رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كِيف مسموم.. موطن السجائر في القاهرة يَقْسو على مدخنيه (تحقيق)

كيف مسوم
كيف مسوم

في زقاق ضيق من أزقة مدينة المحلة الكبرى، يجلس على كرسي خشبي متهالك، رجل يبلغ من العمر 61 عامًا، يحمل في يده سيجارة مشتعلة وفي فمه نفثة دخان تختلط مع أنفاسه المتعبة. إنه عبد الحميد، عامل بسيط في أحد مصانع البلاستيك، يعاني من إدمان التدخين منذ أكثر من ٤٠ عامًا.

"بقالي أكتر من 40 سنة بشرب سجاير، أول مرة أروح الكشك ومعرفش أجيب ولا نوع"، بصوتِ مبحوح يقول عبد الحميد، إن السجائر أصبحت جزءًا رئيسيًا من حياته، ولازمة لإنهاء أيام العمل الشاقة، مؤكدًا أنه حاول الإقلاع عن التدخين عدة مرات، لكنه فشل في كل محاولة، بسبب ضغوط الحياة والإغراءات المحيطة به.

ولم تكن أزمة غلاء أسعار السجائر واحتكارها التي ضربت الأسواق في يونيو 2023، كافية لإقناع "عبد الحميد" بالتخلص من هذه العادة الضارة. فقد ارتفع سعر علبة السجائر من ٢٥ جنيهًا إلى ٥٥ جنيهًا، بعد أن قامت شركات التبغ بخفض إنتاجها وتوزيعها احتجاجًا على زيادة الضرائب والرسوم، وأصبحت السجائر نادرة في الأسواق، وظهرت سوق سوداء تبيعها بأسعار مضاعفة.

يعتبر الرجل الستيني أن التدخين هو مصدر الراحة والاسترخاء بالنسبة له، خاصة في ظل ظروف العمل الشاقة والمعيشة المتدنية، ولكن هذه الراحة تأتي بثمن باهظ، فعبد الحميد يعاني من العديد من الأمراض الرئوية والصدرية، التي تهدد حياته، خاصة حين أصيب بالتهاب رئوي مزمن، وضيق في التنفس، وسعال دموي، وارتفاع في ضغط الدم، ونصحه الأطباء بالتوقف عن التدخين فورًا، وإلا سيكون معرضًا لخطر الإصابة بسرطان الرئة أو القلب.

قصة "عبد الحميد" تعتبر واحدة من ملايين القصص المؤلمة للمدخنين في مصر، الذين يستمرون في التدخين رغم كل المخاطر والصعوبات.

 

منذ شهور، يعاني المدخنون في مصر من صعوبة الحصول على سجائر بأسعار معقولة، بعد أن ارتفعت أسعار السجائر المحلية والمستوردة بنسبة تتخطى 100%، وشهدت بعض الأصناف نقصاً في الأسواق؛ ما أشعل استياء وغضب المستهلكين، وأثار تساؤلات حول أسباب ومسؤولي هذه الأزمة.

تعود بداية الأزمة إلى شهر يونيو من العام الجاري، حين بدأ بعض التجار في تخزين كميات كبيرة من السجائر، انتظاراً لإقرار الحكومة لزيادة ضريبية جديدة على المنتجات التبغية، كجزء من خطتها لزيادة الإيرادات وخفض العجز المالي، وفي ظل غياب رقابة فعالة من قبل الجهات المختصة، استغل التجار فرصة ندرة السجائر في الأسواق لرفع أسعارها بشكل مبالغ فيه، مستغلين حاجة المدخنين للمنتج وضعف قدرتهم على الإقلاع عن التدخين.

في التحقيق التالي، نستطلع حقيقة الأزمة من خلال متابعة تطوراتها وتحليل أبعادها في الفترة (15 يوليو - 5 سبتمبر)، والوقوف على دور الجهات المعنية في حلها، وذلك بعد قيامنا بالتجول في منطقة باب البحر، وهي منطقة شهيرة ببيع السجائر بالجملة في وسط القاهرة، ومعرفة أوضاع التجار والموزعين والمستهلكين الذين عاشوا تفاصيل أزمة السجائر في مصر.

كيف مفقود

في يومِ مشمس من شهر أغسطس الماضي، توجهنا إلى منطقة باب البحر، ووجدنا حشدًا كبيرًا من المشترين والباعة، يتبادلون السجائر بأسعار مرتفعة في شارع ضيق ومزدحم، تتوسطه سكة حديد وتنتشر به محال ومخازن وعربات، تعرض وتبيع وتنقل السجائر بالجملة. هذه هي المنطقة التي تعد أكبر سوق للسجائر في مصر.

هناك وجدنا كافة أنواع السجائر، المحلية والمستوردة، الباهظة والرخيصة، الجديدة والقديمة، كما التقينا بمختلف أصناف المستهلكين، الأغنياء والفقراء، الشباب والشيوخ، الرجال والنساء.

لكن منذ بدء أزمة السجائر في مصر، تغيرت ملامح المنطقة، فأصبحت أكثر ازدحاماً وفوضى فالتجار يتصارعون على شراء وبيع السجائر بأسعار مضخمة، مستغلين ندرتها في الأسواق، والمدخنين يتهافتون على شراء السجائر بأي ثمن، محتاجين للمنتج، والشرطة تحاول ضبط المخالفين والمهربين والمضاربين، ومواجهة التلاعب والتهرب.

في هذا المشهد المُلوَّن بالأصفر والأسود، تبرز رائحة الدخان والغبار، التي تملأ الهواء، وتسمع أصوات الصفير والصياح والشتائم، التي تعبِّر عن التوتر والغضب، وتشعر بآثار التدخين على صحة المدخنين وغير المدخنين التي تظهر على شكل سعال وضيق نفس.

أسعار متضاربة

تحدثنا في البداية مع محمود كارم، وهو تاجر للسجائر في منطقة باب البحر يتعامل مع عدة شركات منتجة ومستوردة للسجائر، يقول إنه حين سمع عن توقعات بزيادة ضريبية جديدة على المنتجات التبغية، علم جيدًا  أن الموزعين سيستغلون الفرصة لزيادة أرباحهم، فبدءوا في تخزين كميات كبيرة من السجائر، خاصة الأصناف المحببة للمستهلكين، مثل كليوباترا ومارلبورو وال ام.

يضيف: "في ظل ندرة السجائر في الأسواق، رفع الجميع أسعاره بشكل مبالغ فيه، مستغلين حاجة المدخنين للمنتج وضعف قدرتهم على الإقلاع عن التدخين، ولكنهم  لم يكتفوا بذلك، بل قاموا بالتواطؤ مع بعض الشركات المنتجة والمستوردة لإحداث نقص  في الأسواق، بحجة مشكلات في توريد المواد الخام أو تأخر في إصدار التراخيص اللازمة".

"لكن سرعان ما انكشفت مؤامرة الموزعين، عندما قامت الشركة الشرقية للدخان، وهي أكبر شركة منتجة ومستوردة للسجائر في مصر، بضخ كميات كبيرة من السجائر إلى الأسواق بأسعار رسمية"، يستكمل التاجر حديثه لـ "الدستور".

ويختتم: "قامت الجهات المختصة مؤخرًا بشن حملات رقابية وضبطية على التجار المحتكرين والمضاربين والمهربين، كما ألقت القبض على عدد منهم، ووُجِّهَت إليهم تهم بالإضرار بالاقتصاد الوطني والصحة العامة".

تورط خَفِيٌّ

خلال جولتنا داخل منطقة "باب البحر"، التقينا بـ أحمد علي (اسم مستعار)، موزع سجائر في منطقة باب البحر، ويؤكد أن بعض الأصناف مثل كليوباترا ومارلبورو، شهدت شحًا حادًا في الأسواق، بسبب تقاصرات الشركات المنتجة والمستوردة عن تلبية الطلب المتزايد، نتيجة لمشكلات في توريد المواد الخام أو تأخر في إصدار التراخيص اللازمة.

ويستطرد الموزع: "لا يوجد متسببًا واحدًا في أزمة السجائر في مصر، بل هي نتيجة لتفاعل عدة عوامل وجهات متورطة، ففي ظل هذه الظروف، انتشرت ظاهرة السوق الموازية للسجائر، حيث يقوم بعض التجار ببيع السجائر المهربة أو المضبوطة أو المنتهية الصلاحية بأسعار مرتفعة، دون احترام للمواصفات الصحية أو الضريبية".

يشير "علي" إلى أن  أصحاب الشركات أيضًا يستغلون ندرة السجائر في الأسواق، كونهم يتقاصرون عن تلبية الطلب المتزايد على السجائر، نتيجة لمشكلات في توريد المواد الخام أو تأخر في إصدار التراخيص اللازمة، كما يقوم بعضهم بالتواطؤ مع التجار لإحداث نقص في الأسواق.

"تجار باب البحر يقومون بتخزين كميات كبيرة من السجائر، انتظاراً لإقرار الحكومة لزيادة ضريبية جديدة على المنتجات التبغية"، يقول "علي" إن التجار في منطقة "باب البحر" غير مسجلين لدى الشركة الشرقية للدخان، وهي أكبر شركة منتجة ومستوردة للسجائر في مصر، والتي تحاول ضخ كميات كبيرة من السجائر إلى الأسواق لتلبية نسبة الطلب المتزايد وضبط أسعار السجائر.

ويختتم: "المدخنون أيضًا لديهم دور كبير في هذه الأزمة، حيث يستمرون في التدخين رغم ارتفاع أسعار السجائر وانخفاض جودتها، مما يزيد من طلبهم على المنتج ويشجع التجار على المضاربة، كما يضرّون بصحتهم وصحة من حولهم، ويزيدون من إنفاقهم على المنتج".

أبعاد اقتصادية 

تلقي أزمة السجائر بظلالها على عدة جوانب اقتصادية وصحية تؤثر على حياة الملايين من المدخنين وغير المدخنين في مصر. من الناحية الاقتصادية، تعد صناعة السجائر من أهم مصادر الإيرادات الضريبية للدولة، حيث تحقق نحو 60 مليار جنيه (3.8 مليارات دولار) سنويًا من ضرائب التبغ، وتشكل هذه الضرائب نحو 10% من إجمالي الإيرادات الضريبية للدولة، لكن مع استمرار أزمة السجائر، تتعرض هذه الإيرادات لخطر التراجع، بسبب التهرب الضريبي والتجارة غير المشروعة.

كما تؤثر أزمة السجائر على مستوى المعيشة للمدخنين، الذين يضطرون إلى دفع مزيد من المال لشراء سجائر بأسعار مضخمة، أو التحول إلى أصناف أقل جودة أو صحة، مما يزيد من إنفاقهم على المنتج والخدمات الصحية.

من جانبها، تقول الدكتورة هدى الملاح، مدير المركز الدولي للاستشارات الاقتصادية ودراسات الجدوى، إن الأسباب الرئيسية لأزمة السجائر في مصر هي احتكار التجار لها بشكل كامل، الأمر الذي يتسبب في تداعيات اقتصادية كبيرة لهذه السلعة، كونها الأكثر بيعًا نقديًا في مصر، ولا يمكن بيعها بالآجل.

وتوضح "الملاح":"الشركة الشرقية للدخان تتعامل من خلال التوكيلات، ولا تتعامل بشكل مباشر مع المحال والتجار، فهناك توكيل سجائر في كل منطقة في محافظات الجمهورية، يكون له مواصفات معينة تتحمل استقبال هذه السلعة، ثم يتعامل الموزعون من خلالها مع التجار والمحال في الأسواق المختلفة".

د.هدى الملاح، مدير المركز الدولي للاستشارات الاقتصادية ودراسات الجدوى

تنوّه "الملاح" إلى أن سلعة السجائر تعتبر من أسرع السلع بيعًا في مصر، وتدخل خزانة الدولة أسرع من أي سلعة أخرى، بجانب الناتج المحلي لها، لذا تحاول الحكومة المصرية أن تراقب بكافة جهودها أسواق السجائر في مصر، والسيطرة على الأزمة المنتشرة بين المواطنين.

وتوجه "الملاح" بضرورة تشديد الرقابة والضبط على التجار المحتكرين والمضاربين والمهربين والمخالفين للأسعار الرسمية والمواصفات الصحية، بجانب إصدار التعديلات الضريبية المتوقعة على المنتجات التبغية لإنهاء حالة الارتباك والتخبط في السوق، وذلك بخلاف توعية المستهلكين بأضرار التدخين على صحتهم وميزانيتهم والمجتمع، وتشجيعهم على الإقلاع عن التدخين أو تقليل استهلاكهم.

"الولاعة" لا تزال في جيبي!

في شقة صغيرة بأحد أحياء الجيزة، يستلقي أحمد وليد، على فراشة منذ قرابة ١١ يومًا، منغمسًا في صراع جسدي مع ضيق التنفس المتواصل والسعال الدموي، ورغم تحذيرات الأطباء من عدم اقترابه للسجائر بطريقة صارمة، إلا أن القداحة لا تزال في جيبه حتى الآن.

كان الشاب الثلاثيني يدخن السجائر بشراهة منذ فترة بعيدة، ولم يستطع التخلص من إدمانه حتى بعد ارتفاع أسعار السجائر في مصر بشكل كبير في يونيو 2023، ولكنه لم يكتفِ بالسجائر المعروفة فقط، بل اضطر للاعتماد على أنواع سجائر جديدة ظهرت في الأسواق ثمنها أرخص من المعروفة، واتضح مؤخرًا أنها سجائر مضروبة تحتوي على مواد كيميائية وأوراق نباتات غير معروفة، تسببت له في أمراض صدرية خطيرة، وتهدد حياته.

"أنا مش عارف أوقف.. بحس إنها بتخلِّيني أستحمل الظروف اللي أنا فيها.. بس مش عارف إزاي جابتلي المرض ده.. هو ده سببه السجائر؟" يقولها أحمد بصوت ضعيف، وهو يحاول التنفس بصعوبة.

وفقًا للأطباء الذين عُرض عليهم في الآونة الماضية فإن حالة أحمد حرجة كونه يعاني من التهاب رئوي حاد، نتيجة لاستنشاقه للمواد الضارة التي تحتوي عليها السجائر المضروبة، في الوقت الذي تزداد فيه انتشارًا داخل الأسواق المصرية، خاصة بعد زيادة الطلب عليها من قبل المدخنين الذين لا يستطيعون شراء السجائر الأصلية.

دُخان مسرطن

"لا تزال تظهر لنا حالات مؤلمة كحالة أحمد، هؤلاء الذين ضلوا سبيلهم، وأسلموا أنفسهم للسجائر الخفية، هؤلاء الذين لا يعلمون من أين أتت تلك السجائر، وماذا تخفي في باطنها، يتنفسون موادًا كيميائية فتاكة ومسرطنة، ويصابون بأمراض تقضي على صحتهم وتقصر عمرهم، هذا إدمان لا يعرف الرحمة ولا الغفران"، هكذا بدأ الدكتور وائل خيرة، حديثه مع "الدستور"، والذي يتابع حالة "أحمد" الصحية في الوقت الحالي.

ويوضح إخصائي الأمراض الصدرية، أن هذه السجائر المزورة تأتي من دول مجاورة، أو تصنع محليًا بطرق بدائية، وتباع بأسعار رخيصة، تتراوح بين ٣٠ و٣٥ جنيهًا للعلبة الواحدة، بينما تصل أسعار السجائر الأصلية إلى 50 جنيهًا للعلبة. 

يتابع "الأزمة الحقيقية تكمن في جهل المدخنين حول استخدامهم سجائر مزورة، يشترونها من التجار الذين يزعمون أنها سجائر مستوردة أو محلية جديدة، ويستفيدون من حالة الاحتكار والغلاء التي تعاني منها السجائر الأصلي، لكن هؤلاء يخادعون المدخنين، ويبيعون لهم سجائر الموت السريع".

أما عن أعراض السجائر المضروبة والمقلدة، يشير "خيرة" إلى أنها تزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان والالتهابات الرئوية، كونها تحتوي على مواد كيميائية ومبيدات حشرية مسرطنة، وتفتقر إلى معايير الجودة والسلامة، فهناك من يصنعها باستخدام مادة "الفورمالديهايد"، وهي مادة مسرطنة تستخدم في صناعة الأدوية والمواد البلاستيكية.

في ختام الحديث، طالب "خيرة" السلطات المصرية بالتحقيق في مصادر هذه السجائر المغشوشة وضبط المتورطين في تصنيعها وترويجها، وحماية المستهلكين من خطورتها، كما دعا المدخنين إلى التوقف عن التدخين نهائيًا، أو على الأقل استخدام السجائر المعروفة والمضبوطة، التي تحمل علامات تجارية مسجلة، ولا تحتوي على مواد غير معروفة.

موت رخيص

في عالم الظلام والسرية، تنشط شبكات السجائر المضروبة على فيسبوك، تستغل الأزمة والطلب والجهل، تبيع الموت بأسعار زهيدة، تتلاعب بالمستهلكين بالكذب والخداع.

تنشأ هذه المجموعات السرية بسرعة وتنتشر بوباء، تجذب الآلاف من المدخنين الباحثين عن سجائر رخيصة ومتوفرة، تعرض صوراً وأسماء لأنواع مختلفة من السجائر، تدّعي أنها أصلية ومستوردة وجديدة، وتتواصل مع الزبائن عبر الرسائل الخاصة أو الهاتف، تحدد مكان وزمان التسليم والدفع، تستخدم وسطاء ومناديب لإتمام الصفقات، تتفادى الشرطة والضرائب والقوانين.

تخفي هذه المجموعات حقيقة ما تبيعه من سجائر مضروبة ومقلدة ومنتهية الصلاحية، تصنعها في مصانع وورش سرية، تستخدم فيها تبغًا رديئًا وأوراق رقيقة وعبوات مزورة، تضيف إليها مواد كيميائية ومبيدات حشرية ومخلفات صناعية.

هذا هو عالم السجائر المضروبة على فيسبوك، عالم لا يعرف الضمير أو الإنسانية، عالم يجب أن يتوقف ويحاسب، وأمام هذا الوضع المقلق، تحاول الحكومة المصرية أن تتخذ إجراءات فعالة لمكافحة هذه الظاهرة، من خلال شن بعض الحملات الأمنية لضبط المخالفين والمضبوطات، والتي لم تؤثر كثيرًا على حجم التجارة غير المشروعة بالتبغ حتى وقتنا الحالي، كما لم يتم إصدار أي تشريعات جديدة لزيادة العقوبات على من ينتج أو يستورد أو يبيع أو يتاجر في السجائر المضروبة أو المقلدة أو منتهية الصلاحية.

عقوبات منتظرة

في السياق، يقول حسام الجعفري، المحامي بالنقض، إن سوق السجائر في مصر يشهد حالة من الفوضى والاحتكار من قبل بعض التجار الذين يستغلون الطلب المرتفع على هذه المادة ويبيعونها بأسعار مبالغ فيها أو دون فاتورة تثبت التعامل. 

ويوضح الجعفري لـ"الدستور"، أن سوق السجائر في مصر يخضع لعدة قوانين تهدف إلى حماية حقوق المستهلكين وضمان جودة المنتجات ومنع التلاعب بالأسعار، من أبرزها قانون العقوبات، الذي يحظر بيع أي سلعة بأزيد من السعر المعين لها، ويعاقب على ذلك بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تتجاوز خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.

يضيف: "قانون حماية المستهلك يلزم أيضًا الموردين بأن يسلموا المستهلكين فاتورة تثبت التعامل أو التعاقد معهم على المنتج، وتحتوي على رقم تسجيلهم الضريبي وتاريخ التعامل وثمن المنتج ومواصفاته، ويرخص لجهاز حماية المستهلك بإصدار قرارات تحدد أسعار منتجات أخرى، وتشمل العقوبات غرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تجاوز خمسمائة ألف جنيه أو مثل قيمة المنتج محل المخالفة أيهما أكبر، لكل مورد خالف قانون حماية المستهلك في بنود مختلفة، مثل عدم إصدار فاتورة أو بيان للمستهلك، أو خالف قرارات جهاز حماية المستهلك بشأن تحديد أسعار بعض المنتجات".

حسام الجعفري ـ المحامي بالنقض

يستطرد: "يحدد أيضًا قرار وزير التموين والتجارة الداخلية رقم 330 لسنة 2017، أسعار بيع بالجملة والتجزئة لأصناف مختلفة من السجائر، ويرخص لشركات التبغ بإصدار فئات جديدة من السجائر بشروط محددة، ورغم كل ذلك، إلا أن بعض التجار في سوق السجائر يرتكبون مخالفات تضر بحقوق المستهلكين وتخل بالنظام الاقتصادي، مثل البيع بأزيد من السعر المقرر، والبيع دون فاتورة".

في ختام الحديث، ينصح "الجعفري":"إذا تعرض أحد المستهلكين للاستغلال في سوق السجائر، فيمكنه اتخاذ إجراءات معينة، ومنها التأكد من السعر الحقيقي للسجائر، وذلك بمسح الباركود الموجود على كل عبوة، والذي يمكنه من معرفة تاريخ إنتاج العبوة والسعر المقرر لها، بجانب الإبلاغ عن أي تجاوزات أو مظاهر جشع من البائعين أو التجار إلى جهاز حماية المستهلك، وذلك عن طريق الخط الساخن 19588، ويجب على المستهلك تقديم كافة المستندات والأدلة التي تثبت مخالفة البائع أو التاجر للقانون أو القرار".

أنفاس نظيفة

في ظل تداعيات أزمة السجائر في مصر، كان "محمود طمان" يدخن سيجارة وراء أخرى، لا يستطيع التوقف عن هذه العادة السيئة التي بدأها منذ المرحلة الثانوية، كان يشعر بالاسترخاء والهدوء عندما يشعل سيجارته ويستنشق دخانها، لكنه في الوقت نفسه يعلم جيدًا مدى الضرر الذي يلحق بصحته ومحفظته كان ينفق ما يقرب من 300 جنيه مصري شهريًا على السجائر، وهو مبلغ كبير بالنسبة لموظف شاب في شركة صغيرة.

حين تعرضت أسواق السجائر في مصر لأزمة غلاء الأسعار والاحتكار بعد أن رفعت الحكومة الضرائب على التبغ والتدخين، وأصبحت السجائر نادرة ومكلفة، كان "محمود" يجد صعوبة في شراء علبة سجائر بأقل من 50 جنيهًا مصريًا، وكثيرًا ما كان يضطر إلى البحث عن محال تبيع السجائر بالتهريب أو المغشوشة. شعر بالغضب والإحباط من هذا الوضع، وقرر أن يتخلص من إدمانه على التدخين.

بدأ "محمود" رحلته للإقلاع عن التدخين بالاستعانة بالتطبيقات الإلكترونية التي تقدم نصائح وإرشادات للمدخنين، قام بوضع خطة لتقليل عدد السجائر التي يدخنها تدريجيا، حتى يستطيع التوقف نهائيا. استخدم بعض البدائل للتغلب على رغبته في التدخين، مثل المضغ أو شرب الماء أو ممارسة التمارين الرياضية.

في خلال أيام معدودة، استطاع الشاب العشريني أن يتخلص من إدمانه على التدخين، وشعر بالفخر والسعادة بهذا الإنجاز، وفر ما يقرب من 2000 جنيه مصري من ميزانيته الشهرية، واستثمرها في شراء أشياء تفيده وتسعده، مثل الملابس والأدوات رياضية، وأصبح مثالًا يحتذى به للكثير من المدخنين الذين يرغبون في الإقلاع عن التدخين، ويشاركهم تجربته ونصائحه بصدر رحب.

 

حلول لا غنى عنها

إبراهيم إمبابي، رئيس شعبة الدخان في اتحاد الصناعات، يقول في حديثه لـ "الدستور"، إن أسواق السجائر في مصر تعاني بشدة من أزمة ارتفاع الأسعار، مقترحًا أن يتم توزيع السجائر التي ضبطت من التجار الجشعين على محطات وطنية للبنزين ومنافذ بيع موثوقة؛ لأن المستهلكين يثقون فيها.

يشير "إمبابي" إلى أن كمية السجائر المضبوطة تتجاوز إنتاج شركة الشرقية للدخان، محذرًا من أن انخفاض أسعار السجائر في الأيام القليلة الماضية لا يعكس السعر الحقيقي والمنصف للمستهلكين، مؤكدًا أن التجار يحاولون خداع المستهلكين بتقديم أسعار أقل من الأسعار المبالغ فيها التي تسببت في الأزمة السابقة، لكي يظن المستهلكون أن هناك تحسنًا في أسعار السجائر. 

يستكمل:"لكن التحسن الحقيقي يكون عندما تباع السجائر بالسعر المكتوب على الباركود، الذي لا يزيد على 24 جنيهًا لعلبة سجائر «كليوباترا»، بينما تباع حاليًا بـ45 جنيهًا بعد أن كانت تصل إلى 75 جنيهًا".

ويوضح إمبابي، أن انخفاضات الأسعار الحالية للسجائر غير كافية لتحقيق مطالب شعبة الدخان، كما يتوقع عودة الأسعار إلى مستوى مرتفع مجددًا إذا لم يتخذ صانعو القرار خطوات جذرية لحل المشكلة.

في الختام، ينوّه رئيس شعبة الدخان، إلى أن أولى هذه الخطوات هي سرعة تطبيق التغيرات الضريبية على السجائر التي تأخرت لثلاثة أشهر، والخطوة الثانية هي تغيير طريقة التوزيع بحيث تقوم شركة الشرقية للدخان بتوريد منتجاتها مباشرة إلى محطات الوطنية للبنزين وأكشاك السجائر والمحال التجارية الكبرى، بدلاً من التجار الجملة الذين يخزنون السجائر.