فضلًا عن الأعضاء القدامى البرازيل والصين وروسيا والهند وجنوب إفريقيا، يؤمل أن يسهم التنوع الثقافى بين الدول الأعضاء فى تحقيق المزيد من فرص التعاون؛ وذلك انطلاقًا من قدرة الثقافة على تسهيل التعاون بين الشعوب فى عالم متعدد الأطراف، والبناء على ما تم اتخاذه من خطوات خلال السنوات الماضية منذ الإعلان عن «بريكس» وحتى الآن، من خطوات رامية إلى تعزيز التواصل والتبادل الثقافى. 

المجموعة التى عُقدت أول قمة لها فى شهر يونيو من العام ٢٠٠٩ فى يكاترينبورغ بروسيا، بدأت التعاون المؤسسى الرسمى على المستوى الثقافى من العام ٢٠١٥، عندما أنشأت آلية وزارية للتعاون الثقافى، كما انعقد أول اجتماع لوزراء ثقافة «بريكس» فى موسكو.

وفى شهر يوليو من العام نفسه وخلال قمة التكتل فى مدينة أوفا الروسية، تم التوقيع على اتفاقية للتعاون فى مجال الثقافة بين الدول الخمس الأعضاء، تهدف إلى توسيع نطاق التعاون فى مجال الثقافة بين دول بريكس، وكذلك تعميق التعاون فى مجالات الثقافة والفنون وتعزيز الحوار بين الثقافات؛ للمساعدة فى التقريب بين ثقافات وشعوب الدول الأعضاء.

وفى عام ٢٠١٧ فى مدينة تيانجين الصينية، انعقد الاجتماع الثانى لوزراء ثقافة المجموعة، والذى تم خلاله طرح خطة العمل الخاصة بتنفيذ اتفاقية التعاون فى مجال الثقافة، والإعلان عن تحالفات جديدة، منها تحالف مكتبات بريكس الذى يتيح الفرص لتبادل الكلاسيكيات وتعزيز دور الأدب والترجمة.

وفى أكتوبر ٢٠١٩، تم التوقيع على خطاب نوايا بشأن «الاقتصاد الإبداعى»، وذلك خلال الاجتماع الرابع لوزراء ثقافة دول المجموعة فى البرازيل. وفى الاجتماع الخامس لهم فى ٢٠٢٠ اتفق الوزراء على إنشاء مجموعة عمل بريكس المعنية بالثقافة، بهدف تبادل المعلومات سنويًا حول التعاون الثقافى متعدد الأطراف، وإطلاع الدول الأعضاء بعضها بعضًا على الأحداث الثقافية المقبلة التى ستعقد فى بلدانهم.

ومنذ عام ٢٠١٥ حتى الآن، عقد وزراء ثقافة «بريكس» ثمانية اجتماعات- آخرها فى أغسطس الماضى- شهدت الاتفاق على العديد من الفعاليات والأنشطة الثقافية المشتركة، وتم خلالها إطلاق عدد من التحالفات التابعة لـ«بريكس» فى مجالات ثقافية مختلفة «تحالف بريكس للمتاحف والمعارض الفنية، تحالف مكتبات بريكس» وغيرهما من مجموعات العمل فى قطاعات ثقافية منوعة تشمل المسرح والسينما والاقتصاد الإبداعى.

كما تم أيضًا تنظيم العديد من الاجتماعات على المستوى الرسمى رفيع المستوى ومشاركات بين الأفراد والمؤسسات الثقافية، وفعاليات مختلفة مثل مهرجان مسرح البريكس، ومهرجان الموسيقى، ومعارض مختلفة.

واحد من أبرز التحالفات التى تترجم التعاون الثقافى بين الدول الأعضاء، هو تحالف مكتبات بريكس، الذى يعود تاريخ إطلاقه إلى العام ٢٠١٧، خلال الاجتماع الثانى لوزراء ثقافة بريكس، والذى كان مقترحًا من مسئولى المكتبة الوطنية الصينية، تم الاتفاق على بنوده بعد أربعة أشهر من المناقشات، طبقًا لما أعلنته وزارة الثقافة الصينية، والتى شملت عقد المنتديات والمشاركة فى إقامة المعارض والمشاركة فى تطوير مكتبة رقمية، والحفاظ على الكتب القديمة وحفظها، والتنمية التعاونية وتقاسم الموارد، وما إلى ذلك.

ويعد تحالف مكتبات بريكس، الذى أطلقته المكتبة الوطنية الصينية فى العام ٢٠١٧، منصة مهمة لتعزيز تنفيذ الاتفاقية المبرمة بين حكومات دول بريكس بشأن التعاون فى مجال الثقافة. 

وفى اجتماع وزراء ثقافة التكتل فى الهند فى العام ٢٠٢١، أوصى البيان الختامى بتسهيل عمل تحالف مكتبات بريكس، من أجل تعزيز التعاون فى مجال حفظ الكتب، خاصة الكتب القديمة والأعمال النادرة، وإثراء المكتبات الوثائقية والرقمية وأيضًا من خلال تبادل المعلومات والكتب والمطبوعات.

كما أوصى البيان الختامى بتشجيع المبادرات الرامية إلى تعزيز الأدب من خلال تشجيع تبادل الكلاسيكيات، فضلًا عن دور الترجمة وتبادل المترجمين ودعم برامج الشراكة التى سوف تعزز هدف المجموعة الثقافية.

يتوقع الكاتب والمترجم حسين إسماعيل، الحائز على «جائزة الكتاب» الخاصة من الصين العام الجارى، أن يؤثر توسع المجموعة على الجانب الثقافى بصورة كبيرة، سواء تمثل ذلك فى زيادة حجم الترجمات بين الدول المؤثرة صاحبة الإنتاج الثقافى المميز، أو بانتشار الثقافات الخاصة وتداولها بين الدول الأعضاء. 

ويوضح إسماعيل أن تأثير الانضمام لمجموعة بريكس سيتضح على المدى البعيد، لا سيما على الصعيد الثقافى، متوقعًا أن يقود إلى ازدهار الترجمات وخصوصًا من العربية إلى الصينية والعكس، منوهًا بأن تجارب سابقة تثبت إمكانية تحقق هذا الازدهار، فحينما انضمت الدول العربية إلى مبادرة «الحزام والطريق» تم تدشين العديد من البرامج الثقافية بين الدول المنخرطة فى هذه المبادرة، ومن ثم فمن المحتمل بصورة كبيرة أن نشهد مثل هذا التعاون فى مجال الترجمات أو تبادل الأعمال الفنية وكل أوجه الثقافة. 

ويستدرك إسماعيل بقوله: علينا أن نتذكر أن هناك تعاونًا بين عدد من الأعضاء مثل مصر والصين والهند، وهو ما سيتم تعزيزه من خلال التجمع، بالإضافة إلى تحقيق الانفتاح على ثقافات ربما كانت بعيدة عن المنطقة العربية مثل البرازيل والأرجنتين، وبالتالى فإن هذا التجمع يعد فرصة للانفتاح على ثقافات هذه الدول وآدابها، وكذلك انفتاح هذه الدول على الثقافة العربية وآدابها لا سيما مع اهتمام المجموعة بالقوى الناعمة ودورها فى التأثير بالمجتمع الدولى ورغبتها فى أن تكون من التجمعات الدولية المؤثرة فى صياغة السياسة الدولية. 

وأشار تقرير نشره market line مطلع هذا العام حول ملخص سوق النشر فى دول بريكس والتوقعات التنافسية من ٢٠١٧- ٢٠٢٦، إلى أن البرازيل والاتحاد الروسى والهند والصين من الدول سريعة النمو فى صناعة النشر وبلغ إجمالى قيمتها السوقية ٦٨.٠٦٠.٦ مليون دولار أمريكى فى عام ٢٠٢١. وكانت الصين الدولة الأسرع نموًا بمعدل نمو سنوى مركب قدره ٧٪ خلال عام ٢٠١٧، مع توقعات رصدها التقرير بأن تحافظ الصين على تصدرها صناعة النشر بالمجموعة فى عام ٢٠٢٦، تليها الهند والبرازيل وروسيا. 

ونظرًا لأن ثمة تبادلات تجارية بالفعل مع عدد من الدول الأعضاء بمجموعة بريكس لا سيما فى مجال استيراد الورق وخاماته، ومع هذا النمو المتوقع لدول البريكس فى مجال صناعة النشر، فإن تأثير الانضمام إلى هذا التكتل على صناعة النشر من المتوقع أن يكون إيجابيًا بدرجة كبيرة. 

يرى رئيس اتحاد الناشرين المصريين سعيد عبده أنه فى كل الظروف سيكون انضمام مصر لمجموعة «بريكس» ذا أثر طيب وعوائد محمودة على مختلف الأصعدة، وهو ما يفسر تسابق الدول المختلفة للانضمام للمجموعة. 

وينوه عبده بأن الاهتمام بالجانب الثقافى فى مجموعة بريكس يؤسس لأرضية مشتركة بين الشعوب، ويسهم فى التقارب بين الدول، وهو ما يؤثر بدوره على المجال الاقتصادى والتبادل التجارى. 

ويتوقع رئيس اتحاد الناشرين المصريين أن يسهم الانضمام للمجموعة فى تعزيز التعاون الثقافى فى مجال صناعة النشر بين مصر والدول الأعضاء، لا سيما مع وجود تعاون سابق فعال ومثمر بين مصر والصين والهند، وكذلك مع روسيا والبرازيل بدرجة أقل. 

ويوضح عبده أنه فى حال الوصول إلى اتفاقيات تتيح استيراد مستلزمات الكتب من الدول الأعضاء بأسعار خاصة أو بضرائب أقل- سيكون ذلك مثمرًا فى التغلب بدرجة كبيرة على تعثر صناعة النشر، لا سيما أن معظم مدخلات مصر من الورق قائم على الاستيراد من مختلف دول العالم. 

من جانبه، يأمل رئيس اتحاد الناشرين العرب محمد رشاد أن ينعكس اهتمام مجموعة البريكس بالجانب الثقافى، على الأعضاء الجدد بها، بما يسهم فى تعزيز الاهتمام بالجوانب الثقافية وحل المعضلات التى تواجه صناعة النشر على المستوى العربى. 

ويدعو رشاد إلى إعادة ترتيب البيت من الداخل كى تكون الفوائد المنتظرة من تجمع بريكس على المستوى الثقافى ممكنة، مشيرًا إلى أهمية تعزيز الاهتمام العربى بجوانب التنمية الثقافية التى بدونها لا تكتمل تنمية حقيقية والاعتراف بأن النشر صناعة تحتاج إلى الدعم.