رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مذكرات مترجم سوفيتى فى حرب الاستنزاف

كتاب بقلم المترجم وأستاذ الجامعة الدكتور جينادى جوريا تشكين، كبير المترجمين بالفرقة الثالثة مشاة ميكانيكية وحاليا أستاذ التاريخ العربى بجامعة موسكو، والذى عمل مترجما بالجبهة المصرية من 1969إلى 1971. العام الذى قام فيه الرئيس السادات بإنهاء مهمة الخبراء العسكريين السوفييت، استعدادا لحرب أكتوبر.

 
ترجمه الدكتور حسين الشافعي. وتم نشره بمعرفة مجلة أبناء روسيا بالتعاون مع الجمعية المصرية للثقافة والعلوم بمناسبة مرور أربعين عاما على نصر أكتوبر 1973. وفضلت أن أعرضه بمناسبة مرور خمسين عاما على حرب أكتوبر. 
الحقيقة فترة حرب الاستنزاف لم يتم تقييمها جيدا بمعرفة العسكريين المصريين الذين كتبوا مذكراتهم وقتها. لأجل ذلك يخلو التاريخ العسكرى لمصر فى تلك الفترة من الوضوح، ونحاول أن نستكمل تلك الفترة فى ضوء من عاصروها، وعاشوها، ومنهم بقلم المترجم وأستاذ الجامعة الدكتور جينادى جوريا تشكين.


سجل جوريا تشكين والذى كان عمره آنذاك واحدًا وعشرين عاما، أحداث فترة عمله مترجما ضمن أكثر من خمسمائة مترجم سوفيتى عملوا معه آنذاك، فيصف لنا كيف عاش السوفييت فى ظروف صعبة، مثلهم مثل المصريين، ويسرد قصصا إنسانية، تكشف عن روح وإرادة مشتركة لصنع النصر الذى حققناه.


يقول الكاتب إن عمله كمترجم فى ظروف الحرب والقتال كان بمثابة جامعة ثانية، أما من كان حولى من جنرالات وضباط مصريين، فهم أصبحوا أساتذتى الذين نهلت من معارفهم ما ملأ الفراغ فى تعليمى المهني، وأصبحت مصر بهم، وبالنسبة لي، وطنى الثانى حتى الآن. 


يقول جوريا تشكين، لقد كان الهدف الرئيسى من حضور المستشارين العسكريين السوفييت هو إعداد وتدريب قوات الجيش المصرى التدريب العسكرى الكافى لخوض غمار حرب ضد العدو الإسرائيلي، إلا أن تلك التدريبات قد أحبطت وباءت بالفشل إلى درجة كبيرة وذلك على الرغم من تواجدنا من بداية فبراير عام 1970 بصفة دائمة، وكنا ننام فى المخيمات والمخابئ ونتناول طعامنا فى ميس الضباط.


ويقول إنه بعد قيام الرئيس المصرى أنور السادات بإزاحة كبار رجال الدولة والسياسيين المعارضين له فيما عرف بثورة التصحيح، أخذ السادات فى تنظيم العديد من اللقاءات مع العمال والمثقفين وطلبة وأساتذة الجامعات وكذلك أفراد القوات المسلحة، كانت كل خطبة تستمر من ساعتين إلى 3 ساعات، تبدأ هادئة وسرعان ما يعلوها الانفعال. ويقول إن القيادة السوفيتية اختارته لترجمة خطاب السادات، فكان يتم إحضار جهاز راديو إلى مكتب الترجمة، وكان يقوم بالترجمة إلى الروسية كل كلمة يقولها، وكان زملاؤه المترجمون يقومون على الفور بتصحيح وتحرير ما كان يقوم بترجمته، بعد ذلك يقوم جندى مراسلة بتوصيل الترجمة المصححة للطابق الثانى حيث يوجد قسم الكتابة على الآلة الكاتبة، كل ذلك كان يتم بسرعة رهيبة، بحيث تكون ترجمة خطاب الرئيس السادات معدة وجاهزة باللغة الروسية بعد حوالى نص ساعة من إذاعتها، بعد ذلك يتم نقل الترجمة بواسطة سيارة كانت تقف فى فناء الإدارة جاهزة للانطلاق بالترجمة من القيادة إلى حيث السفارة السوفيتية فى الجيزة عبر شارع صلاح سالم.


يقول إن الترجمة الروسية لخطاب السادات استمرت مدة طويلة جدًا حتى ضاق بها، فقد كانوا يستدعونه فى أى وقت حتى فى أوقات راحته، ويحكى أنهم استدعوه ذات مرة يوم الجمعة، وكان فى زيارة صديق له وتم استدعاؤه، ولكن رفض الذهاب، فقاموا بالتحقيق معه وعاقبوه بالسجن 15 يوما، ولكنهم لم ينفذوا العقوبة عليه، وكان وقتها برتبة ملازم أول.

 
وفى لحظة صدق يقول جوريا تشكين إن حرب الاستنزاف التى كان من شأنها إنهاك إسرائيل وإضعافها جلبت أضرارا على الجانب المصرى أيضا، حيث ألحقت بمصر خسائر فادحة، وبلغت الخسائر التى سببتها طائرات الفانتوم الإسرائيلية على مصر حدا كبيرا فاق كل تصور، وسقطت أعداد كثيرة من الضحايا سواء من جانب المواطنين العاديين أو العسكريين، ولا زلت أتذكر حتى الآن ذلك التلاعب اللفظى الحزين الذى كان المصريون المحبون لإطلاق النكت والفكاهات ونقد الذات كانوا يقولون: «حاضر يا فانتون» بدلا من «حاضر يا أفندم».

 كما سقط عدد من القتلى والجرحى من الجانب السوفيتي، وكان الوضع أكثر صعوبة للفرقة السادسة الميكانيكية بالمنطقة المركزية التى كانت قرب دهشور والأهرامات. فقد كان نتيجة القصف قتل 3 عسكريين سوفييت ورئيس المترجمين بالفرقة.


الكتاب يحكى عن الأهوال التى تعرضت لها مصر فى تلك الفترة والتى أغفلها كثير من العسكريين المصريين الذين كتبوا مذكراتهم. كما لم يصدر أى تقيين حقيقى عن تلك الفترة المهمة من تاريخنا ولا عن المتسببين فيها. ربما بسبب فداحة ما حصل، ومحاولة إنقاذ الدولة من الكارثة المحققة.