رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الرئيس الأكثر إنجازًا فى الملف الاقتصادى

أنْ تُعارض سياسة ما فى بلادك فهذا حقٌ مشروع خاصة إذا كنتَ متخصصًا فيما تعارض فيه، لكن أن تكذب وتقدم للناس معلومات خاطئة مضللة يكذبها الواقع فهذه ليست معارضة، هذا كذب وتضليل تام، منذ عدة أيام قرأت مقالًا لدكتور جامعى متخصص فى الاقتصاد وسبق أن تولى منصبًا وزاريًا يرد فيه على ما قاله الرئيس إن الأزمة الاقتصادية الراهنة نتيجة أزمتين عالميتين متتابعتين، كوفيد والحرب الروسية، قرأت المقال كاملًا وأصابنى الذهول من جرأة الرجل على الكذب الصريح فى بيانات ومعلومات وحقائق على الأرض، حيث قال نصًا «الأزمة الاقتصادية التى نعانى منها ليست كما تدعى الحكومة بسبب عوامل خارجية، بل هى الحصاد المر للسياسات التى طبقتها الحكومات المتعاقبة خلال عشر سنوات. هذه السياسات كان جوهرها إجمالًا غياب الأولويات مع التركيز على الحجر وإهمال البشر. وكان حاصلها التورط فى مشروعات سُميت قومية دون دراسة كافية والتمادى فى الاستدانة وإهمال الإنتاج الوطنى فى الزراعة والصناعة لصالح أنشطة التجارة والعقارات».

بصراحة أول مواطن تعجبى هو كيف تولى هذا الرجل منصبًا وزاريًا؟! وذكّرنى بظاهرة صلاح جودة- رحمه الله- وما فعله فى العقل الجمعى المصرى من خزعبلات اقتصادية أصابت بعض المصريين بنوع من الهوس وفقد الثقة فى كل شىء وكل شخص يتولى منصبًا رغم تهافت ما كان يردده مع أول دقيقة من النقد المعلوماتى، لكن طريقة عرضه لخزعبلاته أو كما نقول بالعامية المصرية «الدخلة التى كان يدخل بها على الناس» جعلت من الأوهام حقيقة!.

لستُ متخصصًا فى الاقتصاد، لكننى سأتناول الموضوع من زاويتين، الأولى الزاوية المعلوماتية الخالصة المجردة، والثانية كمواطن شاهد على الأرض وتأكد يقينًا- فى أحد الملفات- من كذب هذا المسئول السابق الحاصل على دكتوراه فى فلسفة الاقتصاد من «بلاد بره!»، وله العديد من المؤلفات وعمل فى جامعات خارج مصر قبل أن يتولى منصبه بعد أحداث يناير، لن أتوقف كثيرًا أمام عبارة «التركيز على الحجر وإهمال البشر» وأقول متسائلًا: أين وممن سمعنا هذا الكلام قبل ذلك؟! نعم سمعناه من لاعب الكرة المُدان فى قضايا تمويل الإرهاب والذى هرب خارج مصر وجَبُن عن العودة لحضور جنازة والده!

 

فى قصة الزراعة تحديدًا كذب الرجل كذبًا صريحًا لا لبس فيه! كان لدى مصر حتى ما قبل الانتهاء من بناء السد العالى عام ١٩٧١م حوالى خمسة ملايين فدان ونصف المليون. حتى عام ٢٠٠٠ تقريبًا زادت المساحة بمقدار اثنين ونصف مليون فدان اعتمادًا على ما وفره السد العالى من مياه لتصبح المساحة الإجمالية للأراضى الزراعية فى مصر مع مطلع الألفية الثالثة أقل من ٨ ملايين فدان، فى الفترة من ٢٠١٤ وحتى اليوم زادت مساحة الأرض المزروعة أو المستصلحة بالفعل بمقدار مليون ونصف مليون فدان، أى أن الدولة المصرية قد قامت بالفعل بإضافة مساحة هى نصف ما زادته بعد السد العالى، وقد تم ذلك وسط كل تفاصيل الحرب العسكرية وباقى تفاصيل المشهد المصرى، ولم تكن هذه المساحة المضافة سوى جزء من مشاريع الاستصلاح المقرر الانتهاء منها فى خلال عام أى بحلول ٢٠٢٤م والتى تستهدف كمساحة إجمالية ٥ ملايين فدان بما يعنى أكثر من نصف المساحة الإجمالية المزروعة فى عموم مصر، وبما يعنى تغيير خريطة مصر المأهولة تمامًا بعد آلاف السنوات من استقرارها وحصرها فى أقل من ٥٪ من إجمالى مساحة مصر.

إننى أتعجب أن تغيب تفاصيل مشاريع بعينها عن مسئول سابق متخصص فى الاقتصاد، فيمرر للمصريين هذا الكذب الصريح، فمشروع الدلتا الجديدة يستهدف زيادة ٢ مليون فدان، ومشروع تنمية سيناء يستهدف ٥٠٠ ألف فدان، ومشروع مستقبل مصر يستهدف نصف مليون فدان، ومشاريع توشكى التى تم الانتهاء من معظمها بالفعل تستهدف مليونًا ونصف المليون فدان! ومشروع التمور لزراعة اثنين ونصف المليون نخلة، والذى تم معظم مراحله بالفعل لدرجة أننى قد تلقيت أسئلة عنه وعما يجرى فى مجال الزراعة فى مصر من سائحين أوروبيين حتى قبل أن يروها فى طريق أبوسمبل، هذه المشاريع وضعت مصر بالفعل على قائمة الدول المصدرة لعدد من المحاصيل الزراعية ووضعت مصر على رأس الدول المنتجة للتمور فى العالم، تقريبا لم تخلُ محافظة من مشروع زراعى ضخم.

نسبة الاكتفاء الذاتى من القمح بلغت ٤٥٪ عام ٢٠٢٠ ومستهدف عام ٢٠٢٤ الوصول لنسبة ٦٥٪. ومن الفول البلدى من ٣٠٪ إلى ٨٠٪، وإلى ٨٥٪ من الأسماك.. ونسبة التقاوى المعتمدة زادت من ٤٠٪ عام ٢٠١٣ إلى ٧٠٪ عام ٢٠٢٣. 

صوامع القمح زادت من ٤٠ صومعة عام ٢٠١٣ ولا تعمل بكامل كفاءتها وتتسبب فى نسبة فاقد ١٥٪ إلى الوصول لعدد ٧٥ صومعة حديثة متطورة قفزت بالمخزون من مليون ونصف مليون طن قمح عام ٢٠١٣ إلى أكثر من ثلاثة ونصف مليون طن عام ٢٠٢٣.

 

تعرض محصول القطن المصرى فى العقود السابقة إلى أخطاء تسببت فى تراجع المساحات المزروعة به ودخول سلالات غريبة خلاف تلك التى تميزت بها مصر، فتراجعت المساحة من مليونى فدان فى فترة الثمانينيات إلى ١٢٠ ألف فدان فقط قبل أحداث يناير ٢٠١١. طلب السيسى فتح ملف القطن المصرى، وطلب دراسة كاملة عن موقفه وموقف زراعته. وأشرف على وضع خطة لعودة القطن المصرى إلى سابق عهده، وأشرف على تحديث منظومة القطن بدءًا من زراعته حتى تسويقه. وبدأت المساحات تتزايد مرة أخرى فبلغت فى موسم ٢٠٢٠ حوالى ٢٣٧ ألف فدان، ثم ٣٣٣ ألف فدان بعد عام، وخطة الدولة مستمرة للوصول بالمساحات والإنتاج إلى أفضل ما كانت عليه فى ذروة تربع القطن المصرى عالميًا. وتزامن مع ذلك ضخ الحياة فى مصانع الغزل والنسيج.

 

فى عقدى الثمانينيات والتسعينيات نشأنا على حلم خلدته الأعمال الدرامية، وهو أن التوجه للصحراء ومحاولة إعمارها هو التوجه الأمثل للمصريين، وأنه مقياس إخلاص وصدق ووطنية الحكام، فلما جاءنا من يقوم بتنفيذ هذا الحلم المثالى تجاهله البعض، وحاولوا التقليل من حجم الإنجاز غير المسبوق فى هذا المضمار، وبعضهم حاول صراحة الكذب ليضلل المصريين، للتكاسل عن السير فى هذا الطريق الصعب فى عقود حكم مبارك، تم الترويج لفكرة عدم وجود مياه كافية للتوسع الزراعى الأفقى بشكل موسع. لقد نزع السيسى ورقة التوت السياسية عن هذه الحجة حين قام- بالتوازى مع إعداد البنية الأساسية للمشاريع الزراعية- بالتعامل العلمى الصحيح مع مشكلة ندرة المياه. اتخذ فى سبيل تنفيذ ذلك عدة محاور، أولها تحديث طرق الرى، التى وصلت إلى نسبة تقارب ٤٠٪ حتى الآن من مساحة الأراضى المزروعة فى أنحاء مصر، وهذه نسبة ضخمة ذات تكلفة عالية، المحور الثانى هو تقليل نسبة الفاقد عبر تبطين آلاف الكيلومترات من الترع الزراعية، وإعادة تأهيلها ورفع كفاءتها فى الدلتا والصعيد، وأخيرًا كان محور استغلال حصص مصر من الآبار الارتوازية فى بعض مناطق مصر الصحراوية مثل الصحراء الغربية. ولا ننسى محطات الرفع العملاقة التى بلغت أكثر من خمس وعشرين محطة فى المشاريع الزراعية الجديدة، لقد حقق السيسى المعادلة التى كان يراها البعض مستحيلة، واتضح أن كلمة السر هى «الإرادة السياسية».

الإرادة السياسية كانت الكلمة السحرية التى فتحت آفاق التنمية عبر صحراوات مصر، وهى التى كسرت التابو الذى تم فرضه على مصر- لصالح كيانات اقتصادية كبرى تؤازرها دول عظمى- فيما يخص المساحات المزروعة قمحًا. لقد كسر السيسى الطوق المفروض على مصر.

 

لا يتسع المقام هنا لحصر ما تم إنجازه فى عشر سنوات فى المجال الاقتصادى والذى أراه مسوغًا كافيًا للرد على حملات التشويه والأكاذيب التى يروجها البعض، ويقع فريسة لها مصريون كُثر، لكن يكفى فقط العبور على بعض العناوين الكبرى مثل مصانع الأسمدة الآزوتية، مصنع الرمال السوداء، تحديث مصانع الغزل والنسيج، إعادة تصدير المحاصيل الزراعية للسوق الأوروبية، إنشاء مزارع سمكية تعد الأضخم إنتاجًا فى القارة، تغيير خريطة مصر الكهربائية والتى لولا ما تم إنجازه بها لما كانت مصر قادرة على تخطى أزمة الكهرباء التى ضربت العالم تزامنًا مع الموجة الحارة، البنية الأساسية- طرق ومحطات كهرباء ومياه- التى شقت صحراوات مصر، والتى ستغير الخريطة الإجمالية لمصر من مساحة ٥٪ مأهولة إلى ما يقترب من ٢٠٪ بحلول عام ٢٠٣٠، وسيصبح هذا التغيير هو الأهم والأضخم منذ العصور القديمة فيما يخص إعمار مصر.

من سابق ما مرت به مصر وغيرها من دول العالم وأصبح من بديهيات الاقتصاد أن البنية الأساسية بمفردها- دون ربطها بخطط تنموية إنتاجية طويلة وقصيرة الأمد- غير ذات جدوى وستنهار فى سنوات كما حدث فى مصر حين اكتفى نظام سابق بمشاريع البنية الأساسية فى العقد الأول من توليه السلطة، ولم تتناسب مشاريع البنية هذه لا مع مشاريع التنمية الإنتاجية ولا مع معدل النمو السكانى غير المنطقى الذى يصر المصريون على التمسك به. الجديد فى عصر الرئيس السيسى هو ربط مشاريع البنية الأساسية بخطط تنموية طويلة الأمد وخلق مناطق إعمار جديدة تمامًا فى شتى ربوع مصر.

 

«فقه الأولويات فى المشاريع».. لقد أصبحت هذه العبارة- على الأقل لى بشكل شخصى- عبارة سيئة السمعة، مصطلحٌ لقيط، لا يُعرف أصله الأول ومن ألقى به إلى المصريين فأصبح بعضهم يردده وكأنه من مُسلمات وحقائق الواقع المصرى أو من مصطلحات علم السياسة والاقتصاد. ويذكرنى بمصطلح «الاختفاء القسرى» الذى فجر أحد ضيوف برنامج الشاهد- مختار نوح- مفاجأة كبرى بخصوص نشأته الأولى والهدف من إطلاقه. علمنا أنه مصطلح قانونى يحمل أهمية خاصة ويمنح- طبقًا للقوانين الدولية- حقًا لمنظمات دولية للتدخل فى شئون الدول والمطالبة بمحاكمة بعض مسئوليها، وأن مطلقه الأول هو محمد البرادعى، فهل يفاجُئنا أحدهم يومًا ويخبرنا عن مبتكر مصطلح «فقه أولويات المشاريع فى مصر».

فى يوم ما فاجأنى أحدهم- صاحب جنسية دولة كبرى- ويعمل فى مصر لعامين، وقدم نفسه كخبير فى مجال اقتصادى معين رغم تشككى فى هذا، لكنه فاجأنى بتكرار نفس المصطلح وأنه يستنكر هذا على الإدارة المصرية، ويتعاطف مع المصريين الذين تنفق الدولة أموالهم على صحراء العاصمة الإدارية الجديدة! مناقشة استمرت لأكثر من ثلاث ساعات على جزءين خرجت منها بأنه يعلم تمامًا أنه كاذب وأنه يعلم أن الرئيس قد أعلن أكثر من مرة عن أن الدولة لم تنفق من ميزانيتها جنيهًا واحدًا فى الأعمال الإنشائية بالعاصمة الجديدة، وأن كل ما فعلته لا يرقى ليكون ١٪ مما تقوم به حكومة إحدى الدول العظمى فى مجال العقارات. قامت مصر بتعظيم قيمة الصحراء وتحويلها من صحراء إلى مؤسسات ومنشآت تجارية وعقارية استثمارية يتنافس عليها المستثمرون من داخل وخارج مصر. كلما سألت أحدهم عما يقصده بفقه الأولويات تجد نفس الرد.. إن الدولة تقذف بمليارات فى صحراء العاصمة الإدارية الجديدة وكان أولى بها أن تنفق هذه الأموال على مشاريع أخرى! وأكثر من مرة رد الرئيس وأوضح للمصريين أن الدولة لم تنفق أموالًا فى العاصمة الإدارية الجديدة.

 

هذا عن أزمتهم النفسية المتجسدة فى مصطلح «العاصمة الإدارية الجديدة» ومدينة «العلمين»! فماذا عن حقيقة أولويات الدولة المصرية فى العقد الأخير، وهل فعلًا أخطأت إدارة السيسى الطريق وأخطأت اختياراتها التى تنفق عليها؟!.

أحيانًا يجد أحدنا نفسه مضطرًا لإقناع أحدهم بحقائق جغرافية! وطنٌ يصر شعبه على التمسك بالجنون الإنجابى! يزداد كل عام ما يقرب من اثنين ونصف مليون نسمة، زاد عدد سكان هذا الوطن فى عقد من الزمان ما يقارب عدد سكان دولة من دول القارة، وما يزيد عن سكان دول أوروبية! وطنٌ يمثل صغار السن النسبة الأكبر من سكانه، ويلتحق بمراحل التعليم المختلفة ما يقرب من أربعين مليون نسمة، ويتخرج من جامعاتها المجانية وبعض جامعاتها الخاصة ما يقارب مليونًا أو مليونًا إلا ربع خريج! وطنٌ يصر على التمسك بثوابت اجتماعية مثل حق التعليم المجانى الكامل حتى التخرج من الجامعة، ويبتزه أبناؤه كل عام بإلزامه بتوفير مقعد جامعى لكل خريج حتى لو لم يستحق هذا الخريج هذا المقعد أو لا يرغب فيه!.

وطنٌ هذه بعض مفرداته، منطقيًا ماذا يمكن أن تكون أولوياته الوجوبية الحتمية غير الركض واللهث خلف أهداف بعينها تتلخص فى توفير «الأمن والمأكل والتعليم والصحة وخلق فرص للعمل»؟! وماذا فعل السيسى غير ذلك فى هذه السنوات العشر؟! كيف يمكن لوطن هذه مفرداته أن ينظر خارج هذا الإطار الوجوبى؟! 

أنشطته الخارجية فى أول عام تلخصت فى محاولة السيطرة على ملف النيل عبر فرملة تمويل دول بعينها للسد، وأول الملفات الوجوبية التى أنفق عليها من ميزانية الدولة كان ملفًا مرهقًا تسبب فيه المصريون أنفسهم وهو ملف الحرب العسكرية فى سيناء والتى كانت تتطلب رقمًا فلكيًا من العملة الصعبة كل شهر! وكان يمكن ألا يحدث هذا لولا انتخاب المصريين لجماعة تكفيرية لحكم مصر، أنفقت إدارة السيسى أموال مصر فى الآتى «مشاريع الصحة عبر آلاف القرى والنجوع، إنشاء جامعات جديدة إقليمية وأهلية وإضافة عشرات الكليات للجامعات القائمة بالفعل، الركض خلف استيفاء العدد المطلوب إضافته من مدارس سنويًا لاستيعاب الصغار الذين بلغوا السادسة، ملف الزراعة كما أوضحت بعض تفاصيله، خلق فرص عمل فى كل مشروع قومى».

 

الظهور الأقوى لهذا المصطلح سيئ السمعة كان مع الإعلان عن صفقات التسليح المصرية! تم تمرير المصطلح، وانساق خلفه مصريون لا يدركون ما المرجو خلف تمريره، لقد أفردت فقرات مطولة من كتابى الأخير عن قصة القوات المسلحة المصرية وتاريخها عبر تاريخ مصر الممتد عبر القرون، وأثبت هذا التاريخ حقيقة لم تتغير عبر خمسة آلاف عام. هذه الحقيقة هى أن قوة مصر واستقلالها، بل وتفوقها حضاريًا كان يتناسب تناسبًا طرديًا مع تفوقها أو تعاظم مفرداتها العسكرية، أى كلما عظمت مصر من هذه القدرات، قويت وقوى استقلالها وازدهرت حضارتها، والعكس صحيح، أى فى الفترات التى انهارت قوتها العسكرية أو ضعفت، تعرضت مصر لموجات احتلال وفقدت استقلالها وفقدت حضارتها، لذلك وصلتُ فى بحثى هذا أن قوة مصر العسكرية وتعظيمها خط أحمر وضرورة حتمية وجوبية على من يحكم مصر أن يضعها نصب عينيه دائمًا. 

هذا ما انتبه له حكام مصر فى فترات تاريخية معينة، وغفل عنه أو جهله حكامٌ آخرون، كما ذكرت فالسيسى قرأ تاريخ مصر جيدًا ولديه رؤية ومن أسس تلك الرؤية أن يعظم- تعظيمًا عادلًا ومشروعًا- من قوة مصر العسكرية ليحفظ لها ولأهلها أمانها وأمانهم. لهذا كانت تلك الحملة الشرسة تطفو بقوة على السطح مع كل صفقة تسليح، ومع كل إضافة لقوة مصر العسكرية، كنا نطالع بقوة هذا التعبير الذى كان يهدف لتحريض المصريين ليضغطوا على الرئيس وليبتزوه ويبتزوا إدارته لكى تتوقف عن تنفيذ متطلبات قوة مصر العسكرية، وما كان يثير حنقهم ويصيبهم بهستريا عنيفة أنه كان يدرك هذا ويتجاهلهم ويمضى فى طريق الحفاظ على قوات مصر المسلحة وتلبية احتياجاتها المشروعة.

 

لا أستهدف كاتبَ المقال الذى أشرت إليه فى مقدمة هذا العرض بصفة شخصية، كما لم أكتب ردًا على ما ورد فى مقاله، لكننى وجدت ما جاء به يصلح لأن يكون نموذجًا لما تكرر فى السنوات السابقة فى تضليل المصريين فى الملف الاقتصادى! فهو عالم فى الاقتصاد وتولى مسئولية وزارية سابقة، مما يمنحه بعض المصداقية لدى قطاعات معينة من المصريين. ومن يمتلكون هذه المصداقية تقع على عاتقهم مسئولية ضميرية ووطنية كبيرة. لكن للأسف فإن بعضهم يقع فريسة لبعض الأهواء الشخصية على حساب الحقائق، فبعضهم يقع أسيرًا لأيديولوجية سياسية معينة، وبعضهم قد يعقد اتفاقًا مع الشيطان من أجل العودة للسلطة، وبعضهم الأخير لا يرتقى طموحه فيما هو أكثر من مجرد التواجد فى دائرة الضوء!

أقدر من يعارضون أية سياسات قائمة على حقائق، لكن أكثر ما نطالعه مجرد ترديد لاتهامات عبثية لا تقوى على الصمود أمام الحقائق والأرقام والبيانات، وحقائق الملف الاقتصادى الخاصة بالرئيس عبدالفتاح السيسى وضعت جميع من يتربص ويتوجس فى حرج شديد، فبالأرقام يعتبر السيسى أكثر الرؤساء إنجازًا على الأرض من ناحية المشاريع الزراعية والصناعية وتنشيط التجارة وإنشاء الموانئ التجارية، وتحقيق نسبة نمو اقتصادى رغم تجمد هذا النمو أو تراجعه فى اقتصادات دول كبرى بسبب أزمة كوفيد وحرب روسيا! لقد كانت أزمة أعداء السيسى الحقيقية هى أنه نجح فى تحقيق هذه الإنجازات وسط ظروف استثنائية محليًا ودوليًا، ظروفٌ كانت تستهدفه هو شخصيًا بخلاف استهداف مصر.

تزامنت مع هذه الإنجازات حقيقة مهمة، هى أنه أكثر الرؤساء تعرضًا للهجوم من أعداء تقليديين خارج مصر انساقت خلفهم أعداد غير قليلة من المصريين، وتزامن كل ذلك مع تنشيط استخدام وسائل التواصل بكثافة غير مسبوقة فى عصور سابقة، فهذه الوسائل لم تكن تحظى بهذه النسبة من اهتمام المصريين قبل أحداث يناير. لذلك كانت هذه الوسائل تمثل أسلحة حقيقية موجهة ضد مصر بعد ثورة يونيو، وهذا لم يكن ممكنًا مثلًا فى سنوات حكم مبارك. يمكننا أن نتخيل مثلما كان يتم تسليطه من أضواء وما يتم ترويجه إعلاميًا فى سنوات حكم مبارك فى قنوات تليفزيونية حكومية مع قيامه فقط بوضع حجر أساس أى مشروع دون أن يتابع المصريون ما الذى تم فى نفس المشروع بعد ذلك، ومقارنة هذا المشهد مع عدم قيام السيسى بافتتاح أى مشروع دون أن يتحقق على الأرض بالفعل، لكنه كان يواجه كتائب إلكترونية مضادة له ولأى مشروع وإنجاز.

إننى لا أؤيد هذا الرجل وأؤيد ترشحه لفترة رئاسة جديدة كمكافأة له على سيرته فى الحكم عشر سنوات، لأن حكم مصر لا يمكن أن يُمنح أبدأ كمكافأة. لكننى أؤيده لأننى أراه ما زال يملك نفس الطاقة والحيوية والقدرة على العمل، وما زال يفاجئنا كل يوم بإنجاز هنا أو هناك، لا يزال طاقة عمل متفجرة يلهث خلفه من يعمل معه فى محاولة لمواكبة مستوى عمل أداء الرئيس. إننى أؤيده لأننى ما زلت أنتظر منه الكثير مما لم يتحقق بعد أو فى منتصف الطريق.. وحتى يكون الحديث موضوعيًا فلا بد أن نتطرق إلى وجهة النظر الأخرى.. وهذا ما سوف أعرضه فى الجزء القادم والأخير.